قد ظل هذا الإنسان يبحث عن السعادة في ليله وفي نهاره! -جزائرية

قد ظل هذا الإنسان يبحث عن السعادة في ليله وفي نهاره! لا يدع باباً يشمّ منه ريحاً للسعادة إلا طرقه! بحثٌ شديد.. وحرصٌ أكيد..

أخي: هي ( الدنيا! ) بآلامها وشجونها! الخلق يتقلبون في بلائها ما بين حُلو ومُر! ولكن قل لي أخي: هل صفت لأحد؟!

هل اعتصر أحد سعادتها خالية من الأكدار والآلام؟!

هل سَعِد أحد حتى قال الناس: هذا أسعد الناس؟!

و ( هي! ) هل أعطت أحداً من خيرها صافياً؟!

هل اتخذت أحداً من الخلق صفيّاً؟! فمنحته برّها، وأَغدَقت عليه ألطافها وقالت له: أنت السّعيد وحدك ببري من بين الخلق؟!

أخي: كم هي هذه الدنيا رخيصة! وكم هي خائنة وغادرة! إذا أضحكت أبكت! وإذا أعطت أخذت! تمنح لصيدها الطعم الثمين! فيأكل هنيئاً مسروراً! حتى إذا قال لنفسه: أنا السعيد صبّت عليه بلاءها وشرورها! فعادت السعادة شقاء! وعاد النعيم بؤساً ونكداً!

أخي: هي ( الدنيا! ) لو صفت لأحد لكان أولى الناس بذلك سيد الخلائق، والناطق بالوحي الصادق، رسولنا محمد صلى الله عليه و سلم، خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير! خرج من الدنيا ولم يجمع بها درهماً ولا ديناراً!

أخي: هي ( الدنيا! ) غُصَصُها لا تنقضي.. وأكدارها لا تنجلي.. وسهامها عن الفؤاد لا تنثني..

أخي في الله: هل تفكّرت يوماً في سعادة خالية من الأكدار؟!

هل تفكّرت يوماً في سعادة أصفى من الدموع! وأنصع من لبن الضُّرُوع؟! هل تفكرت في حياة لا شقاء فيها؟! ولا سقم ! ولا جوع! ولا حزن! ولا نصب؟!

حياة لا موت فيها! حياة تحيا فيه روحك ويحيا بدنك!

حياة سعى من أجل تحصيلها الأحياء! أحياء القلوب! لا أموات القلوب! إنها الحياة الأبدية في دار القرار.. ومنازل الأبرار.. حياة ينسى صاحبها الشقاء.. وتُزًفُّ إليه السعادة صافية غرّاء… {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64].

أخي المسلم: أتدري أين هذه السعادة الخالية من الآلام والأحزان؟! أتدري أين هذه السعادة الكاملة؟!! {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر:33-35].

إنها ( الجنة! ) دار النعيم.. دار المقامة.. المقام الأمين.. ودار السرور.. قال عنها النبي صلى الله عليه و سلم : «من يدخلها ينعم لا ييأس، ويخلّد لا يموت، ولا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم» [رواه الترمذي وأحمد، تخريج المشكاة:563].

أخي: بأي وصف أصف لك الجنة؟! وهي النعيم الذي لا يدركه إلا مالك النعم تبارك وتعالى.. وإن أخبرتك أخي عن نعيمها فإنما أخبرك عن القليل! أما رأيت أخي كيف وصف الله تعالى جناته وما فيها من النعيم الكثير؟! قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « قال الله تعالى: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت! ولا أذن سمعت! ولا خطر على قلب بشر! . فاقرأوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] » [رواه البخاري ومسلم].

أخي: ألا فلتعجب إن كنت متعجباً! تلك هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه وأهل طاعته.. فكم لها أخي من وصف يأخذ بالألباب.. ومن محاسن تأسر أولي الألباب.. قال صلى الله عليه و سلم: «موضع سوط في الجنّة خير من الدنيا وما فيها» [رواه البخاري ومسلم].

أخي في الله: إنها ( الجنة! ) تلك السلعة الغالية!

إنها ( الجنة! ) تلك البضاعة الرابحة!

إنها ( الجنة! ) بذل الصالحون مهرها في دار الدنيا قبل الرحيل..

وقدموا ليوم زفافها عليهم صالح العمل الجميل. قال النبي صلى الله عليه و سلم: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية إلا إن سلعة الله الجنة» [رواه الترمذي، السلسلة الصحيحة: 2335].

أخي: تلك هي الجنة! سلعة الله الغالية.. ولنفاستها حفها الله بالمكاره! فكانت كالدرّة النفيسة التي لا يوصل إليها إلا بعد خوض وغوص لجج البحر. قال صلى الله عليه و سلم: «حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات» [رواه البخاري ومسلم].

أخي: تلك هي الجنَّة! سعى نحوها الصالحون.. وتنافس فيها المتنافسون.. ولها قامت سوق الأعمال فكان الرَّابحون، وكان الخاسرون!.. ولمثلها فليعمل العاملون..

أخي: لقد تزينت الجنَّة لأهلها حتى غدت أزين من الزِّينة! ولقد تجملت لخُطَّابها حتى غدت أجمل من الجمال!

أخي المسلم: هي الجنَّة! دار الأولياء.. وموطن الأتقياء.. ومنازل السُّعداء.. من دخلها فهو السَّعيد حقاً! وجاز أن يُمنح لقب السعادة صدقاً! وكيف لا! وهي سعادة صنعها ملك الملوك، الغني واهب السعادة عز وجل وتنزه تعالى..

أخي: ألا تُحب أن أصف لك تلك الدُّرَّة الفريدة! وتلك الدار البديعة؟! فقف معي أخي عند هذا الوصف العجيب!

سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بناء الجنَّة فقال: «لبنة من فضة ولبنة من ذهب! ومِلاطُها ( المادة بين اللبنتين ) المسك الأدفر! وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت! وتُربتها الزَّعفران! من يدخلها ينعم لا يبأس! ويخلد لا يموت! ولا تبلى ثيابهم! ولا يفنى شبابهم! » [رواه الترمذي وأحمد، تخريج المشكاة: 5630].

أخي: إن الداخل إلى بيت أول ما يدخل من الباب، فيا تُرى كيف هو باب الجنَّة؟!

قال عتبة بن غزوان رضي الله عنه: " ولقد ذُكرَ لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنَّة مسيرة أربعين سنة! وليأتينَّ عليها يوم وهو كظيظ من الزِّحام! " [رواه مسلم].

أخي: لقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه و سلم أن في الجنَّة ثمانية أبواب يوم أن قال صلى الله عليه و سلم : «في الجنَّة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الرَّيان لا يدخله إلا الصائمون» [رواه البخاري ومسلم].

أخي: يا لسعادة الصَّائمين يوم يدخلون من الباب ثم يُغلَق بعدهم فلا يدخله أحد سواهم! أخي ما أربحها من بضاعة.. وما أسعدها من ساعة.. قال رسول اللهصلى الله عليه و سلم: «من أنفق زوجين في سبيل الله نُودي في الجنَّة: يا عبدالله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الرَّيان» قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله ما على أحد يُدعى من تلك الأبواب من ضرورة! فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟! قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «نعم وأرجو أن تكون منهم» [رواه البخاري ومسلم].

أخي: تلك هي أربعة أبواب وما أضنك تزهد عن معرفة بقية الأبواب! ( بقي من الأبواب الحج، ومنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، ومنها باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب! ومنها باب الذكر أو العلم ) [فتح الباري:7/34] بتصرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.