مع إطلالة كل رمضان يتساءل كثير من المرضى فيما إذا كانوا يستطيعون الصوم أم لا، وفيما إذا كان صيام رمضان يزيد من مرضهم سوءاً، أو يفاقم من أعراضهم أم لا.
أسئلة كثيرة تتردد على بال المرضى وأقربائهم، والبعض يقع فريسة الأوها، أو يفتيه جاهل بالطب فيصوم أو يفطر، دون الرجوع إلى طبيب أخصائي مسلم يقوّم حالته، ويعطيه النصيحة والإرشاد.
وكثير من المرضى من يريد الصيام، وهو لا يقوى عليه، أو قد يكون في صيامه عبء على مرضه، أو تفاقم في أعراضه، وكثيراً ما كانت الآراء الطبية مبنية على خبرات ذاتية، أو على ما نشر في مقالات متفرقة هنا وهناك، وللأسف الشديد فليس هناك في كلية الطب – على حد علمي – مادة اسمها (الصيام وتأثيراته على الأمراض المختلفة)، كما أنه ليس هناك مرجع طبي يجمع كل الدراسات العلمية المنشورة في المجلات الطبية الأمريكية والأوروبية والعربية والمتعلقة بالصيام، فحتى سنوات قليلة خلت لم تكن هناك سوى دراسات محددة جداً في تلك المجالات.
وقد سرّني أن أجد عدداً من الدراسات العلمية الحديثة، وقد نشرت حول الصيام في عدد من المجلات الطبية العالمية، فكانت هناك دراسة في مجلة (B. M. J.) البريطانية عن الصيام ومرضى السكري، وأخرى عن تأثير الصيام على الوليد، وثالثه حول تأثير الصيام على مرضى الفشل الكلوي، وهكذا، ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى وضع كتاب شامل لموقف الطب من الصيام في العديد من أمراض القلب والصدر والهضم والكلى… ويشمل كافة الدراسات العلمية الحديثة، ووصايا الخبراء في تلك المجالات.
ولهذا قمت بتأليف كتابي (الدليل الطبي والفقهي للمريض في شهر الصيام) وهو الآن في طريقه إلى النور (تحت الطبع)، وقد رأيت أن أضع أمامكم ملخصاً لما جاء في ذلك الكتاب، ومن شاء المزيد من التفاصيل رجع إلى ذلك المصدر، وينبغي التنويه إلى أن هذه الإرشادات ما هي إلا وصايا عامة، ولا يمكن أن تنطبق بحال من الأحوال على كل المرضى، ويعود تقويم حالة المريض وإرشاده إلى طبيبه المختص المسلم، فهو أدرى بحاله وأعلم بأمره.
1. مريض الجهاز الهضمي في شهر الصيام:
يعتبر شهر رمضان بحق، شهر إجازة للجهاز الهضمي، ولكن المؤسف حقاً أن يتخم الكثير منا نفسه عند الإفطار بشتى فنون الطعام والشراب، فيحوِّل سعادة المعدة والأمعاء إلى تخمة وعناء، وسنستعرض أهم أمراض الجهاز الهضمي ذات العلاقة بالصيام.
أ) قرحة المعدة أو الإثني عشر:
يشكو المصاب بالقرحة الحادة من آلام في المعدة عند الجوع، أو ألم يوقظه من النوم، ويخف ألم قرحة الإثني عشر بتناول الطعام، ولكن كثيراً ما يعود الألم بعد عدة ساعات.
وينبغي على مريض القرحة المصاب بإحدى الحالات التالية للإفطار:
القرحة الحادة: وذلك حين يشكو المريض من أعراض القرحة. كالألم عند الجوع، أو ألم يوقظه من النوم.
في حال حدوث انتكاسة حادة في القرحة المزمنة: وينطبق في تلك الحالة ما ينطبق على القرحة الحادة.
وكذلك الأمر عند الذين تستمر عندهم أعراض القرحة رغم تناول العلاج بانتظام.
عند حدوث مضاعفات القرحة، كالنزيف الهضمي، أو عند عدم التئام القرحة رغم الاستمرار بالعلاج الدوائي.
ب) عسر الهضم:
وهي كلمة شائعة تشمل عدداً من الأعراض التي تعقب تناول الطعام، وتشمل الألم البطني وغازات البطن والتجشؤ والغثيان، وحس عدم الارتياح في أعلى البطن، وخاصة عقب تناول وجبة كبيرة، أو بعد تناولها بسرعة، أو بعد تناول طعام غني بالدسم أو البهارات.
وكثيراً ما تتحسن أعراض هؤلاء المرضى بصيام رمضان، شريطة ألا تكون لديهم قرحة حادة في المعدة أو الأثني عشر، أو التهاب في المريء أو بسبب عضوي آخر، وشريطة تجنب الإفراط في تناول الطعام عند الإفطار والسحور.
ج) فتق المعدة (أو فتق الحجاب الحاجز):
يحدث فتق المعدة بشكل خاص عند البدينين، وخاصة عند النساء في أواسط العمر، ومعظم المصابين بفتق المعدة لا يشكو من أية أعراض، ولكن قد يشكو البعض من حرقة وحموضة في المعدة، وخاصة عند امتلائها أو الانحناء إلى الأمام أو الاستلقاء، حيث يعود جزء من محتويات المعدة إلى المريء.
وينبغي على البدينين أن يسعوا جاهدين لإنقاص وزنهم، فهو خير علاج لحالتهم، وينصح المريض بتناول وجبات صغيرة عند الإفطار والسحور، مع تناول الأدوية بانتظام وتخفيف الدسم، والتوقف عن التدخين، وترك فترة 4 ساعات بين وجبة الطعام والنوم، أما إذا كانت مشقة على المريض، أو ازدادت الأعراض سوءاً بالصيام فينصح المريض بالإفطار.
د) الإسهال:
ينصح المريض المصاب بالإسهال بالإفطار، وخاصة إذا كان الإسهال شديداً، فلا يستطيع المريض الصيام، لعدم قدرة الجسم على تعويض ما يفقده من سوائل وأملاح بسبب الإسهال.
وإذا صام المصاب بالإسهال فقد يصاب بالجفاف وهبوط في ضغط الدم أو يصاب بالفشل الكلوي.
هـ) أمراض الكبد:
ينصح المصابون بأمراض الكبد المتقدمة كتشمع الكبد وأورام الكبد بالإفطار، كما ينصح بالإفطار أيضاً المصابون بالتهاب الكبد الفيروسي الحاد، أو الاستسقاء في البطن (الحبن).
و) عمليات قطع المعدة:
هناك بعض المرضى الذين أجريت لهم عملية قطع أو استئصال جزء من المعدة بسبب قرحة في المعدة مثلاً، وهؤلاء المرضى يحتاجون إلى تناول وجبات صغيرة من الطعام وبطريقة منتظمة، وقد لا يستطيعون الصيام.
2. مريض القلب في شهر الصيام:
لا شك أن في الصيام فائدة عظيمة لكثير من مرضى القلب، ولكن هناك حالات معينة قد لا تستطيع الصيام.
أ) ارتفاع ضغط الدم:
يفيد الصيام في علاج ارتفاع ضغط الدم، فإنقاص الوزن الذي يرافق الصيام يخفض ضغط الدم بصورة ملحوظة، كما أن الرياضة البدنية من صلاة تراويح وتهجد وغيرها تفيد في خفض ضغط الدم المرتفع.
وإذا كان ضغط الدم مسيطراً عليه بالدواء أمكن للمريض الصيام شريطة أن يتناول أدويته بانتظام، فهناك حالياً أدوية لارتفاع ضغط الدم تعطى مرة واحدة أو اثنتان في اليوم.
ب) فشل القلب (قصور القلب):
فشل القلب نوعان: فشل القلب الأيسر وفشل القلب الأيمن، ويشكو المريض عادة من ضيق النفس عند القيام بالجهد، وقد يحدث ضيق النفس أثناء الراحة، وينصح المصاب بفشل القلب الحاد بعدم الصيام، حيث يحتاج لتناول مدرَّات بولية وأدوية أخرى مقوية لعضلة القلب وكثيراً ما يحتاج إلى علاج في المستشفى.
أما إذا تحسنت حالته واستقر وضعه، وكان لا يتناول سوى جرعات صغيرة من المدرات البولية فقد يمكنه الصيام.
وينبغي استشارة طبيب القلب المسلم فهو الذي يقرر ما إذا كان المريض قادراً على الصوم أم لا، إذ يعتمد على شدة المرض وكمية المدرات البولية التي يحتاج إليها.
ج) الذبحة الصدرية:
تنجم الذبحة الصدرية عادة عن تضييق في الشرايين التاجية المغذّية لعضلة القلب.
وإذا كانت أعراض المريض مستقرة بتناول العلاج، ولا يشكو المريض من ألم صدري أمكنه الصيام في شهر رمضان، بعد أن يراجع طبيبه للتأكد من إمكانية تغيير مواعيد تعاطي الدواء.
أما مرضى الذبحة الصدرية غير المستقرة، أو الذين يحتاجون لتناول حبوب النيتروغليسرين تحت اللسان أثناء النهار فلا ينصحون بالصوم، وينبغي عليهم مراجعة الطبيب لتحديد خطة العلاج.
د) جلطة القلب (احتشاء العضلة القلبية):
تنجم جلطة القلب عن انسداد في أحد شرايين القلب التاجية، وهذا ما يؤدي إلى أن تموت خلايا المنطقة المصابة من القلب، ولا ينصح مرضى الجلطة الحديثة، وخاصة في الأسابيع الستة الأولى بعد الجلطة بالصيام، أما إذا تماثل المريض للشفاء، وعاد إلى حياته الطبيعية، فيمكنه حينئذ الصيام، شريطة تناوله الأدوية بانتظام.
هـ) أمراض صمامات (دسامات) القلب:
تنشأ أمراض صمامات القلب عادة عن إصابة هذه الصمامات بالحمى الرئوية (الحمى الروماتيزمية) في فترة الطفولة، فيحدث تضيق أو قلس (قصور) في الصمام نتيجة حدوث تليف في وريقات الصمام.
وإذا كانت حالة المريض مستقرة، ولا يشكو من أعراض تذكر أمكنه الصيام، أما إذا كان المريض يشكو من ضيق النفس ويحتاج إلى تناول المدرات البولية فينصح بعدم الصوم.
و) من هم مرضى القلب الذين ينصحون بعدم الصيام؟
1). المرضى المصابون بفشل القلب (قصور القلب) غير المستقر.
2). مرضى الذبحة الصدرية غير المستقرة، أو غير المستجيبة للعلاج.
3). مرضى الجلطة القلبية الحديثة.
4). حالات التضيق الشديد أو القصور الشديد في صمامات القلب.
5). الحمى الرئوية (الروماتيزمية) النشطة.
6). الاضطرابات الخطيرة في نظم القلب.
7). خلال فترة الأسابيع التي تعقب عمليات جراحة القلب.
3. مريض الكلى في شهر الصيام:
تقوم الكليتان بوظائف عديدة منها تنقية الدم من الفضلات الآزوتية، ومراقبة توازن الماء والشوارد في الدم، والحفاظ على توازن قلوي حامضي ثابت في الجسم، وإذا كانت الكليتان سليمتين فالصوم لهما راحة وعافية، أما عندما تصبح الكلى مريضة، فلا تستطيع القيام بالكفاءة المطلوبة لتركيز البول والتخلص من المواد السامة كالبولة الدموية وغيرها.
ومن هنا يصبح الصيام عبئاً على المريض المصاب بالفشل الكلوي، وخصوصاً في المناطق الحارة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع نسبة البولة الدموية والكرياتنين في الدم، وينبغي على أي مريض مصاب بمرض كلوي استشارة طبيبه قبل البد بالصيام، فإذا لم يتناول مريض الكلى كمية كافية من الماء فقد يصاب بالفشل الكلوي.
أ) الحالات الحادة من أمراض الكلى:
قد يحتاج المصاب بمرض كلوي حاد دخول المستشفى وتلقِّي العلاج هناك، وفي هذه الحالة ينبغي عدم الصوم.
ومن هذه الحالات التهاب الحويضة والكلية الحاد، والتهاب المثانة الحاد والقولنج الكلوي، والتهاب الكبب والكلية الحاد.
ب) الحصيات الكلوية:
إذا لم يكن لدى المرء حصيات كلوية من قبل فلا داعي للقلق في شهر رمضان، أما الذين لديهم حصيات كلوية، أو قصة تكرر حدوث حصيات في الكلى، فقد تزداد حالتهم سوءاً بالجفاف إذا لم يشرب المريض السوائل بكميات كافية.
ويستحسن في مرضى الحصيات بالذات الامتناع عن الصيام في الأيام الشديدة الحرارة، حيث تقل كمية البول بدرجة ملحوظة مما يساعد على زيادة حجم الحصيات، ويعود تقدير الحالة إلى الطبيب المختص.
وعموماً ينصح مرضى الحصيات الكلوية بتناول كميات وافرة من السوائل في المساء وعند السحور، مع تجنب التعرض للحر والمجهود المضني أثناء النهار.