المجاهد عمر البوقصي ** قائد كمين قنتيس **

المجاهد عمر البوقصي قائد كمين * قنتيس * … روّع باريس و أبكى سوستال .

الموقع الجغرافي لقنتيس :
تقع بلدية سطح قنتيس جنوب غرب بلدية العقلة و بالتحديد بسلسلة جبال الأطلس الصحراوي و منطقة قنتيس تعتبر موقعا استراتيجيا و مدخلا للصحراء و ممرّا بين جبال النمامشة و جبال الأوراس في اتجاه الحدود التونسية . و بالتالي فهي اقرب نقطة جغرافية لمراقبة جبال النمامشة أيام الثورة المباركة و قنتيس ظهر كناحية مشبوهة منذ الوهلة الأولى لانطلاق ثورة نوفمبر المجيدة ، و أصبحت محط أنظار الاستعمار ، لذلك قررت السلطة الاستعمارية أن تضع بها عين ساهرة و أذنا صاغية و اختارت الحاكم – موريس دوبوي – الذي كان يقيم بأم البواقي ، حيث تمت ترقيته و نقله الى مركز قنتيس و معه ضابط عسكري برتبة ملازم أول مع فرقة كبيرة من الجنود الاستعماريين و الخونة ( القوميه ) .
أسباب وقوع كمين قنتيس :
كان الحاكم الجديد شديد البطش بالسكان و كان يسلط عليهم كل انواع التعذيب الجسدي و المعنوي صغيرهم و كبيرهم ، رجالهم و نسائهم ، حتى ضجت الناحية لهول تصرفاته و وصلت اخباره الى قيادة الثورة باوراس النمامشة ، فقررت التصدي له و القضاء عليه . و خلال النصف الثاني من شهر ماي 1955 تم استدعاء المجاهد القائد عون عمر المدعو عمر البوقصي من طرف الشهيد شيحاني بشير – نائب البطل مصطفى بن بولعيد – و حضر عمر البوقصي الى مكان تواجد المسؤول بالقلعة الموجود بدوار لكنازرة دائرة ششار حاليا . و بمنزل السيد : الطيب الكنزاري تم اللقاء بين القادة البواسل و خلال هذا اللقاء قال الشهيد شيحاني لعمر البوقصي : إننا في حاجة ماسة إلى عملية ثورية قوية خلال الأسبوع القادم .
و ذكر الشهيد شيحاني بأن هذه العملية تدخل ضمن التعريف بالثورة الجزائرية في المحافل الدولية ، خاصة و أنه خلا لشهر أفريل الفارط انعقد المؤتمر الاول للدول الافرواسياوبة بباندونغ في اندونيسيا ، زيادة على تواجد أكثر من سبعبن ألف جندي جديد بالمنطقة مما يستوجب الاكثار من العمليات الثورية الجريئة في المنطقة لطمأنة الشعب الجزائري على قوة الثورة و مقدرتها على التصدي و تشريد جحافل القوات الاستعمارية المتمركزة في منطقة جبال النمامشة أنذاك أولا ، ثم رفع السمعة العالمية للثورة الجزائرية ثانيا .
بعد شرح أهداف العملية عاد القائد عمر البوقصي حيث يجب أن يكون و هو مصمم على تنفيذ العملية بكل دقة و تدقيق و جمع حوله خيرة المجاهدين تحسبا للعملية .
و بعد اختيار الرجال تم التمركز على الطريق العمومي بين مركز قنتيس و العقلة في انتظار مرور قافلة الحاكم موريس دوبوي ، و قد ظلت فرقة الكمين مرابضة بمكان العملية طيلة ثلاثة أيام . و في مساء اليوم الثالث ليوم السبت 21 ماي 1955 جاءت قافلة الحاكم آتية من قنتيس مرورا بالعقلة في اتجاه الشريعة ثم تبسة . و عندها بدأت وقائع الكمين بكل قوة و دقة .
وقائع الكمين :
حوالي الساعة الخامسة و النصف من مساء يوم 21 ماي 1955 كانت مجموعة قائد الكمين متمركزة في المكان حسب التعليمات و هكذا و حوالي الساعة السادسة الا ربع لاحت قافلة لحاكم المتكونة من شاحنتين كبيرتين و سيارة خفيفة من نوع – 15 ليجير – و ما ان اقتربت السيارة الخفيفة التي كان يمتطيها الحاكم و ملازم اول فرنسي و عريفان فرنسيان و أحد الخونة الجزائريين حتى أطلق عليها المجاهد رواق محمد المدعو – تركيبة – النار من فوهة – ستاتي طليان – و لكن كانت النتيجة استشهاد هذا الأخير بسبب فساد ذخيرة بندقيته و إطلاق الرصاص عليه من طرف الحاكم – دوبوي – شخصيا و عندها كبر قائد الكمين و أطلق الرصاص فتبعته فرقته تماشيا مع الإشارة المتفق عليها فأسرع كل من في السيارة بالنزول و الرد على المجاهدين بالرشاشات و لكن سرعان ما استسلم من كان مع الحاكم و عندها صرخ الحاكم عدة صرخات و تظاهر هو ايضا بالاستسلام و تقدم مستسلما نحو المجاهد عبد الله المصري و عندما اقترب منه خادعه و اخرج رشاشا من النوع الاوتوماتيكي كان يخفيفه بسرواله و صوبه نحو المجاهد المصري و اطلق عليه الرصاص فجرحه جرحا بليغا اوقعه على الارض و عندها اطلق النار على الحاكم و جاء المجاهد عبد الحفيظ حروش و ضربه بحجر كبير على رأسه فأرداه قتيلا فسقط من حينه جثة هامدة . أما البقية الباقية من القافلة فقد استسلمت و سلمت أمرها للمجاهدين . و بذلك انتهى الكمين حوالي الساعة السادسة و النصف مساءا . و قد تمكن المجاهدون من أسر 44 خائنا – قومي – و ملازما أولا و عريفين و قتل الحاكم – موريس دوبوي – و أحد الجزائريين الخونة ، زيادة على غنائم تمثلت في أربعة 04 رشاشات من نوع – بيام 38 – و ثلاثة 03 مسدسات و مجموعة من الالغام و 44 بندقية من نوع – موس كوتو – المعروفة بالرباعي و تم حرق الشاحنتين و السيارة الخفيفة و كذا وثائق عسكرية مهمة و خطيرة .
و مما يذكره القائد عمر البوقصي في هذا السياق أن محفظة الحاكم وجدت به مجموعة هامة من الوثائق العسكرية أهمها مراسلة سرية من الحاكم العام للجزائر – جاك سوستال – الى الحاكم – دوبوي – يخبره فيها بأنه سوف يزوده بالكلاب البوليسية و الطائرات العمودية زيادة على عدد كبير من الجنود و البغال و الخيول و المهاريست و الأسلحة المتنوعة … الخ ، كما وجدت بالمحفظة خريطة عسكرية تكتيكية شاملة لمنطقة جبال النمامشة و كيفية العمل العسكري فيها و مدنيا و حربيا . و قد انتفعت قياد الثورة بها كثيرا فيما بعد ، حيث استطاعت تغيير التكتيكات العسكرية للعمليات الثورية على ضوء المعلومات المتحصل عليها سابقا .
و على ضوء المعطيات الجديدة أعطيت الأوامر للمجاهدين بحمل الفلفل معهم و وضعه حول مغارات المؤونة و مخازن الأسلحة حتى لا تستطيع الكلاب البوليسية تحسس أماكن تواجد المؤونة و الأسلحة و الذخيرة ، كما أعطيت الأوامر بحفر الخنادق في قمم الجبال و اقامة الحراسة تحسبا لإنزال الطائرات العمودية . كما عثر أيضا بالمحفظة على معلومات كاملة مفادها أن فرنسا ستنشأ ما عرف بالمكتب الثاني – لاصاص – و عندها أعلنت الثورة عن إنشاء منصب المحافظ السياسي هذا الاخير الذي يقوم بمحاربة افكار – لاصاص – و من ثمة توعية المواطنين و الجنود على السواء الى خطر اعمال هذا الاخير و اهدافه .
و مما تجدر الاشارة اليه أن مسدس الحاكم الفرنسي – دوبوي – قد بعث به الشهيد شيحاني بشير الى الرئيس جمال عبد الناصر مصحوبا برسالة كهدية من الثورة الجزائرية و كعامل مادي على جدية الثورة المظفرة و قوتها . و لم يفعل الشهيد شيحاني ذلك عفويا بل كان يستهدف شكر المؤتمر الافرو اسيوي عن طريق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بوصفه أحد الاعضاء البارزين في المؤتمر و بالتالي كسب الرأي العالمي الى جانب القضية الجزائرية في المحافل الدولية .
أسلحة المجاهدين المستعملة في الكمين :
إن أقوى سلاح كانت تملكه فرقة الكمين هو إيمانها بالله أولا و بعدالة ثورتها ثانيا ، زيادة على
بعض البنادق من نوع الخماسي ألمان و الستاتي طليان و ألغام يدوية بسيطة ، كما استعمل المجاهدون أثناء الكمين الحجارة بعد نفاد الذخيرة .
آثار الكمين و ردود الفعل الاستعمارية :
عندما أنهت فرقة المجاهد عمر البوقصي المهمة بنجاح تام و أخذت معها الغنائم و الاسرى و اتجهت بهم الى مقر قيادة الثورة في الناحية الأولى ، أما بالنسبة أثار الكمين لدى الاستعمار الفرنسي فقد اقامته و اقعدته و تصدرت الصحف الفرنسية عناوين بارزة حول الكمين بعناوين مختلفة و لمدة اسبوع كامل على التوالي ، و من بين العناوين – مأساة قنتيس – فرنسا لا تخضع أمام الارهاب – الحاكم العام للجزائر يشارك في جنازة دوبوي بتبسة – نقسم بأن نعمل كل شيء و ألا ناكل حتى ننتقم لدوبوي و رفاقه – تبسة تحتضن أكبر موكب جنائزي لتوديع ضحايا العملية الارهابية بقنتيس … إلأخ .
هذه بعض العناوين الهامة و التي تصدرت خاصة صحيفة la dépêche القسنطينية أيام 24 ، 25 ، 26 ، 27 ، 28 ، 29 ، 30 من شهر ماي 1955 . و كل هذه العناوين كانت تسكن من فجيعة فرنسا في دوبوي و من معه ، و مما جاء في كلمة جاك سوستال ما يلي :
<< ياسم الجمهورية الفرنسية أحيي أرواح الضحايا ، فالضابط الملازم الاول غيوهو ابن بلدتي و قد شارك في الحرب الكونية الاخيرة الى جانبي حيث كنت مسؤولا عليه ، إنه ضابطا من النوع الفريد في ميدان المظليين بالهند الصينية ، و قد جاء الى منطقة قنتيس بطلب منه دفاعا عن فرنسا و ايمانا منه بوجوب الدفاع عنها في أي مكان من العالم ، ولكنه قتل و سنحطم من حطمه قبل هذا اليوم باسبوع كنت بقنتيس ضيفا على الحاكم دوبوي و قد قضى على مدى بطشه بالمتمردين . إنه رجل قوي و شجاع ، رجل حرب بأتم معنى الكلمة ، وقد اقترحت عليه تبديله الى مكان اخر خوفا على حياته فرفض ذلك و طلب البقاء بقنتيس كأحد حماة فرنسا العظيمة ، و ها نحن اليوم و بعد أسبوع فقط نلتقي به في هذه الجنازة مع رفقاه الذين سقطوا في الميدان دفاعا عن فرنسا و لن ننسى هذا اليوم >> .
و في نفس اليوم حل وزير الداخلية – بورجي هونوري – الى وهران و خطب أمام الفرنسيين قائلا :
<< فرنسا ستنتقم لدوبوي و رفاقه و لن ترضخ للارهابيين و سنعزز قواتنا في الاوراس بخمسة آلاف عسكري جديد مزودين بكل المعدات الحربية >> .
وقد علقت الصحف الفرنسية تعليقات كثيرة على موضوع كمين قنتيس و اعتبرته عملية أكبر ارهابية عرفتها الجزائر تنفذ من قبل الارهابيين بمنطقة جبال النمامشة .
مآثر المجاهدين :
سقط المجاهد رواق محمد المدعو – تركيبه – و جرح المجاهد عبد الله المصري و سلم الباقون وبهذا نكون قد أتينا على اهم النقاط غي هذا الكمين الذي روع باريس و أبكى سوستال …
المجد و الخلود للشهداء الابرار … تحيا الجزائر … اللهم اننا على العهد باقون …

المجاهد القائد عمر البوقصي أثناء الثورة المظفرة

محفظة الفرنسي دوبوي التي غنمها المجاهدون أثناء الكمين و هي لا تزال موجودة ببيت القائد

بعض ما كتبته الجرائد الفرنسية انذاك عن كمين قنتيس الناجح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.