اعترافات خطيرة حور دور بعض التصوف في خدمة المحتل. -تاريخ الجزائر

اعترافات خطيرة حور دور التصوف في خدمة المحتل

صاحب السجادة الكبرى يلقي بين يدي فرنسا خطبة الإخلاص الجزائر في 23/1/1350هـ لمراسل مجلة الفتح، التي يصدرها الأستاذ محب الدين الخطيب.
نشرت جريدة لابريس ليبر Lapresselibre وهي جريدة فرنسية استعمارية يومية كبرى تصدر في عاصمة الجزائر في عددها الصادر يوم السبت 16 مايو (28ذي الحجة)، خطبة طويلة ألقاها الشيخ سيدي محمد الكبير صاحب السجادة الكبرى ، أي رئيس الطريقة الصوفية المسماة بالطريقة التجانية، بين يدي الكولونيل سيكوني الفرنسي الذي ترأس بعثة من الضباط قامت بنزهة استطلاعية في الجنوب الجزائري، ومهدت لابريس ليبر للخطبة بكلمة جاء فيها.
وبعد ما طافت هذه البعثة العسكرية في مدينة الأغواط، سافرت إلى عين ماضي المركز الأساسي للطريقة الصوفية الكبرى التجانية ، ملبين دعوى رئيس هذه الطريقة المحترمة المبجلة الشيخ سيدي محمد الكبير، وبعدما تفرجوا على المدينة، يعني: قرية عين ماضي، وعلى الزاوية ذهبوا إلى القصر العظيم الذي شيِّد بإيعاز من السيدة الفرنسية مدام اوريلي التجاني (أيّم التجاني)، وفي ردهات هذا القصر الرائعة الجميلة أقيمت مأدبة فخمة فاخرة كبرى لهؤلاء الضباط ولنواب الحكومة العسكرية المحلية بالأغواط وعين ماضي، وفي أثناء شرب الشاي قام حبيبنا حسن سي أحمد بن الطالب، وتلا باسم المرابط سيدي محمد الكبير صاحب السجادة التجانية الكبرى خطبة عميقة مستوعبة للخدمات الجليلة الصالحة التي قامت بها الطائفة التجانية لفرنسا وفي سبيل فرنسا من توطيد الاستعمار الفرنسي، وفي تسهيل مهمة الاحتلال على الفرنسيين، وفي إشارات التعقل التي كانت تسديها هذه الطريقة الصوفية لمريدها من الأحباب .
ثم قالت الجريدة: وحيث طلب منا نشر هذه الخطبة القيمة فإننا ننشرها فيما يلي: وهنا أوردت الجريدة جانباً كبيراً من الخطبة – نصفها أو ثلثيها – كله ثناء لا يحصى ولا يعد على فرنسا المستعمرة، فوصفها الخطيب بأنها أم الوطن الكبرى ، وانهال عليها مدحاً وشكراً بما لا يخرج عن معنى ما نسمعه دائماً من دعاتها المأجورين، إلا أنه قال: حتى الأرذال الأوباش أعداء فرنسا الذين ينكرون الجميل، ولا يعترفون لفاضل بفضل، قد اعترفوا لفرنسا بالمدنية والاستعمار، وبأنها حملت عنا ما كان يثقل كواهلنا من أعباء الملك والسيادة، وحملت الأمن والثروة والرخاء والسعادة والهناء.
ولكن المهم من الخطبة هو الجانب الأخير منها، لأنه يحوي اعترافات خطيرة مثبتة بتواريخها، ونحن ننقل هذه الاعترافات حرفياً، ونعرضها على صفحات الفتح المجلة التي يثق بها المسلمون جميعاً، ولكل مسلم أن يحكم على هذه الاعترافات بما يشاء.
قال الشيخ سيدي محمد الكبير صاحب السجادة الكبرى التجانية ، وهو خليفة الشيخ أحمد التجاني الأكبر مؤسس هذه الطريقة، وهذا الخليفة يسيطر على جميع أرواح الأحباب المريدين التجانيين في مشارق الأرض ومغاربها.
إنه من الواجب علينا إعانة حبيبة قلوبنا مادياً وأدبياً وسياسياً، ولهذا فإني أقول لا على سبيل المن والافتخار، ولكن على سبيل الاحتساب والتشرف بالقيام بالواجب: إن أجدادي قد أحسنوا صنعاً في انضمامهم إلى فرنسا قبل أن تصل بلادنا، وقبل أن تحتل جيوشها الكرام – كذا – ديارنا.
ففي سنة 1838 كان جدي سيدي محمد الصغير – رئيس التجانية يومئذ – أظهر شجاعة نادرة في مقاومة أكبر عدو لفرنسا، الأمير عبد القادر الجزائري، ومع أن هذا العدو – يعني : الأمير عبد القادر – قد حاصر بلدتنا عين ماضي، وشدد عليها الخناق ثمانية أشهر، فإن هذا الحصار تم بتسليم فيه شرف لنا نحن المغلوبين، وليس فيه شرف لأعداء فرنسا الغالبين، وذلك أن جدي أَبى وامتنع أن يرى وجهاً لأكبر عدو لفرنسا، فلم يقابل الأمير عبد القادر!
وفي سنة 1864 كان عمي سيدي أحمد – صاحب السجادة التجانية يومئذ – مهد السبيل لجنود الدوك دومال،وسهل عليهم السير إلى مدينة بسكرة، وعاونهم على احتلالها.
وفي سنة 1870 حمل سيدي أحمد هذا تشكرات الجزائريين للبقية الباقية من جنود التيرايور الذي سلموا من واقعة ريش – هوفن ، وواقعة ويسانبور ، ولكي يظهر لفرنسا ولاءه الراسخ وإخلاصه المتين، وليزيل الريب وسوء الظن اللذين ربما كانا بقيا في قلب حكومتنا الفرنسية العزيزة عليه –يعني: من حيث كونه مسلماً ولو بالاسم فقط – برهن على ارتباطه بفرنسا ارتباطاً قلبياً، فتزوج في أمد قريب بالفرنسية الانسة أوريلي بيكار (مدام أو أيّم التجاني بعدئذ)، وبفضل هذه السيدة – نعترف به مقروناً مع الشكر – تطورت منطقة كوردان هذه ضاحية من ضواحي عين ماضي من أرض صحراوية إلى قصر منيف رائع، ونظراً لمجهودات مدام أوريلي التجاني هذه المادية والسياسية فإن فرنسا الكريمة قد أنعمت عليها بوسام الاحترام من رتبة جوقة الشرف .
المراسل: وسيدي أحمد هذا لما تزوج في سنة 1870 بهذه المرأة الفرنسية، كان أول مسلم جزائري تزوج بأجنبية، وقد أصدرت هي كتاباً فرنسياً في هذه الأيام أسمته: أميرة الرمال تعني نفسها، وقد ملأته بالمثالب والمطاعن على الزاوية التجانية، وذكرت فيه أن سيدي أحمد هذا إنما تزوجها على يد الكاردينال لافيجري على حسب الطقوس المسيحية، وذلك لأن قانون الزواج الفرنسي كان دينياً مسيحياً لا مدنياً، ولما توفي عنها سيدي أحمد هذا خلفه عليها وعلى السجادة التجانية أخوه سيدي علي!.
ولما أنعمت فرنسا بوسام الشرف على هذه السيدة منذ أربعة أعوام، قالت الحكومة في تقريرها الرسمي ما نصه: لأن هذه السيد قد أدارت الزاوية التجانية الكبرى إدارة حسنة كما تحب فرنسا وترضى، ولأنها كسبت للفرنسيين مزارع خصبة ومراعي كثيرة، لولاها ما خرجت من أيدي العرب الجزائريين (التجانيين)، ولأنها ساقت إلينا جنوداً مجندة من أحباب هذه الطريقة ومريدها يجاهدون في سبيل فرنسا كأنهم بنيان مرصوص.
واليوم تعيش هذه السيدة (أيم التجاني) في مزرعة لها كبرى في ضواحي مدينة بلعباس – وهران عيشة المترفين ذوي الرفاهية والنعيم، وهي الآن لم تقطع علاقاتها بالزاوية التجانية، بل لا تزال تسيطر عليها، وتقبض على أزمتها، ومع أن الأحباب التجانيين يتبركون بهذه السيدة ويتمسكون بآثارها ويتيممون لصلواتهم على التراب الذي تمشي عليه، ويسمونها زوجة السيدين ، فإنها لا تزال مسيحية كاثوليكية إلى هذه الساعة، ومن العجيب أن إحدى وستين سنة قضتها كلها في الإسلام وبين المسلمين من (1870-1930)، لم تغير من مسيحيتها شيئاً، وهذا دليل على ما كانت تكنه في قلبها لهؤلاء الأحباب في رقابهم وأموالهم!!
ولنرجع إلى نقل الاعترافات فنقول: ثم قال سيدي محمد الكبير: وفي سنة 1881 كان أحد مقاديمنا سي عبد القادر بن حميدة مات شهيداً مع الكولونيل فلاتير حي كان يعاونه على احتلال بعض النواحي الصحراوية.
وفي سنة 1894 طلب منا جول كوميون والي الجزائر العام يومئذ أن نكتب رسائل توصية، فكتبنا عدة رسائل ، وأصدرنا عدة أوامر إلى أحباب طريقتنا في بلاد الهكار (التوارق) والسودان نخبرهم بأن حملة فو ولامي الفرنسية هاجمة على بلادهم، ونأمرهم بأن لا يقابلوها إلا بالسمع والطاعة، وأن يعاونوها على احتلال تلك البلاد، وعلى نشر العافية فيها!!
وفي سنة 1906-1907 أرسل المسيو جونار والي الجزائر العام يومئذ ضابطه المترجم مدير الأمور الأهلية بالولاية العامة سيدي مرانت برسالة إلى أبي المأسوف عليه سيدي البشير، فأقام عنده في زاوية كوردان شهراً كاملاً لأداء مهمة سياسية، ولتحرير رسائل وأوامر أمضاها سيدي البشير والدي – رئيس التجانية يومئذ 0، ثم وجهت – أرسلت – إلى كبراء مراكش – المغرب الأقصى – وأعيانها وزعماء تلك البلاد وجلهم، أو قال: وأكثرهم تجانيون من أحباب طريقتنا نبشرهم بالاستعمار الفرنسي، ونأمرهم بأن يتقبلوه بالسمع والطاعة والاستسلام والخضوع التام، وأن يحملوا الأمة على ذلك، وأن يسهلوا على جيوش فرنسا تلك البلاد.
وفي الحرب العالمية الكبرى أرسلنا ووزعنا في سائر أقطار شمال أفريقية منشورات تلغرافية وبريدية استنكاراً لتدخل الأتراك في الحرب ضد فرنسا الكريمة وضد حلفائها الكرام، وأمرنا أحباب طريقتنا بأن يبقوا على عهد فرنسا وعلى ذمتها ومودتها.
وفي سنة 1913 إجابة لطلب الوالي العام للجزائر أرسلنا بريداً إلى المقدم الكبير للطريقة التجانية في السنغال سيدي الحاج مالك عثمان ساي نأمره بأن يستعمل نفوذنا الديني الأكبر هنالك في السودان لتسهيل مأمورية كلوزيل الوالي العام للجزء الشمالي من إفريقية الغربية، أي لكي يسهل عليه احتلال واحة شنقيط.
وفي سنة 1916 إجابة لطلب المريشال ليوتي عميد فرنسا في مراكش كان سيد علي – صاحب السجادة الرئيس الذي كان قبلي – كتب مئة وثلاث عشرة رسالة توصية، وأرسلها إلى الزعماء الكبار وأعيان المغاربة يأمرهم بإعانة فرنسا في تحصيل مرغوبها وتوسيع نفوذها وذلك بواسطة نفوذهم الديني!
وفي سنة 1925 في أثناء حرب الريف أرسلت أنا – حبيبنا – المخلص ومريد طريقتنا ومستشارنا المعتبر حسني سي أحمد بن الطالب، الذي قرا هذه الخطبة بلسان سيده، إلى المغرب الأقصى، فقام بدعاية كبرى – وبروباغندا – واسعة في حدود منطقة الثوار، وتمكن من أخذ عناوين الرؤساء الكبار والأعيان الريفيين والمقاديم وأرباب النفوذ على القبائل الثائرة، وكتبنا إليهم رسائل نأمرهم فيها بالخضوع والاستسلام لفرنسا، وقد أرسلنا هذه الرسائل إلى مقدمنا الأكبر في فاس فبلغها إلى المبعوث إليهم يداً بيد. وبالجملة فإن فرنسا ما طلبت من الطائفة التجانية نفوذها الديني إلا وأسرعنا بكل فرح ونشاط بتلبية طلبها وتحقيق رغائبها، وذلك كله لأجل عظمة ورفاهية وفخر حبيبتنا فرنسا النبيلة .
والله المسؤول أن يخلد وجودها بيننا لنتمتع برضاها الخالد! ثم لما ختم خطبته هذه بالثناء العاطر على الموظفين الفرنسيين وعلى الضباط العسكريين واحداً واحداً، ومدح الوالي العام الحالي ووصفه بأنه المستعمر الأكبر .
وما انتهى الشيخ من خطبته حتى نهض ليوتنان كولونيل سيكوني رئيس البعثة العسكرية وشكر الشيخ وأثنى عليه، ثم قال له: ومن كمال مروءتك وإحسانك يا سيدي الشيخ المرابط أنك لم تذكر ولا نعمة واحدة من النعم التي غمرتني بها، فأنت الذي أنجيتني من الطوارق الملثمين، وأنقذتني من أيديهم، وهكذا جعل الكولونيل يذكر مناقب أخرى للشيخ كثيرة.
ونلفت نظر القراء إلى شيئين اثنين: أحدهما: أن الرئاسة الروحية في هذه الطريقة التجانية هي موحدة في يد الخليفة، وليس لأحد منهم أن يستقل عنه، وأما هم اليوم يقفون موقفاً حرجاً جداً للغاية، فهم يحاربون ويحاربهم دعاة الإباحية والإلحاد، وأهل الجمود والخرافات، ويقاومون في هؤلاء وهؤلاء الاستعمال الغاشم، وما فيه من قسوة وطغيان.

منقول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.