أغار مِن أختي على زوجي
أختان، فرَّقتْهُما أُخُوَّة الرَّحِم، وجمعتْهُما أُخُوَّة الدين!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندي أخت تكبرني بـ(4) سنوات، نتَّفق كثيرًا ونختلف كثيرًا، تجمعني بها أُخُوَّة الدِّين أكثر مِن أُخُوَّة الرَّحِم؛ وذلك بسبب والدَيْنا، اللَّذَيْن كانا يُفَضِّلانها عليَّ، ويُمَيِّزان بيننا بطريقةٍ بشِعةٍ! فكانتْ هي مميَّزة مِن قِبَل أمي، وكنتُ أنا مُفضَّلة مِن قِبَل أبي.
أختي كانتْ طفلةً حيويَّة، مَرِحَة، كثيرة الحركة، عنيدة، ثرثارة، ككثيرٍ مِن الأطفال، وهذا أمرٌ لم يعرف والداي كيف يتم التعامل معه، كحال أكثر المربين الجهَّال، ناقصي الحُبِّ لأولادهم والحنان والعلم بتربية الأبناء التربية الصحيحة!
فكان يتمُّ التعامُل معها بمبدأ الصراخ، والضَّرْب، والقَسْوة البالِغة، خصوصًا أبي؛ مما جعل أختي تميل لأمي أكثر!
أما أنا فكنتُ طفلةً هادئةً، وديعة مُطيعة، لا يُسمع لي صوتٌ، ولا أتكلَّم ولا أتحرَّك، إلا إذا طُلِب مني شيءٌ؛ ونتيجةً لهذا الهدوء أحبَّني أبي، وبدأ في التفريق بيننا، كرهتْني أختي، وأصبحتْ تضربني، وتنتقدني بشدة!
كبرنا وبيننا خِلافات، وشعور كلٍّ منا بدونية الأخرى، لكن مشكلتي أني كنتُ أصدِّق كلامَها؛ بحكم أنها الكبرى، فكانتْ تُعايرني بأنها الأجمل والأفضل تفوُّقًا، وأنَّ تحصيلها أفضل مِن تحصيلي.
كانتْ تصبُّ جام غضبها عليَّ إذا غضبتْ مني، وكنتُ ألوذ بالبكاء، وأصبح بيننا كُرْهٌ شديدٌ.
هدانا الله للالتزامِ بشرْعِه، وجمعتنا أُخُوَّة الدين بعد أن فرَّقتنا أُخُوة الرحِم، وصارتْ كل واحدة تشُدُّ من أزر الأخرى إذا ضعُفَتْ، وتشجعها وتصبرها إذا نفد صبرُها!
أما والداي فكانا يرفضان التزامَنا بشدة، حتى إنَّ العلاقة بينهما – بين أبي وأمي – لم تَدُمْ طويلًا، وانتهتْ بانفصالهما، ومنذ ذلك الحين وهو يُعاملنا مُعاملة باردةً.
تزوجتُ أنا وأختي، لكني ما زلتُ أعاني مِن رواسب الماضي، فتلك الرواسب ما زالتْ تُلاحقني، وتلاحق علاقتي بها، رغم تحسُّنِها كثيرًا!
تعرفتْ كلٌّ منا على شخصية الأخرى بعدما قرأنا عن أنماط الشخصية وكيفية التعامل بيننا، لكن ما زالت المقارناتُ بيننا لا تنتهي، مُقارنات حتى في الأزواج والأبناء!
المشكلةُ الحقيقيةُ – والتي أكتب مِن أجلِها كلَّ هذا – هي علاقة أختي بزوجي؛ فالمجتمعُ الذي نعيش فيه مجتمعٌ مُنفتحٌ، إذ يجعل علاقة أخت الزوجة بزوجها علاقة طبيعية، لا حدود بينهما، ولا وجود للرسميَّة، ولعل أختي هي مَن أسقطتْ هذه العلاقة؛ لأنها درستْ في جامعة مختلطةٍ، فاحتكاكُها بالرجال بات مألوفًا، وهو ما جعلها تنتزع الرسمية سريعًا في علاقتها معه.
أكْتُب استشارتي هذه مِن باب غيرتي على زوجي؛ فقد أحسستُ أنه بدأ يشعر بها، حتى ظهر ذلك على لسانِه في بعض كلماتِه؛ فما أضمر عبدٌ شيئًا إلا ظهر في فلتات لسانه، فوجدتني غير قادرةٍ على أن أبعدها عنه، وإلا فسوف تغضب مني وتراني سخيفةً!
أغار مِن أختي على زوجي، وغير قادرة على أن أُجنِّبه مخالطتها؛ لأنها تأتي كثيرًا إلى منزلي، ويستحيل أن أُصارحه بما في نفسي، ومِن جهة أخرى إحساسي بالنقص عن أختي ما زال في داخلي، ويُلاحقني.
الحمد لله، قرأتُ كثيرًا عن كيف أُقَوِّي شخصيتي؟ وطبَّقْتُ الكثير، فتحسنتُ جدًّا، إلا معها!
لا أقارن نفسي بأحدٍ، فأنا راضيةٌ بما رَزَقَنِي ربي، إلا بها، فأجد نفسي في مقارنةٍ لا شُعوريًّا، تعبتُ، وأريد لهذا الصراع الذي في داخلي أن ينتهي.
أرجو أن تخبروني بحلٍّ لما أنا فيه، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان
سلامٌ عليك، أما بعدُ:
فلا ريبَ أنَّ العدلَ بين الأبناء، وعدمَ التمييز بينهم – أمرٌ تُوجِبُه نُصوصُ الشرعِ المستفيضة، مثلما تَقْتَضِيه أساليبُ التربية الحديثة، ولئن أتى والداكما بما يوجب اللَّوْم، إلَّا أنَّ لَوْمَهما اليوم ليس بنافعٍ في تغيير حالكما، وإنما ينفعكما نُضجكما الفكري والعاطفي، وتساميكما عن المقارنات الهدَّامة، وتضرُّعكما إلى الله – عزَّ وجل – أن يزيلَ الشرَّ الذي نَزَغَهُ الشيطانُ بينكما؛ ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾ [يوسف: 100].
والاختلافُ والتمايُزُ في الشكل والطباع أمرٌ طبيعيٌّ بين الإخوة والأخوات في الأسرة الواحدة، وإنما يتولد التقارُب والتناسُب فيما بينهم بتربيتهم بالحبِّ، وعلى الحب في طفولتهم المبكرة، ثم تقوم العشرة، والأخلاق المكتَسَبة، والنضج العاطفي والفكري على تشذيب كلِّ شعور سلبي أو تفكيرٍ شاذٍّ، مِنْ شأنه أن يُكسبَ الأشقاء العداوة والبغضاء!
مشكلتك الحقيقيَّةُ ليستْ في تلك المقارنات البادية في سُطورك؛ فأنتِ قادرةٌ على التعايش معها، والتغلُّب عليها، وإنما المشكلةُ الحقيقية كامنةٌ في عدم تورُّع أختك عن الحديث مع زوجك بتلك الطريقة التي باتتْ تهيج غيرتك عليه! الأمر الذي مِن شأنه أن يفسدَ علاقتك بزوجك وبأختك في آنٍ، وحلُّ هذه المشكلة يعتمد على قوتك الدينية في فَرْضِ الحدود الشرعية بين أختك وزوجك، فتعوُّدُها غير المشروع على مجالستِه ومُفاكهته لا يجعل الأمرَ مشروعًا؛ فهذا عُرْفٌ فاسدٌ مخالفٌ لنصوص الشرع الصريحة، والله يقول: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 53[، ويقول عزَّ مِن قائلٍ سبحانه: ﴿ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب: 32].
كما يعتمد على قدرتك على تنظيم زيارات شقيقتك إلى بيتك على نحوٍ يجعل تلك الزِّيارات متزامنةً مع أوقات خروج زوجك مِن المنزل، ووضْع حدودٍ لأوقات هذه الزيارات؛ حتى لا تكونَ مُفاجئة لك، مع التلطُّف بالاعتذار لها إذا لم يكنْ وضْعُك مع زوجك غير مناسبٍ لاستقبالها، والاشتغال معًا بأمورٍ مِن شأنها أن تلهيها عن الجلوس غير المنضبط بضوابطٍ شرعية معه في حال وجود زوجك في البيت، وقد يصعب الأمرُ عليك في ابتداء الأمر، ولكن مرور الزمن كفيلٌ بضبط الأمور غير المنضبطة – بمشيئة الله تعالى – وعسى اللهُ بمَنِّه وكرمِه أن يجمعَ في طاعته شَملكما، ويوصل بالأُلْفَة والتوادُد حَبْلكما، اللهم آمين.
والله – سبحانه وتعالى – أعلم بالصواب
الألوكة