السبائك الذهبية في القواعد الفقهية


"السبائك الذهبية في القواعد الفقهية"


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
هذه "السبائك الذهبية في القواعد الفقهية" أو هي عبارة عن مختصر لطيف لخصه أبو أسامة سمير الجزائري من
كتاب الإمام العلامة المتفنن عبد الرحمن السعدي رحمه الله
"القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة"


-1-
الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة.


هذا الأصل شامل لجميع الشريعة،
لا يشذ عنه شيء من أحكامها،
لا فرق بين ما تعلق بالأصول أو بالفروع،
وسواء تعلق بحقوق الله، أو بحقوق عباده.
قال الله تعالى: {{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *}} سورة النحل: الآية (90) .
فلم يَبْقَ عدل ولا إحسان ولا صلة إلا أمر به في هذه الآية الكريمة، ولا فحشاء ومنكر متعلق بحقوق الله، ولا بغي على الخلق في دمائهم،وأموالهم،وأعراضهم إلا نهى عنه،
ووعظ عباده أن يتذكروا هذه الأوامر وحسنها ونفعها فيمتثلوها، ويتذكروا ما في النواهي من الشر والضرر فيجتنبوها.
ويستدل بهذا الأصل العظيم، والقاعدة الشرعية على أن العلوم العصرية وأعمالها، وأنواع المخترعات الحديثة النافعة للناس في أموردينهم ودنياهم، أنها مما أمر الله به ورسوله، ومما يحبه الله ورسوله، ومن نِعَم الله على العباد؛
وبما فيها من المنافع الضرورية والكمالية، فالبرقيات بأنواعها، والصناعات كلها، وأجناس المخترعات الحديثة تنطبق عليها هذه القاعدة أتمَّ انطباق،فبعضها يدخل في الواجبات،وبعضها في المستحبات وشيء منها في المباحات بحسب ما تثمره، وينتج عنها من الأعمال.


-2-
الوسائل لها أحكام المقاصد


ويتفرع على هذا الأصل


واجب، وما لا يتم المسنون إلا به،فهو مسنون، وطرق الحرام، والمكروهات تابعة لها ويتفرع عليها: أن توابع العبادات، والأعمال حكمها حكمها.فإذا أمر الله ورسوله بشيء كان أمراً به،
وبما لا يتم إلا به، وكان أمراً بالإتيان بجميع شروطه الشرعية، والعادية، والمعنوية والحسية.
فالأمر بالصلاة مثلاً أمر بها، وبما لا تتم الصلاة إلا بها من الطهارة، والسترة، واستقبال القبلة، وبقية شروطها.
ومن فروعها:
أن العلوم الشرعية نوعان:
مقاصد، وهي: علم الكتاب والسنّة.
ووسائل إليها، مثل: علوم العربية بأنواعها.
فإن معرفة الكتاب والسنّة وعلومهما تتوقف أو يتوقف أكثرها على معرفة علوم العربية،
ولا تتم معرفتهما إلا بها فيكون الاشتغال بعلوم العربية لهذا الغرض تابعا للعلوم الشرعية.
وكما أن الحِيَل التي يقصد بها التوصل إلى محرم،أو ترك واجب حرام،
فالحِيَل التي يتوصل بها إلى استخراج الحقوق مباحة بل مأمور بها،
فالعبد مأمور باستخراج حقه، والحق المتعلق به بالطرق الواضحة،
والطرق الخفية قال تعالى لما ذكر تحيُّل يوسف صلّى الله عليه وسلّم لبقاء
أخيه عنده: {{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}} (سورة يوسف الآية 86 )
ومثله: الحِيَل التي تسلم بها النفوس والأموال؛ كما فعل الخضر بخرقه للسفينة الصالحة
لتعيب فتسلم من الملك الظالم الذي يغتصب كل سفينة صالحة تمر عليه، فالحيلة تابعة للمقصود حسنها وقبيحها.


-3-
المشقة تجلب التيسير


جميع رخص الشريعة وتخفيفاتها متفرعة عن هذا الأصل
قال الله تعالى: {{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}}
فإذا عرض للإنسان بعض الأعذار التي تعجزه أو تشق عليه مشقة شديدة خفف عنه تخفيفاً يناسب الحال، فيصلي المريض الفريضة قائماً فإن عجز صلى قاعداً فإن عجز فعلى جنبه، ويوميء بالركوع، والسجود ويصلي بطهارة الماء، فإن شق عليه، أو عدمه عدل إلى التيمم، والمسافر لما كان في مظنة المشقة أبيح له الفطر والقصر والجمع بين الصلاتين، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، ومن مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً، ويتفرع عن هذا الأصل الأعذار التي تسقط حضور الجمعة والجماعة.
ويدخل في هذا الأصل إباحة المحرمات كالميتة ونحوها للمضطر كما سيأتي ، وإباحة ما تدعو الحاجة إليه كالعرايا للحاجة إلى الرطب، وكذلك إباحة أخذ العوض في مسابقة الخيل والإبل والسهام، وإباحة تزوج الحر للأمة إذا عدم الطول وخاف العنت.


يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.