أحداث كثيرة من فترة الاستعمار بقيت خفية عن عامة الجزائريين، وكاد أن يطويها النسيان لولا بعض المبادرات الرامية للتذكير بها، أو إبراز خطوطها العريضة ومن بن هذه الأحداث الهامة موضوع التجارب النووية في الصحراء الجزائرية ،التي شهدت أول إنفجار في 13فيفري1960 بالتحديد في منطقة رقان ،لتليها تجارب أخرى بمنطقة إن إيكر بالهقار.
وبما أنه لا يمكن عزل أي حدث تاريخي عن الأحداث التي سبقته ، فإنه يجدر بنا قبل الحديث عن الحدث المهول ،أن نتناول أسبابه الأساسية.
أسباب الجرائم: يمكن إختصارها في النقاط التالية :
1- تطور البحوث في المجال النووي والصراع العسكري في الميدان النووي، إذ تم إختراع أول مفاعل نووي في 2 ديسمبر 1942 وجرب في 6 أوت 1945 على مدينة هوريشيما، وفي1949 إمتلك الإتحاد السوفياتي القنبلة الذرية .
2- شعور فرنسا بالنقص وأنها لاتنتمي إلى مصاف الدول الكبرى وأنها تابعة لإمريكا.
3- موقع الصحراء في الإستراتيجية السياسية والعسكرية الفرنسية من خلال إكتشاف البترول.
4- حماية أوروبا من إنتشار الشيوعية.
5- فشل السياسات الديغولية ليلجاء إلى سياسة فصل الصحراء عن الشمال الذي أقره في 16 ديسمبر1959.
التفجير وردود الفعل :
في شهر فيفري 1960 كان كل شيء جاهز في رقان لتقرر الأرصاد الجوية على أن يكون التفجير صباح يوم السبت 13 فيفري 1960 وقبل التفجير بنصف ساعة أطلقت صورايخ كل واحد منها بلون ليعبر الصاروخ ذو اللون الأصفر عن تبقي ربع ساعة للتفجير وتلته صواريخ بألوان مغايرة كان أخرها الصاروخ الأحمر معلن عن تبقي خمسون ثانية . وبعدها ليكون التفجير الذي لم يسمع ولم يرى في تاريخ أهالي المنطقة مثيل . وهذا ما يعرف باليربوع الأزرق ثم الأبيض ثم الأحمر ثم الأخضر، كلها كانت تفجيرات سطحية ،أما التفجيرات الباطنية فقد عرفتها منطقة إن إيكر بتمنراست .
ردود الفعل الداخلية والخارجية .
1/ موقف الثورة الجزائرية :
جاء في جريدة المجاهد ليوم 22 فيفري 1960 تصريحا للسيد محمد يزيد وزير الأخبار للحكومة المؤقتة الجزائرية يندد فيه بتفجير القنابل الذرية برقان، وهذا بعض ما جاء في خطابه " إن الإنفجار الذري الفرنسي الذي تم في صحرائنا يوم 13 فيفري يعد جريمة أخرى تسجل في قائمة الجرائم الفرنسية، إنما جريمة ضد الإنسانية وتحدي للضمير العالمي "
2 / موقف العرب والأفارقة
هذا وقد نددت كل الشعوب العربية بالجرائم الفرنسية حيث سحبة المغرب سفيرها من باريس وغيرها من الدول العربية ( العراق – مصر – ليبيا …)
وهددت غينيا بقطع علاقاتها مع فرنسا إذا لم تنهي سياستها في الصحراء الجزائرية ، أما غانا فقد أصدر رئيسها " نيكروما " أمرا بتجميد أموال كل الفرنسيين إلى غاية معرفة آثار التفجير .
3/ ردود فعل دولية :
في 16 فيفري 1960 إجتمعت 26 دولة وشكلت لجنة لإدارة التدابير الواجب إتخاذها للتعبير عن معارضة قنبلة فرنسا الذرية المفجرة في الصحراء الجزائرية، بالرغم من أن هذه اللجنة لم تستطع التأثير على المجموعة الدولية في إجتماعها يوم 19 فيفري 1960 وذلك لإفتقار الأمم المتحدة إلى مواد قانونية تحدد أو تمنع إجراء تجارب نووية .
الآثار الناجمة عن التفجيرات:
في الوقت الذي كان فيه الفرنسيون يهللون بالنجاح الذري الذي سيرفع من مقامهم إلى مصاف الدول الكبرى، وسيظهرون قواهم أمام العالم أجمع ، أصبح أهالي منطقة رقان يستنشقون هواء ملوثا بالإشعاعات النووية . فلقد كان للتجارب النووية إنعكاسات خطير ة على الإنسان والبيئة حتى بعد مرور سنوات طويلة على التفجير – فلقد ظهر مرض السرطان في الفترة التي أعقبت التفجيرات مباشرة خصوصا سرطان الجلد – تفشي مرض العيون وظهور حالات العمى – الإجهاض والنزيف الدموي لدى النساء وحتى الحيوان ، كما لوحظ إرتفاع عدد وفيات الأطفال المتكرر عند ولادتهم وبعضهم لديه تشوهات خلقية .
أما على البيئة فقد قضت الإشعاعات على الخيرات الطبيعية المتنوعة.وتجلت الأضرار التي مست زراعة والحبوب والنخيل التي أصيبت بوباء دخيل هو البيوض الذري وخلاصة القول إن جرائم فرنسا النووية جرائم مستدامة وذلك لإستدامة آثارها السلبية على المجتمع وعلى البيئة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إستمرار هذه التجارب حتى بعد…………