الحافظ ، المقرئ ، الفقيه أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي جمعة ثم الوهراني -تاريخ جزائري

السلام عليكم و رحمة الله

مولده و كنيته :

الحافظ ، المقرئ ، الفقيه أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي جمعة ثم الوهراني ، المغراوي نسبة الى قبيلة مغراوة ، المشهور بشقرون، وابن أبي جمعة ( ابو جمعة )، عرف بشقرون لأنه كان أشقر اللون أحمر العينين، ولد سنة ولد سنة 879 هـ .
والده هو: العالم المقرئ الأديب ، أبو العباس احمد بن جمعة المغراوي الوهراني ( ت 920 هـ / 1514 م ) صاحب الفتوى الشهيرة الى الموريسكيين من أهلنا بالأندلس و " جامع جوامع الاختصار و البيان فيما يعرض للمعلمين و آباء الصبيان " في تربية الأولاد و تعليمهم، و هو أول أساتذته حيث حفظ على يديه القرآن الكريم ، وتعلم القراءات ، و حفظ المتون ، واللغة والبيان، قبل ان ينتقل الى فاس حاضرة العلم و القراءة.

شيوخه:

ظهرت حركة علمية ناهضة في فاس وتلمسان و غيرها من حواضر المغرب العربي في عصر مترجمنا ، و تلاقحت هذه النهضة بين مختلف مدارس الأقطاب وامتداداتها في المغرب وإفريقية والأندلس ، فاشتهر و نبغ علماء اجلاء تركوا لنا تراثا علميا يدل على نبوغهم وامتلاكهم لناصية الإجادة في مختلف العلوم ورسوخ قدمهم فيه، و في هذا الجو العلمي الطافح ، تلقى مترجمنا العلوم على يد مشايخ و علماء منهم:

– الإمام الكبير شيخ الجماعة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن غازي ( ت 951 هـ) : أحد اعلام المدارس الأدائية في قرءاة نافع، و صاحب الفهرس المسمى ب:" التعلل برسوم الاسناد بعد ذهاب أهل المنزل والناد" و " إرشاد اللبيب إلى مقاصد حديث الحبيب " و"وإنشاد الشريد من ضوال القصيد " [حاشية على الشاطبية ]، و لما توفي رحمه الله وثاه تلميذه محمد بن أبي جمعة الوهراني بقصيدة عصماء وهي كما قال الدكتور حميتو – حفظه الله – " مثل فريد في الوفاء".

– أحمد بن محمد بن يوسف الصنهاجي، أبو العباس، المعروف بالدقون ( ت 921 هـ / 1515 م) الفقيه المحدث ، خطيب جامع القرويين، ولد ونشأ بغرناطة، وانتقل مع أبيه إلى فاس ، وقد ذكر إجازته لمحمد شقرون الوهراني
بمروياته عن الإمام المواق (أبو عبد الله محمد بن يوسف العبدري الاندلسي، الغرناطي المالكي، عالم غرناطة وإمامها وصالحها في وقته ت 897 هـ ) بقوله:
أجاز لك الدقون يا نجل سيدي * * * أبي جمعة المغـراوي كـل الذي روى
فحدث بما استدعيت فيه إجازة * * * وسلم على من خالف النفس والهوى

– الإمام العلامة المؤرخ المتفنن شيخ الجماعة ، ومفتي فاس وخطيب جامع القرويين أبو الحسن علي بن موسي بن علي ابن موسى بن هارون ( ت 951 هـ ) المطغري – مطغرة تلمسان – ، ذكر من ترجموا لابي جمعة الوهراني أنه عارضه القرءان الكريم نحو عشرين ختمة بعد ختمة السبع، ومن قبلها سبع: ثلاث لورش، وثلاث لقالون، والسابعة بالطرق العشرة ، ومن كتب الحديث "صحيح البخاري" و " صحيح مسلم " و " الموطأ " كما قرئ معه المدونة ،والعمدة والتفسير ومختصر خليل والعربية والحساب والفرائض وغيرها من المتون.
– المقرئ العالم، الإمام محمد بن محمد بن العباس التلمساني الشهير بأبي عبد الله ( كان حيا بعد 920هـ ) وهو من أصحاب الشيخ أبي عبد الله بن غازي المكناسي، له من المؤلفات "شرح المسائل المشكلات في مورد الظمآن".

– صفاته:

وصفه معاصروه بأنه طويل القامة ، ممتلئ الجسم ، أشقر اللون ، أحمر العينين ، أشتهر بصوته الجهير ، و أدبه في المناقشة و حسن المجادلة ،دمث الأخلاق يحنو على طلبته و يشرف على مصالحهم ،وفيا لشيوخه مبجلا لهم ، كما عرف عنه أنه صاحب حافظة قوية ، و بأنه ضابط عدل من الفقهاء الأعلام.

آثاره و مؤلفاته:

أبو جمعة الوهراني من العلماء الذين ظهرت عليهم علامات النجابة و النبوغ في سن مبكرة، فقد تفتقت مواهبه وتراد عطاؤه العلمي و هو في مقتبل العمر يدل على ذلك تاليفة لرائعته منظومة " تقريب المنافع في الطرق العشر لنافع " وهو نظم في القراءات بيّن فيه الطرق العشر إلى نافع في ثلاثمائة بيت ( 300) ، وذكر انه الفها و هو في سن العشرين سنة 899هـ .

– " الجيش و الكمين، لقتال من كفّر عامة المسلمين " ( انظر التعليق ).

– مجموعة تقاييد عن شيخه ابن غازي ،توجد منها نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 4497 بعنوان "تقييد طرر مورد الظمآن" متلقاة من شيوخ مدينة فاس.

– " تقييد على مورد الظمآن أو طرر متلقاة من شيوخ مدينة فاس " ويبدو أن محمد الوهراني قد شرح هذه القصيدة بعد ذلك في رسالة مبتورة، لا تزال مخطوطة بالمكتبة الوطنية بباريس إلى يومنا هذا (أبو القاسم سعد الله ج1، ص: 115)، و توجد منها (مخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 4497 مجموع) و مخطوطة (ودار الكتب المصرية برقم 213 (فهرس الخزانة التيمورية بمصر قسم التفسير 1/187)
أول التقييد قوله: "الحمد لله الكريم الوهاب، الرحيم التواب … وآخره قوله: "ولا يتقدم شيء من الصلة على الموصول، انتهى ما قيد على الخراز".

– فهرست، في مروياته عن شيوخه.

– قصيدة طويلة في رثاء شيخه ابن غازي المكناسي، منها نسخة بالمكتبة الناصرية بتمكروت.

اللامية " تقريب المنافع في الطرق العشر لنافع ":

وقد خص د.عبد الهادي حميتو في بحثه الماتع " قراءة الإمام نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش" هذه القصيدة بشرح شامل في الجزء الرابع ( 4 / من صفحة 342 الى صفحة 356) جزاه الله بكل خير، و ها أنا انقل لكم بعض ماجاء في بحثه _ حفظه الله – بتصرف يسير :
" ابو جمعة الوهراني إمام جليل راسخ القدم في رواية العشر الصغير، وهو صاحب القصيدة اللامية "تقريب المنافع" – الآنفة الذكر – التي ضاهى بها "تحفة الأليف" للصفار، ولامية العامري.

– تعريف بالقصيدة ورموزه فيها واصطلاحه:

وتعتبر هذه القصيدة نموذجا من نماذج النظم التعليمي الذي برع فيه المغاربة بوجه خاص في هذه القراءة – قراءة الإمام نافع- وأشتهروا فيه شهرة كبيرة وقد ألفها متأثرا بقصيدة الإمام المقرئ أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن الصفار ، و هي تقع في ثلاثمائة بيت، وقد نظمها و هو في العشرين من عمره.
و هي بعنوان " " تقريب المنافع في الطرق العشر لنافع " [ أما إسماعيل باشا البغدادي فقد سماها " تقريب النافع " كما ورد في "إيضاح المكنون" 1/314 (ذيل كشف الظنون)] وهو الموافق لموضوعها، واكتفي في بعض الفهارس بتسميتها "التقريب في القراءات" إستنادا إلى قوله في مقدمتها:
"وسميته" التقريب "عن قربة به … أنال مع الآباء في جنة العلا"
وقد حدا فيها حذو الشاطبي في استعمال الرموز، إلا أنه حولها للدلالة على الطرق العشرة المروية عن نافع، كما أنه خالف بها النمط المتبع الآن عند القراء في الرمز، وعكس الاصطلاح الذي درج عليه قبله العامري الذي رمز برموز "أبج" لإسماعيل الأنصاري وطريقيه، و"دهز" لإسحاق المسيبي وطريقيه، ثم بالأحرف "حطيك" لقالون وطرقه الثلاثة، و"لمنص" لورش والأزرق والعتقي والإصبهاني على التوالي.
أما الوهراني فقد اعتبر الرمز الأول "أبجد" للقراءة الرسمية السائدة، فجعل الألف لورش، والباء للأزرق، والجيم لعبد الصمد العتقي، والدال للأصبهاني.
ورمز لقالون وطرقه الثلاثة برمز "هزحط" فجعل الهاء لقالون والزاي للمروزي أبي نشيط، والحاء والطاء للباقيين، ورمز لإسماعيل الأنصاري برمز "يكل" ولإسحاق المسيبي برمز "منص" وزاد في طرق الحلواني عن قالون الرمز "جع" يعني بالجيم الجمال، وبالعين أباعون الواسطي.

ميزات القصيدة وأهميتها:

توسع الوهراني في بسط مسائل الخلاف أكثر مما فعل الصفار في تحفة الأليف والعامري في قصيدته إذ اعتنى بعزو مسائل الخلاف الخاصة لبعض نقلتها وخاصة لأبي عمرو الداني وشيخيه ابن خاقان وفارس بن أحمد، كما ذكر بعض مذاهب مكي بن أبي طالب والأهوازي وابن شريح والشاطبي وابن بري وشرح الخراز عليه.
ويضاف إلى توسعه في مسائل الخلاف مزجه بين المدرستين "الأثرية" "والقياسية" القيروانية، وخاصة في باب "الراءات" حيث تعرض لما نقله ابن سفيان ومكي والمهدوي والحصري وغيرهم من أئمة المدرسة القيروانية من الأحكام الخاصة التي انفردوا بنقلها في مذهب ورش من طريق المصريين كما تقدم مما سكت عنه الشاطبي مكتفيا في الإشارة إليه بقوله:
و"في الراء عن ورش سوى ما ذكرته … مذاهب شذت في الأداء توقلا".
وهذا ينبه على انتماء الإمام الوهراني إلى الاتجاه العام الذي عبرنا عنه ب"المدرسة التوفيقية"، وهي التي لاءمت بين المدرستين: القياسية والأثرية، واعتمدت الوجوه المقروء بها واعتبرتها في اختلافات الأداء.
تلك هي قصيدة تقريب المنافع لابن أبي جمعة محمد بن محمد الوهراني المغراوي أحد كبار أصحاب أبي عبد الله بن غازي ….ولعله من خلال قصيدة التقريب وأبياتها الثلاثمائة قد لاحظ القارئ معنا مستوى النضج عند الإمام الوهراني على صغر السن، إذ نظمها وهو في العشرين من عمره كما ذكره في أولها.
وقد لاحظ القارئ معنا أيضا هذا الحذق الذي عرض به مادة الخلاف بين الرواة عن نافع والطرق عنهم، وكيف كان يتصرف في النظم تصرف الماهر المتمكن ويتنقل بين المسائل مسألة مسألة ممتلكا لزمام النظم ومستوليا على الأمد في عرض الخلافيات، محتذيا في ذلك حذو سلفه أبي عبد الله الصفار في تحفة الأليف، وسالكا سبيل الإمام العامري أيضا في مثل ذلك، ومستفيدا إلى جانب ذلك من أقوال طائفة من الأئمة ومصنفاتهم في الفن.
وهذه المزية قد فاق بها في قصيدة التقريب كلا من الصفار والعامري، وذلك أنه زاد عليهما بالإشارة إلى الخلافيات بين أئمة الأداء، والتنصيص على المشهور منها، وذكر حجج الأحكام الأدائية المستفادة منها بحسب ما يسمح به النظم، دون أن يقتصر على ما اقتصرا عليه من ذكر خلافيات الرواة الأربعة عن نافع والطرق العشرة المباشرة عنهم.
وبهذا كان عمل الشيخ الوهراني هذا متمما لجهود من تقدموه من أئمة مدرسة العشر الصغرى في قراءة نافع، وليس مجرد تكرار أو إعادة صياغة وإخراج وتكريس على آثار المتقدمين.
إلا أن هذه المزايا لا تخرج بقصيدته "التقريب" عن أن تعد في موضوعها ومباحثها امتدادا علميا ناضجا لإشعاع مدرسة أبي عبد الله الصفار في أواسط المائة الثامنة على عهد دولة المرينيين المغربية، واستمرارا لطريقته التي ظلت منذ زمنه إلى اليوم معتمدة في القراءات العشر الصغرى، وخاصة في استعمال طريقة الرمز لضبط مسائل الخلاف.

– " الجيش و الكمين، لقتال من كفّر عامة المسلمين " : كتاب ماتع ، فريد من نوعه يعرض للحائر دليل الرشاد و السكينة، فهو يعرض للقارئ مسائل فقهية هامة و جليلة، طالما أرقت العلماء و الباحثين ، و هي من أخطر قضايا العصر، و هي تكفير العوام من المسلمين ، أو بالأحرى تكفير إيمان المقلد، و ما أثير حولها من شبهات و جدال.
و الاسم الصحيح للكتاب هو ما ذكرته انشاء الله ، و ليس كما ورد في معجم أعلام الجزائر لعادل نويهض : " الجيش الكمين، في الكر على من يكفر عوام المسلمين " أو كما ذكر في معجم المؤلفين لرضا كحالة:" الجيين الكمين، في الرد على من يكفر عوام المسلمين" .
وذلك حسب النسخة المخطوطة الموجودة في دار الكتب المصرية تحت رقم : 940 مجاميع، و هي التي أعتمدتها دار الصحابة للتراث بطنطا 1992 م، لأن ناسخها ذكر انه كتبها سنة 930 هـ ، أي بعد سنة من وفاة مؤلفها، و هي النسخة الرابعة للمؤلف كما سيأتي:

افتتح ابو جمعة الوهراني كتابه هكذا:

" صلى الله على سيدنا محمد [ صلى الله عليه وسلم ]
يقول عبيد الله : محمد شقرون بن أحمد بن بوجمعة ثم الوهراني لطف الله به ، الحمد لله رافع الحق و معليه و مذل الباطل و أهليه القائل بقول حاذق : { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } [ الأنبياء: 18 ]. و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه الذين اظهروا الدين و أزالوا عنه شبه الملحدين و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
أما بعد :
فقد سألني جماعة من إخواني المسلمين و جماعة كثيرة من عوام المسلمين على مسألة المقلد في العقايد [ كذا] و من لا يعرف الدلائل و البراهين و ينزه الله و رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] و ينطق بالشهادتين لا زائد ، هل إيمانه صحيح أم هو كافر و إيمانه فاسد ؟
"
ثم يواصل قائلا:
"… و طلبوا مني وفقهم الله صريح الجواب و إظهار الصواب و بيان المسألة لأولي الألباب ….فبادرت إلى إسعافهم في الجواب عن هذا السؤال موضحا إنشاء الله بأحسن مقال بنقل نصوص الأئمة من محالها لدفع هذه الشبهة و زوالها ، متبرئا من القوة و الحول و مستعينا بذي العزة و الطول ، و سميت هذا الجواب بالجيش و الكمين، لقتال من كفّر عامة المسلمين ، و ها أنا أقول بالحق أصول و الله سبحانه المبلغ للمأمول…"

و قد جاء في آخر المخطوطة:

" نجز هذا السؤال المذكور بحمد الله و حسن عونه على يد كاتبه أفقر الورى و أحوجهم لرحمة ربه و مغفرته الحاج حمزة بم محمد الصغير دعي بالمة الأندلسي التونسي منشأ و موطنا غفر الله له و لوالديه و لمن علمه خيرا في يوم ستة عشر في شهر الله الحرام محرم فاتح شهور سنة 930 و تاريخ مؤلفها أوائل رجب عام تسعمائة و عشرين ، و هذه النسخة رابعة لخط المؤلف".

وفاته :
توفي رحمه الله بفاس سنة 929 هـ / 1532 م

——————-
المصادر و المراجع :

– " تاريخ الجزائر الثقافي " الدكتور أبو القاسم سعد الله – دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1998م.
– "دراسات في تاريخ الغرب الإسلامي" الدكتور محمد الأمين بلغيث دار التنوير للنشر و التوزيع 1445 هـ / 2024 م.
– " البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان" ابن مريم أبو عبد الله محمد. ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر: 1986م.
– "قراءة الإمام نافع عند المغاربة" رسالة ذكتوراه للدكتور عبد الهادي حميتو.
– " التعلل برسوم الإسناد بعد انتقال أهل المنزل والناد " فهرس ابن غازي، تحقيق محمد الزاهي- الدار البيضاء : 1399هـ – 1979م.
– " فهرس الفهارس " عبد الحي الكتاني تحقيق د. إحسان عباس – دار الغرب الإسلامي
بيروت – لبنان الطبعة الثانية 1402ه – 1982م
– محاضرة للأستاذ المحقق المهدي بوعبدلي – رحمه الله – بعنوان:
” مقتطفات من اهتمام علماء الجزائر بالقراءات” نشرت بمجلة المسجد العدد: 8 من موقع وزارة الشؤون الدينية الجزائرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.