حين تعلم أبناءك التاريخ بطريقة خاطئة سيطبقونه بطريقة خاطئة

هذا بالتأكيد أطول عنوان كتبته خلال 22 عاما..

ولكنني ببساطة لم أستطع تجاهل هذه "المعادلة" وحقيقة أنها لب المقال وعموده الفقري وبالتالي يمكنك الاكتفاء بها والانتقال مباشرة الى الصفحات الرياضية..

فحين كنا أطفالا كانوا يخبروننا بأن "التاريخ" يعلمنا دروسا من الماضي ويمنع تكرار ذات الأخطاء في الحاضر..

وأنا شخصيا على قناعة بهذه الحجة ولكنني لا أعتقد أننا نتعلم شيئا من تاريخ يكتب بطريقة مثالية ويشذب بطريقة تجعله أقرب للأسطورة.. بل أعتقد ان نسبة تحوله إلى كارثة مستقبلية ترتفع كلما اقترب من المثالية – أو كُتب بطريقة أسطورية – لأن أبناءنا سيحاولون تكراره بنفس السيناريو الخارق الذي كتب فيه!!

.. خذ كمثال أعظم معاركنا في التاريخ لتكتشف وجود مبالغات غير منطقية بخصوص قلة عدد المؤمنين مقابل جيوش الكافرين.. وحين كبر أبناؤنا على هذه المبالغة (التي أوصلها بعض المشايخ الى واحد ضد عشرة) حاولوا تطبيقه في أفغانستان والعراق ففوجئوا بصلابة الجندي الأمريكي وتسلح الجندي الروسي – ناهيك عن إبادتهم بطائرات بلا طيار وصواريخ تأتي من الطرف الآخر للأرض!!

وفي المقابل يعرف خالق البشر مدى ضعفنا وقلة حيلتنا ويخبرنا بأن أقصى نسبة يصلها الصابرون منا هي واحد الى اثنين فقط "الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلمَ أَنَّ فيكُمْ ضَعْفًا فَإن يَكُن مّنكُم مّائَةٌ صَابرَةٌ يَغْلبُواْ مئَتَيْن وَإن يَكُن مّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلبُواْ أَلْفَيْن بإذْن اللَّه"!

.. والمبالغة في الشجاعة مظهر واحد فقط من مظاهر تشذيب التاريخ وتقديمه بصورة خارقة تخالف قوانين الصراع المادي.. فهناك أيضا محاولة إضفاء الطابع الإعجازي والتدخل الإلهي بطريقة تضمن نصرتنا في الوقت المناسب. ولكن الحقيقة هي أننا خُلقنا في عالم واقعي يتطلب إعدادات مادية ".. مّن قُوَّة وَمن رّبَاط الْخَيْل تُرْهبُونَ به عَدُوَّ اللَّه وَعَدُوَّكُمْ" وأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب المادية وراعى القوانين الأرضية في جميع المواقف – وخذ كمثال حين اختفى عن كفار قريش في غار ثور دون انتظار معجزة تُنجيه، أو حدث خارق يحميه، رغم أنه حبيب الله وسيد الخلق..

.. أيضا هناك مشكلة ثالثة تتعلق بمحاولة إضفاء الكمال وإخفاء الجانب السلبي من أحداث التاريخ.. لماذا نخبر طلابنا فقط بمقتل عثمان بن عفان ونتجاوز الأسباب التي قادت لذلك وحقيقة أن من قتلوه كانوا من أبناء الصحابة والتابعين؟!

لماذا نخبرهم فقط بأمجاد الدولة الأموية وفتوحاتها العظيمة، ونسكت عن إبادة يزيد بن معاوية لأهل المدينة، أو قصف الكعبة بالمنجنيق زمن عبدالملك بن مروان؟!

لماذا هذا الغموض بخصوص مأساة كربلاء وقد قتل فيها أحفاد المصطفى صلى الله عليه وسلم وسبيت فيها نساؤهم الطاهرات (هل تعتقدون مثلا أن الشيعة كانوا موجودين في ذلك الوقت؟ أو أن الفرس الذين تشيعوا قبل 500 عام فقط كان لهم دخل في الموضوع؟)

لماذا نتحدث بمثالية عن فتح الأندلس وشجاعة طارق بن زياد في إحراق السفن ونخفي عنهم أنه عُذب وسجن ومات متسولاً لأنه أصر على تسليم السبايا الأسبانيات للخليفة الوليد في دمشق!!

.. الجانب المبتور في القصة هو ما يتضمن العبرة الحقيقية والمأساة المتوقعة في تاريخ البشرية..

وأنا هنا لا أطالب سوى بإكمال القصة واستعادة الجانب المأساوي الذي تم حذفه.. لا أطالب سوى بتدريس التاريخ كما حدث وليس كما نرغب نحن بحدوثه.. فإن أردت التعلم من التاريخ فعلمه لأبنائك بحسناته وسيئاته..

وإن أردت منهم احترامه فلا تحوله الى أسطورة مثالية يكتشفون هشاشتها لاحقا..

إن أردت عدم تكرار أخطاء الماضي فافعل مثل ألمانيا في الحاضر حين اعترفت بفظائع العهد النازي وأصدرت قوانين تمنع تكرار ما حدث وتولي الحركات المتطرفة للسلطة!

.. أيها السادة:

التاريخ المثالي لا يتضمن عبراً من أي نوع.. أما التاريخ المأساوي فهو من يرشدنا فعلاً إلى المستقبل المثالي!

منقول عن فهد عامر الأحمدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.