أكثر من ألف معلم ينهارون عصبيا كل سنة للنقابات

عن جريدة الخبر

أساتذة يحاولون الانتحار بسبب الضغوط المهنية أكثر من ألف معلم ينهارون عصبيا كل سنة


“عندما أرى تلميذا أمامي أود خنقه”، “لم يعد باستطاعتي الدخول إلى القسم، بل وحتى الاقتراب من محيط الثانوية”.. هي شهادة لأستاذة في مادة اللغة الألمانية بنواحي العاصمة، كادت تفقد عقلها بعد 10 سنوات من التعليم، لولا خضوعها لعلاج نفسي على يد البروفيسور ايدير لعايب شريفة، المختصة في طب العمل
بمستشفى الرويبة بالعاصمة. هي حالة من بين الكثير من الأساتذة الذين هم على حافة الجنون، أو فقدوا عقولهم، علما أن نقابات التربية تسجل سنويا على الأقل ألف أستاذ يصابون بانهيارات عصبية.
عوض أن يخرج الأساتذة بمختلف الأطوار التعليمية بشهادة اعتراف بالمجهودات والسنوات التي قضوها في التربية والتعليم، يخرجون بشهادات طبية في الأمراض العصبية والعقلية في غياب مصلحة لطب العمل تتكفل بهم، ليجدوا أنفسهم، في أغلب الأحيان، مجبرين إما على التقاعد المبكر أو التخلي عن وظيفتهم، والمحظوظون منهم يستفيدون من مناصب مهيأة، أو يغيرون المهنة قبل أن “يجنّوا”.
استقبلت البروفيسور ايدير العايب شريفة الكثير من الحالات لأستاذة يعانون اضطرابات نفسية وعقلية، بعضهم استطاع التغلب على المرض وعادوا لمناصبهم بعد فترة من العلاج، وآخرون تفصلهم عن الجنون “شعرة معاوية”، في ظل ضغوط مهنية وعائلية حادة.
أستاذ بمتوسطة في نواحي العاصمة، قضى نحو 15 سنة في التعليم، لكن ما يعيشه يوميا مع التلاميذ في القسم وكثافة البرنامج جعلته منهارا عصبيا، لا ينام، لا يأكل ويحب العزلة. تقول البروفسور ايدير: “كانت أكاديمية التربية تستدعيه في كل مرة للالتحاق بمنصبه بالمؤسسة التربوية، غير أن حالته النفسية الصعبة والضغوط التي يعانيها من كل جانب دفعته للتخلي عن منصب عمله”. وتذكر محدثتنا حالة أخرى مشابهة لأستاذة في مادة الرياضيات بالسنة النهائية، أصيبت بانهيار عصبي بعد أكثر من 10 سنوات من العطاء “بمجرد دخولها مكتبي انفجرت باكية وهي تقول إنها لا تستطيع تدريس 50 تلميذا في القسم، كانت وضعيتها جد حرجة، تحدثت كثيرا عن ظروف العمل، ووصفت الأساتذة بحقل تجارب”.
وحسب البروفيسور العايب، فإن المشكل ليس في الأساتذة وإنما في ظروف العمل بالدرجة الأولى، فالكثير منهم أكدوا لها أنهم يعانون من ما أسموه “الحڤرة” في التوزيع الساعي للبرامج، اكتظاظ الأقسام، ومن ضغوط مديري بعض المؤسسات التربوية الذين يطالبونهم بنتائج جيدة لنسبة نجاح التلاميذ عند نهاية المسوم الدراسي، لتضيف “هي فعلا أسباب تجعل الشخص يجن، لاسيما في ظل غياب مصالح لطب العمل خاصة بالأساتذة عبر الوطن، والتي من شأنها التقليل من هذه الظاهرة باكتشافها للحالات مبكرا ومعالجتها، وفوق ذلك من الصعب حصولهم على مناصب مهيأة”.
من جهتهم، يعترف نقابيو التربية بالتأثيرات السلبية للظاهرة على مردود الهيئة التدريسية، وانعكاساتها على التلاميذ على حد سواء.
وحول هذه النقطة، كشف رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، صادق دزيري، تسجيل ما بين 20 إلى 30 حالة لأساتذة يصابون بانهيارات عصبية بكل ولاية، فيما يتعرض 5 أساتذة لاضطرابات عقلية سنويا، مشيرا إلى أن “الكآبة” أضحت من بين أهم الأمراض المهنية المنتشرة في قطاع التربية، والتي تصل في نهايتها إلى مرحلة الجنون وفقدان العقل، ومن ينجو، كما قال، من المربين في مسارهم المهني، هم الذين يتحكمون في مادتهم العلمية ودخلوا مهنة التعليم عن حب.
وروى دزيري في هذا السياق حالة لأستاذ من ولاية خنشلة أصبح مريضا نفسيا بعد 20 سنة من التعليم في الطور المتوسط بمنطقة ريفية، ورغم ذلك بقي يدرس، ما دفع بالكثير من الأولياء إلى منع أبنائهم من الالتحاق بمقاعد الدراسة.
ودعا رئيس “أنباف” إلى ضرورة استحداث مصلحة طب العمل في كل ولايات الوطن، والتي من شأنها اكتشاف الأمراض في وقت مبكر، مع الاعتراف بالكآبة كمرض، رغم صعوبة تشخيصه كمرض مهني، إضافة إلى فتح تحقيق وبائي لمعرفة الأمراض المهنية التي يتعرض لها الأستاذ، وخلق مناصب مكيفة، بينما يبقى الحل الاستعجالي، حسبه، وضع مناصب عمل إضافية بوزارة التربية تحت التصرف، يستفيد منها الأساتذة الذين يعانون اضطرابات نفسية.
الكآبة.. مرض “خبيث” يصيب أسرة التربية
من جانبها، سجلت النقابة الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، أكثر من 400 أستاذ مريض نفسيا وعقليا على المستوى الوطني سنة 2024.
وحسب رئيس النقابة، مزيان مريان، فإن بعض الأساتذة حاولوا الانتحار بسبب الضغوط المهنية، وأصبح أغلبهم يفضلون الاستقالة أو طلب الإحالة على التقاعد المسبق تفاديا للإصابة بالجنون. ويرى المكلف بالإعلام بالمجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني الموسع، “كناباست”، بوديبة مسعود، أن الأستاذ في الجزائر يفقد توازنه بعد سنوات من العمل عكس الدول المتقدمة التي أعطت له مكانة معنوية ومادية مرموقة.
وأفاد بوديبة بأن 50 بالمائة من المرضي الذين يزورون مستشفى الرازي المختص في الأمراض العقلية بعنابة مثلا، هم من الأساتذة والمعلمين، مضيفا أن الأغلبية منهم يفكرون في ممارسة مهن أخرى غير التعليم، هروبا من الجو الروتيني القاتل. ورغم خبرة الكثير منهم، إلا أنهم يلجأون إلى الاستقالة أو الترقية إلى مناصب إدارية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.