نفحات الشهر الكريم

خلق الله الإنسان من ضعف، تتجاذبه لواعج الهوى وبواعث الشهوات، ذلك أن الطبيعة البشرية تحول بينه وبين الوصول إلى المثالية والكمال المطلق، ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة متضافرة على استحالة تحول النموذج البشري الإنساني إلى ملائكي معصوم من الخطإ مجبول على الطاعة دون جهد أو معاناة.
وأمام هذا الضعف البشري الذي جبل عليه الإنسان وقوة نوازع الهوى كان لا بد من كسر معادلة القصر النسبي لعمر الإنسان من جهة وعداد الحسنات التي ينبغي أن يفوق عددها السيئات.و لتحقيق هذا التوازن منح الله عباده مواسم وأماكن ضاعف لهم فيها العمل الصالح وفتح لهم فيها أبواب الخير مشرعة على مصاريعها، يعفو عن مسيئهم ويمنح مستجديهم؛ عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات الله عز وجل فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوه أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم » (أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان، وأبو نعيم في الحلية. .
ونفحات الله المشار إليها هنا: منح من خزائن رحمته يصيب بها من يشاء من عباده المؤمنين، من صادف نفحة منها سعد سعادة الأبد، قال علماء السلوك والأخلاق: التعرض للنفحات الترقب لورودها بدوام اليقظة والانتباه من الغفلة حتى إذا مرت نزلت بفِناء القلوب…. الله .
قال علي بن بكار منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء إلا طلوع الفجر، وقال الفضيل بن عياض: إذا غربت الشمس فرحت بدخول الظلام لخلوتي فيه بربي، فإذا طلع الفجر حزنت لدخول الناس علي
وقال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، وقال بعض العلماء: ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملّق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة، وقال بعضهم: قيام الليل والتملّق للحبيب والمناجاة للقريب في الدنيا ليس من الدنيا هو من الجنة أظهر لأهل الله تعالى في الدنيا، لا يعرفه إلا هم، ولا يجده سواهم روحاً لقلوبهم.
ذلك أن مقادير ما يظفر به المتعرض للطف الله تعالى في الأحوال والأعمال يجري مجرى الصيد وهو بحسب الرزق فقد يقل الجهد ويجل الصيد وقد يطول الجهد ويقل الحظ، والمعول وراء هذا الاجتهاد على نفحة من نفحات الرحمن فإنها توازي أعمال الثقلين، وليس فيه من اختيار العبد إلا أن يتعرض لتلك النفحة بأن يقطع عن قلبه جواذب الدنيا فإن المجذوب إلى أسفل سافلين لا ينجذب إلى أعلى عليين، وكما يقول الغزالي: كل مهموم بالدنيا فهو منجذب إليها فقطع العلائق الجاذبة هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: « إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها » وذلك لأن تلك النفحات لها أسباب سماوية؛
وفي هذه الأيام المباركات أيام الخير والبركة من رمضان تهب على القلوب نفحة من نفحات نسيم القرب ،و الوصل للمذنبين بالعفو والمستوجبين النار بالعتق، إذ تسلسل مردة الشياطين في هذا الشهر الكريم وتخمد نيران الشهوات بالصيام وينعزل سلطان الهوى، ويصير العقل بالعدل فلم يبق للعاصي عذر، ويرتفع نداء الحق عاليا: يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي، يا شموس التقوى والإيمان اطلعي، يا صحائف أعمال الصائمين ارتفعي، يا قلوب الصائمين اخشعي,.
ونفحات الخير ودفع العطايا في هذا الشهر الكريم أكثر من أن يطالها حصر؛ فهو شهر الصيام الذي هو علة التقوى؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وفيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، ويصفد مردة الشياطين وعصاة الجن، ويكفي أن فيه ليلة القدر التي جعل الله ثواب العبادة فيها أفضل من ثواب العبادة لمدة 83 سنة وثلاثة أشهر، وهو ما يقترب من أعلى معدل لمتوسط عمر الإنسان في هذه الأمة، والعمرة في هذا الشهر تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالمحروم من يجعل جهده وسعيه في هذا الشهر معادلا لجهده في غيره، فلا يخصصه بمزيد من الاجتهاد في الخيرات التي هي ميدان التسابق والتي فيها الربح العظيم .
أختم كلامي هذا بهذه الأبيات الرائعة لـــــ…. الشاعر صبري الصبري

بـدا بالصـوم فـي الأفــق الـهـلالُ
لــه فــي حـسـن طلـعـتـه جـــلالُ
كعـرجـون قـديــم الـنــور يـنـمـو
نـمــوا مـنــه ينـبـجـس الـجـمــالُ
وتحـلـو فـيـه روضــاتٌ حـسـانٌ بـهــا
حـــورٌ لخاطـبـهـا حــــلالُ

فـأهــلا مـرحـبـا رمـضــان إنـــا
بشهـرك جـاءنـا فـيـه الـنَّـوالُ !!

و تحياتي لكلم جميعا أحبتي في هذا الشهر الكريم
منقول من :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.