استشهد
العقيد سي الحواس أو -احمد بن عبد الرزاق حمودة – مسؤول الولاية السادسة
رفقة العقيد "عميروش" يوم 29 مارس1959 في معركة جبل ثامر ببوسعادة و ساير
استشهادهما أحداث متقلبة و أخبار متناقضة بين الإستشهاد في المعركة أو
الوشي بهما للعدو الذي ترصدهما؟؟، و بعدهما إستشهد كذلك "سي امحمد بوقرة"
قائد الولاية الرابعة و أحد داعمي تأسيس الولاية السادسة، ما يستشف منه أن
الاحداث فعلت فعلتها بهذه الولاية و لم تخدم يوما واحدا أبناءها. فلا الشيخ
"زيان" استطاع بحكمته توحيد صفوفها و لا الجنرال "بلونيس" استطاع بمكره و
خيانته و دعم فرنسا له أن يوجهها كما يحلو له و لا سي الحواس الذي لم تنصفه
الأيام تمكن من صهر مناطقها و حتى سي الجغلالي لم يكن أحسن حظا منه،لكن
"الطاهر شعبان" الشاب الجريئ دانت له مناطق الولاية السادسة و قضى على كل
صوت نشاز بها، فما الذي توفر له؟ و ما هو سر سيطرته إلى غاية ما بعد
الإستقلال و لحظات إعدامه؟؟.
هل أغتيل سي " الطيب الجغلالي" أم استشهد؟؟
ما بين العقيدين "سي الحواس" و "شعبان" شخصية ثورية همشت لسبب أو لآخر،
و لم تذكر لا من قريب و لا من بعيد أريد لها أن "تنام بغير سلام" لأن
الحديث عنها قد يثير المواجع و ينكأ الجراح و يقلب الحقيقة على وجهها
الآخر، و قد تظهر مواقع الظل و الظلام التي ظلت لغزا محيرا في كتابة تاريخ
الولاية السادسة..هذه الشخصية كانت لها ميزاتها القيادية و التكوينية التي
جعلتها تترقى في سلم المراتب السياسية بجبهة التحرير الوطني، و تولت قيادة
الولاية السادسة في ظروف خطيرة و صعبة و معقدة بعد استشهاد "سي الحواس"..
تتمثل هذه الشخصية المغيبة عن الأذهان في العقيد "سي الطيب بوقاسمي
الجغلالي" و هو من مواليد سنة 1916 ببلدية العمارية بولاية المدية حفظ
القرآن الكريم في سن مبكرة و تمدرس بزاوية تابلاط و يعد من بين الشباب
الأوائل الذين ناضلوا في صفوف حزب الشعب الجزائري مكلفا بمهام تنظيمية
بمنطقته و نشط بشكل مكثف بمتيجة و لبى نداء الثورة في نوفمبر 1954 و أسندت
إليه مهمة الإمداد العسكري و جمع الأسلحة و تهيئة مخابئ الثوار، و تولى
قيادة إحدى المناطق بالولاية الرابعة ثم زار تونس سنة 1958 ليترقى إلى رتبة
عقيد بعد استشهاد سي الحواس و تولى مكانه في قيادة الولاية السادسة و يعد
من بين الذين اجتازو خطي شال و موريس مع أكثر من 200 جندي و في طريق عودته
من تونس توجه إلى الولاية الرابعة لترتيب أمور توليه للولاية السادسة التي
قادها في مرحلة ما بين سي الحواس و الطاهر شعبان، و لم تتعد فترة مسؤوليته
أربعة أشهر باستشهاده كما يقول من عملوا معه بالولاية السادسة أو باغتياله و
تعرضه لمؤامرة كما يقول من عرفوه مناضلا بالحركة الوطنية و كافحوا معه
بالولاية الرابعة قبل إنشاء الولاية السادسة،و تبقى الحقيقة مدفونة مع
الشهيد؟؟.
كان سي "الطيب الجغلالي" رائدا سياسيا في مجلس قيادة الولاية السادسة تحت
إمرة سي الحواس رفقة الشهيد "اعمر إدريس" الذي كان رائدا عسكريا أصيب
بمعركة جبل "ثامر" أسر و استشهد تحت التعذيب شهر جوان 1959 بجبل "حواص"، و
بما أن الثورة كانت تسير بنظام الأولوية للسياسي على العسكري خلف سي الطيب
الجغلالي سي الحواس مباشرة على رأس الولاية السادسة التي كانت تتشكل كباقي
الولايات الأخرى من مناطق و نواحي، كالمنطقة الأولى المتاخمة للولاية
الرابعة و التي قادها علي بن مسعود و المنطقة الرابعة التي كان على رأسها
بوصبيعات (موح بالقاضي) و كانا من بين الفاعلين بالولاية السادسة قبل أن
يستشهدا في إحدى المعارك-حسب مصادر من الولاية السادسة- أو يعدما من طرف
قيادة الولاية الرابعة بعد المحاكمة و الإعتراف بالضلوع في اغتيال
"الجغلالي"-حسب مصادر من الولاية الرابعة..
شعبان يحكم سيطرته و يخفت أصوات المناوئين
بزغ نجم الطاهر شعبان المشهور باسم "محمد شعباني" مباشرة بعد اغتيال "الطيب
الجغلالي" و هو من مواليد 4 سبتمبر 1934 ببلدة اوماش بولاية بسكرة، تلقى
علومه الأولى بزاوية ببسكرة، ثم انتقل إلى قسنطينة و التحق بمهعد بن باديس
أين تلقى تكوينه الدراسي.
بعد إغتيال سي الطيب الجغلالي بقيت قيادة الولاية السادسة تتكون على النحو التالي:
– محمد العربي بعرير صاغ اول "رائد" مكلف بالإتصال و الأخبار
– الشريف خير الدين ضابط أول "ملازم" مكلف بالصحة
– النوي علي بن مسعود ضابط ثان "نقيب" مسؤول المنطقة الأولى
– محمد شعباني التكوتي ضابط اول بالمنطقة الأولى "ليس شعباني موضوع الحلقة".
– سي الغريسي ضابط ثان مسؤول المنطقة الثانية
– أحمد حشايشي ضابط اول بالمنطقة الثانية
– عبدالرحمان عبداوي ضابط ثان مسؤول المنطقة الثالثة استشهد في كمين نصبه له أتباع بلونيس.
– الطاهر شعبان و هو موضوع حديثنا و كان يشغل منصب ضابط اول بالمنطقة الثالثة.
– محمد بوصبيعات "موح بالقاضي" ضابط ثان مسؤول المنطقة الرابعة.
– محمد بن بوالعيد –شقيق مصطفى بن بوالعيد-ضابط اول بالمنطقة الرابعة.
و نشير إلى أن نفس الهيكلة بقت معتمدة و هي التي أشرف عليها سي الحواس أواخر
ديسمبر 1958 بمنطقة الزعفرانية، فهل كان لنية الطيب الجغلالي في إجراء بعض
التغييرات سببا مباشرا في حادثة إغتياله، خاصة و ان الولاية السادسة ظلت
ترزح تحت وطء الدسائس و المؤامرات.
و في أعقاب اغتيال الجغلالي حاول "الطاهر شعبان" عدة مرات الإتصال بالقيادة
التي كانت تتمثل في لجنة التنسيق و التنفيذ بتونس عن طريق البريد المحمول
بواسطة "الضابط بوكروشة" و عبر جهاز لاسلكي كان مكلفا به جيلالي عريف "سي
سليم" – الموفد ضمن جيش المنطقة التاسعة من الولاية الخامسة بقيادة اعمر
ادريس من قبل عبد الحفيظ بوصوف رجل المخابرات الاول- و هذا قصد إبلاغها
بشغور منصب قائد الولاية السادسة في بداية شهر اوت.
لكن
القيادة لم ترد على إتصالات "الطاهر شعبان" و قد يرجع هذا إلى بعض
التقارير التي وصلتها من الولاية الرابعة حول ظروف و ملابسات إغتيال العقيد
"سي الجغلالي"، و أمام صمت و تحفظ القيادة اجتمع مسؤولو المناطق سليمان
لكحل-النوي علي بن مسعود-موح بالقاضي و كلفوه كمسؤول اول عن الولاية
السادسة و اشتهر بعدها "الطاهر شعبان" باسم "محمد شعباني" و هو نفس الإسم
الذي كان يحمله قيادي بمجلس الولاية السادسة "محمد شعباني التكوتي" ضابط
اول بالمنطقة الأولى، فما هو السر من حمل "الطاهر شعبان" لإسم أحد قادته
الذي لم يحظ بأدنى لفتة من المؤرخين المهتمين بهذه الولاية التاريخية و ظل
الغموض يكتنف سيرته ؟؟.
و لم يراع قادة المناطق الأربع في تعيينهم لشعبان الطاهر تقاليد التدرج
العسكري في الرتب و الذي كان يسير عليها جيش التحرير الوطني حسب مواثيق
مؤتمر الصومام التي تصر على الصرامة و الإنضباط، الأمر الذي فرض على شعبان
مباشرة مهامه كعقيد -كولونيل- دون أن يتقلد هذه الرتبة أو يحمل إشارة "صاغ
ثاني" أي عقيد، و بقي يستعمل إشارة رتبته الأصلية كضابط ثاني لا يتعد حجم
مسؤوليته حدود المنطقة حسب الأعراف العسكرية لجيش التحرير الوطني، و هذا ما
تثبته العديد من الوثائق التي أمضاها كضابط ثاني و منها مقالات في مجلة
"صدى الجبال" كمقال " قانون مؤقت لتنوير الرأي العام" العدد 2 من نفس
المجلة سنة 1961.
و اللافت أن "الطاهر شعبان" استمر في استعمال خاتم ضابط ثاني دون ان
يتجاوز إرادة القيادة التي لم تؤكد له رتبة عقيد في ذلك الحين، و واصل
إلحاحه على لجنة التنسيق و التنفيذ لتاكيد قرار المجموعة التي اختارته
كمسؤول عن الولاية السادسة لكن لم تلق رسائله و اتصالاته تجاوبا من القيادة
العليا للثورة.
معركة عقب كل إجتماع..
وبسبب الإلحاح و كثرة الإتصال بالجهاز اللاسلكي تمكنت رادارات القوات
الفرنسية من رصد مواقع الإتصال حينما كان الطاهر شعبان يحاول –كما ذكرنا
آنفا- إبلاغ القيادة بشغور منصب قائد الولاية ما تسبب في حدوث معركة
"دبيديبة" شهر أوت 1959 التي لم تكلفه لحسن الحظ خسائر كبيرة ..
و وجد شعبان صعوبة بالغة في إعادة هيكلة الولاية السادسة و توزيع المسؤوليات
بعد الفراغ الذي تركه كل من النوي علي بن مسعود و موح بلقاضي اللذين
أعدمتهما قيادة الولاية الرابعة إثر محاكمتهما بتهمة إغتيال "العقيد
الجغلالي"، و لم يتمكن من حسم هذا الأمر إلا في إجتماع 15سبتمبر 1959
بمنطقة الكرمة بجبال بوكحيل بترقية بعض الضباط كسليمان لكحل الذي أصبح
مسؤولا عن المنطقة الثانية، و "مخلوف بن قسيم" مسؤولا عن المنطقة الثالثة، و
"عمر صخري" مسؤولا عن المنطقة الرابعة.
بعد هذا الإجتماع الذي تمخضت عنه الهيكلة الجديدة، كان على مجموعة "شعبان
الطاهر" أن تخوض امتحانا عسيرا ضد القوات الفرنسية في معركتي الكرمة في 16
سبتمبر و الجريبيع في 17 من نفس الشهر و هما منطقتان تبعدان عن بعضهما
البعض بـ10 كليموترات، حيث تعرضوا خلالهما إلى حصار شديد و قصف عنيف من
القوات الفرنسية، لكنهم نجحوا في الإفلات و كسر الحصار منسحبين إلى جبال
الجريبيع الاكثر حصنا، و يعود الفضل في تسلل الجنود دون تفطن الفرنسيين إلى
حيلة دبرها "مخلوف بن قسيم" الذي اقترح بأن تطلق الدواب ليلا اتجاه الواد و
الفرار بالإتجاه المعاكس مموها القوات الفرنسية التي شرعت في قصف و ضرب
البغال و الحمير، و تمكن جيش شعبان الطاهر من الخروج سالما.
و كأن القائد الجديد كتب عليه ان يدخل في معارك لم يخطط لها ضد فرنسا غداة كل اجتماع يعقده أو اتصال يقوم به بالجهاز اللاسلكي.
الفتنة تعزل المنطقة الأولى ..لا سادسة و لا رابعة
لم يعين "الطاهر شعبان" مسؤولا عن المنطقة الأولى التي تقع حسب التقسيم
الإداري الحالي في الشمال الشرقي لولاية الجلفة و الجنوب الشرقي لولاية
المدية و جزء من الشمال الغربي لولاية المسيلة عكس باقي المناطق، نتيجة
الإشكال الذي طرح بسبب إغتيال العقيد الجغلالي و إعدام المتهمين في عملية
إغتياله، سيما و انها منطقة كانت في أساسها ضمن هيكلة الولاية الرابعة و
كانت تسمى بالمنطقة الخامسة ،انضمت إلى الولاية السادسة حينما كان العقيد
"ملاح" قائدا عليها ثم عادت لتنضم إلى الولاية الرابعة بعد اغتياله، لتعود
مرة اخرى إلى احضان الولاية السادسة بعد تعيين "سي الحواس" لتفقد بعد
إغتيال "الجغلالي" هويتها و تبقى كمنطقة دون تسمية هيكلية لا رابعة و لا
سادسة..
ما يستشف منه ان الاجواء ظلت مشحونة و مكهربة بين قيادة الولايتين، و خفف
فيما بعد من حدة هذا التوتر فضيحة مفاوضات قصر الإليزي في 10 جوان 1960
بفرنسا التي تورطت فيها قيادة الولاية الرابعة بزعامة عقيد الولاية الرابعة
"سي الصالح زعموم" الذي أراد خوض مفاوضات مباشرة مع فرنسا متجاوزا القيادة
الثورية التي اتخذت بشأنه إجراءات رأتها مناسبة وصلت إلى حد إعدام شريكيه و
تحويله إلى تونس للمحاكمة لكنه تعرض و الوفد المكلف بالمهمة إلى قصف
الطائرات الفرنسية فاستشهدوا جميعا.
و لم تقم القيادة بتعيين عقيد على هذه الولاية-الرابعة- إلى غاية تكليف
العقيد "احمد بن شريف" كمسؤول عنها و تمثيلها في اجتماعات القيادة، و على
خلفية اغتيال الطيب الجغلالي الذي تنحدر أصوله من الولاية الرابعة-بني
سليمان- من طرف أبناء الولاية السادسة لم تستسيغ بعض قيادات الولاية
الرابعة تعيين بن شريف الذي ينحدر من الولاية السادسة، و لتجاوز هذه المحنة
زكت القيادة المحلية للولاية الرابعة يوسف الخطيب "سي حسان" كعقيد، و
استمر هذا الشرخ إلى ما بعد الإستقلال و لا تزال بوادره إلى غاية اليوم من
خلال بعض الكتابات و الإعترافات التي نسبت حوادث الإغتيالات إلى اعتبارات
جهوية.
و حسب بعض المصادر التاريخية ففي ظل الصراع على السلطة صيف سنة 1962 يكون
العقيد احمد بن الشريف بعد تحفظ قيادات الولاية الرابعة على تعيينه قد اتصل
بالطاهر شعبان بالشارف غرب الجلفة طالبا دعمه و التنسيق معه،و لقي طلبه
استجابة لدى شعبان الذي قرر دعمه بجيش المنطقة الثانية الحدودية مع الولاية
الرابعة.. و ظل شعبان مرابطا بالشارف- المنطقة التي استقبل فيها العقيد
هواري بومدين قائد أركان جيش التحرير لتدبير أمر اقتحام العاصمة- و كانت
مسرحا لثان احتفال بالإستقلال بحضور كامل تعداد الجيش و تنقل آلاف
المواطنين..