بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل السادس من سرير عابر ثم جاءت .
انخلعت أبواب الترّقـب علي تدّفـق ضوئها المباغت .
دخلت .. وتوقّـف العالم برهة عن الدوران .
توقًّـف القلب برهة عن الخفقان كما لالتقاط الأنفاس من شهقة .
إعصار يتقًّدم في معطف فرو ترتديه امرأة. أيتها العناية الإلهيّة…
ألا ترفًّـقت بي!
أيتها السماء …أيها المطر… .. يا جبال الألب … خذوا علماً أّنها
جاءت.
التقينا إذن
الذين قالوا : وحدها الجبال لا تلتقي أخطأوا ، والذين بنوا بينها
جسوراً لتتصافح من دون أن تنحني ، لا يفهمون شيئاً في قوانين
الطبيعة
الجبال لا تلتقي إلاًّ في الزلازل والهزّات الأرضّية الكبرى
وعندها لا تتصافح إنما تتحول إلى تراب واحد
أكان بوسعنا تفادي الكارثة ؟ ها نحن نلتقي حيث رتبت لنا
المصادفة موعداً في آخر معاقل الحزن ..كلعنة
عمي صباحاً سيدتي الجميلة … كفاجعة
هي ذي … كيف فك الاشتباك من عينيها . كل ما أردته كان
النظر إليها بعد هذا الغياب. كانت تبدو كشجرة ليمون. تساقط
زهرها دهشة عندما رأتني . كأني آخر مكان توقعت أن تراني في هو
باريس ، في معرض رسام أنكرت وجوده خارج الكتاب
قالت:
– شيء لا يصّدق .
– هي حياة ندين بها لمصادفة اللقاءات .
ردّت باندهاش جميل لا يخلو من الذعر :
– يا إلهي .. ما توقّعت أبداً أن أراك هنا !
قلت مازحاً :
– ماذا افعل إذا كان كل شيء يعيدك إليّ .
كنت ألمح لقولها مرة (( كل شيء يعيدني أليك )) وكنت أجبتها
مصححاً آنذاك (( كل شيء يبقيني فيك ))
قالت معلقة بذكاء :
– ظننتك غيرت عنوان إقامتك منذ ذلك الحين !
أجبت وأنا أمازحها نافضاً سترتي :
كما ترين : كلما هممت بمغادرتك تعثرت بك .
ثم وصلت :
– بالمناسبة .. أجمل ما يحدث لنا لا نعثر عليه بل نتعثر به .
كنت هنا أيضا أصحّح قولها (( أجمل حب .. هو الذي نعثر عليه
أثناء بحثنا عن شيء آخر )) .
كيف الفكاك من حب تمكن منك حدّ اختراق لغتك , حتى
أصبحت إحدى متعك فيه هتك أسرار اللغة ؟
النشوة معها حالة لغوية . لكانني كنت اراقصها بالكلمات
, أخاصرها , أطيرها , أبعثرها , ألملمها . وكانت خطى كلماتنا دوماً
تجد إيقاعها منذ الجملة الأولي .
كنا في حوار راقصين يتزلجان علي مرايا الجليد في ثياب
احتفائية , منتعلين موسيقي الكلمات .
ذات مرة قالت :
– احلم أن افتح باب بيتك معك .
أجبتها علي إيقاع التانغو , وأنا أعيد أحلامها خطوتين إلي الوراء :
– وأحلم أن افتح الباب .. فالقاك .
لكن الحياة قلبت لنا الأدوار . هاهي ذي تفتح باب قاعة لتزور
معرضاً فتلقاني . إنه ليس زمن التانغو , بل أزمنة الفالس , بدوارها
المحموم جملها المتخاصرة في تداخلها , وارتباك خطوتها الأولي
بجمل منتشية , متداخلة , كتوتر شفتين قبل قبلة , لامرأة بلغت في
غيابي ثلاثين سنة .. وبعض قُبل . ويلزمها سبع قبلات أخرى , لتبلغ
عمر حزني الموثق في شهادة لا تأخذ بعين الاعتبار , ميلادي علي
يديها ذات 30 أكتوبر علي الساعة الواحدة والربع ظهراً .. في
مقهى !
الأشياء معها تبدأ كما تنتهي : علي حافة ربع الساعة الأخير .
كانت تتأملني بارتباك المفاجأة . وكنا بعد سنتين من الغياب
يتصفح احدنا الآخر علي عجل , وندخل صمتاً في حوارات طويلة
لحديث لم يكن .
سألتها إن كان في رفقتها احد .
ردّت :
– حضرت بمفردي .
– حسناً . إذن اقترح أن تلقي نظرة علي المعرض ثم ادعوك
لنشرب شيء معاً في المقهى المجاور .
تعمدت أن اتركها تقوم بجولة بمفردها . أردت أن أحافظ علي
جمالية المسافة لأراها بوضوح , ولأتجسس علي ذاكرتها المعلقة
فوق أكثر من جسر .
كما توقعت , بعد بضع لوحات , ذهبت صوب تلك اللوحة .
رأيتها تقف أمامها طويلاً كما لأول مرة منذ عشر سنوات .
كما من دون قصد قصدتها . كانت تجيل النظر في دليل
اللوحات . سألتها إن كانت أحبت تلك اللوحة .
قالت كما لإخفاء شبهة :
– كنت أعجب فقط أن يكون الرسام باعها . أري عليها إشارة
حمراء .
سألتها مستفيداً من الفرصة إن كانت تعرف الرسام .
قالت :
– لا .. أبداً . لكن من عادة الرسامين أن يحتفظوا بلوحاتهم
الأولي . وحسب التاريخ المكتوب عليها , هي أول لوحاته , بينها
وبين بقية اللوحات أكثر من ربع قرن !
– هل يعنيك شراؤها ؟
قالت بعد شيء من التردد :
– لا أدري ..
ثم واصلت :
في جميع الحالات بيعت , وعليّ أن اختار غيرها .. لا أستطيع
التركيز علي شيء وأنت معي . سأعود مرة ثانية لاختيار لوحة أو
لوحتين .
قلت مستدرجاً إياها لاعتراف ما :
– ما زلت غير مصدق أننا معاً .. بربك ما الذي جاء بك إلي هنا ؟
أنا الذي كنت أملك سوء ظن بأجوبتها , لم أكن مهتماً باختيار
صيغة لأسئلتي .كان يكفيني ارتباكها كامرأة تمسك بفستانها حين
يهب الهواء . كانت تملك إغراء الصمت المفاجئ عن اعتراف
كادت تطيره ريح المباغتة . ولذا بين جملتين تنحسران كذباً كانت
تشد فستان اللغة صمتاً .. إلي أسفل .
– إنها مصادفة لا أكثر .. أمّدني أخي ناصر ببطاقة إعلان عن هذا
المعرض لعلمه أنني أحب الرسم … غادرت باريس منذ 10
سنوات وما عدت منذ ذلك الحين أتابع الحياة الثقافية هنا .
لم افهم سر إصرارها على إنكار وجود هذا الرجل ذات يوم في
حياتها .
أكان ذلك بسبب عاهته؟ أم كهولته؟ أم كانت فقط ككل الكتاب
لا تحب انفضاح شخصيتها في واقع الحياة ؟
كان واضحاً إن ناصر لم ياتِ علي ذكرى معها ولا زيان طبعاً,
مما جعلها تتوقع وجودي هنا مصادفة . ونظرا لاختلاف اسم الرسام
عن اسم بطلها ، ربما اعتقدت أن الكذبة انطلت علي ، خاصة أنها
كانت واثقة من وجود زيان في المستشفي واستحالة لفائي به .
ربما ولدت لحظتها في ذهني تلك الفكرة المجنونة التي رحت
بسرعة الفرح اخطط لتفاصيلها ، بعد أن قررت أن أهيئ لذاكرتها
مقلبا بحجم نكرانها !
عندما خلوت بها بعد ذلك في المقهى ، بدت لي كثيرة الصمت
سهوا ، دائمة النظر ألي الرواق الذي كنا نراه خلف الواجهة
الزجاجية علي الرصيف الآخر ، كأنها كانت تستعيد شيئا أو تتوقع
قدوم أحد . أنها لم تتغير .
متداخل الوقت حبها , لكانها تواصل معك حب رجل أحبته
قبلك , أثناء استعدادها لحت من سيليك .
لفرط ديمومة حالتها العشقية ، لم تعد تعرف هلع النساء في بداية
كل حب ، ولا حداد العشاق أمام يتم العواطف .
أنت الذي قد يأخذ معك حداد حب سنتين ، يا لغباء حدادك
الشعبي ! من أين لك هذا الصبر علي امرأة لها حداد ملكي لا يكاد
يموت ملك إلا ويعلن مع موته اسم من سيعتلي عرش قلبها ؟
سألتها مرة عن سبب ألا تكون كتبت سوي كتاب واحد . أجابت
ساخرة : (( لم أرتد سوي حداد حب واحد ، لتكتب لابد أن تدخل في
حالة حداد علي احد أو علي شئ ، الحياة تزداد قصرا كلما تقدم بنا
العمر، ولا وقت لنا لمثل هذا الهدر الباذخ . ما الحداد إلا خيانة
للحياة . )) وربما كانت تعني أن الوفاء لشخص واحد .. خيانة
لأنفسنا . تحاشت قول ذلك لأنني كنت وقتها ذلك الشخص
الواحد الذي كانت تحبه !
عندما أحضر النادل طلباتنا ، سألتها وأنا أشعل سيجارة :
_ هل كتبت شيئا خلال هاتين السنتين ؟
كان باستطاعتي عبر هذا السؤال وحده أن اعرف ما حدث
بعدي .
باغتها سؤالي حتما . علي الأقل في استباقه أسئلة أخري أظنها
أدركت بذكاء (( شيفرتنا )) العشقية .. كنت أسالها إن هي لبست
حدادي بعض الوقت .
ردّت بصوت غائب :
– لا ..
لم تضف شيئاً علي تلك الكلمة ، أيّ تبرير يمكن أن يغيّر وقعها .
شعرت بلسعة الألم وبوجع الاعتراف الذي تلقّيته كإهانة لحبّنا.
ألم يبق من اشتعالات ذلك الزمن الجميل ما يكفي لإضرام نار
الكلمات في كتاب ؟
أهي لم تحبّني إذن ؟ وما أحبت فّي سوي خالد بن طوبال ، الرجل
الذي كنت أذكرها به والذي كانت تقول انه أحد ابتكاراتها
الروائية .
أم تري أحبّت فيّ عبد الحق ، الرجل الذي توهّمته أنا وكان
سيليني في عرش قلبها لو أنّ الموت لم يسبقها إليه ؟
حبّ يحيلها ألي حب ولا وقت لديها للفقدان . الفقدان الذي هو
مداد الكتابة .
سألتني بعدما طال صمتي :
– فيمّ تفكّر ؟
– في مسرحية عنوانها (( الحداد يليق بالكترا )) . كنت أفكر أن
الحداد يليق بك . جّربي الحداد بعض الشئ ، قد تكتبين أشياء
جميلة .
– عدلت عن كتابة الروايات . إنها كالقمار تعطيك وهماً كاذباً
بالكسب . أثناء إدارتك الآخرين تنسي أن تدير حياتك ..أقصد
تنسي أن تحيا . كلّ رواية تضيف إلي عمر الآخرين ما تسرقه من عمر
كاتبها . كمن يجهد في تبذير حياة بحجّة تدبير شؤونها .
سألتها ساخراً :
– ألهذا تقتلين أبطالك دائماً لتوفّري علي نفسك جهد إدارة
حياتهم ؟
ردّت مازحة :
– ثمّة أبطال يكبرون داخلك إلي حدّ لا يتركون لك حيزًّاً
للحياة ، ولا بدّ أن تقتلهم لتحيا . مثل هؤلاء بإمكانهم قتل مؤلفيهم .
بعض الروائيين يموتون علي يد أبطالهم لأنهم ما توّقعوا قدرة كائن
حبري علي القتل .
واصلت بعد شيء من الصمت :
– خالد مثلاً .. لو لم أقتله في رواية لقتلني . ما قست عليه رجلاً
إلا وازدادت فجيعتي . كان لابدّ أن يموت . جماله يفضح بشاعة
الآخرين ويشوّش حياتي العاطفية .
راودتني رغبة أن أقول لها إنه – برغم ذلك – علي قيد الحياة .
يشاركنا استنشاق هواء هذه المدينة .
لكّنني صمتّ . لم يكن آن بعد أوان تلك المواجهة !
لم أدر لماذا ، برغم ذلك ، لم يذد ني حديثي معها إلاّ اشتهاء لها .
كاتبة مشغولة عن كتابة الروايات بالتهام الحياة ، تفتح شهّيتك
لالتهامها . إضافة إلي أنّ أمرآة علي ذلك القدر من الكذب الروائي ،
تعطيك ذريعة إضافية لاستدراجها إلي موعد تسقط فيه أقنعتها
الروائية !
ها هي ذي . وأنا شارد بها عنها . نسيت كلّ مآخذي عليها
نسيت لماذا افترقنا..لماذا كرهتها . وها أنا أريدها الآن ، فوراً ،
بالتطرف نفسه . كنت سأقول : (( أضيئي نفق الترقب بموعد )) لكنّني
وجدت في تلك الصيغة استجداء لا يليق بامرأة لا تحب إلا رجلاً
عصيًّ العاطفة . قلبت جملتي في صيغة لاتسمح لها سوي بتحديد
الوقت . قلت :
-أي ساعة أراك غداً ؟
– أأنت علي عجل ؟
– أنا علي امتلاء .
أضفت كما لأصحح زلّة لسان كنت تعمّدتها :
– في جعبتي كثير من الكلام إليك .
قالت :
– لماذا تتبدّد في المشافهة ؟ ربّما كان ما في جعبتك يصلح لكتابة
رواية .
كان لها دهاء الأنوثة الفطري . فتنة أمرآة تكيد لك بتواطؤ منك .
امرأة مغوية ، مستعصية ، جمالها في نصفها المستحيل الذي يلغي
السبيل إلي نصف آخر ، يوهمك أنها مفتوحة علي احتمال رغباتك .
هي المجرمة عمداً . الفاتنة كما بلا قصد . تتعاقد معها علي
الإخلاص وتدري أنّك تبرم صفقة مع غيمة . لايمكن أن تتوّقع في
أي ارض ستمطر أو متي .
امرأة لها علاقة بالتقمص . تتقمص نساء من أقصي العفة إلى
أقصى الفسق، من أقصى البراءة إلى أقصى الإجرام .
قلت :
– حوارتنا تحتاج إلي غرفة مغلقة .
ردّت :
– لا أحب الثرثرة علي شرا شف الضجر .
أجبتها بما كنت واثقاً أّنه سيقنعها :
– لن تضجري .. هيأت لك موقداً أنت حطبه .
لفظت هذه الجملة وأنا أبتسم ، فوحدي كنت أعرف ما أعنيه .
لكنني واصلت بنبرة أخري :
– كيف تقاومين هذا المطر بمفردك ؟ نحن في باريس ، إن لم
يهزمك الحنين إلّي ستهزمك النشرة الجوية ، إلا إذا كنت أحضرت
في حقائب سفرك من يتكفل بتدفئتك !
غرقت لأول مرة في صمت طويل .
لاحظت في صوتها نبرة حزن لم اعهدها منها .. ثّم تمتمت كأنها
تحادث نفسها :
– سامحك الله ..
ولم تضف شيئاً .
شعرت بحزن من أساء إلي الفراشات ، ولم أجد سبباً لشراستي
معها . ربّما لفرط حبّي لها . ربّما لإدراكي بامتلاكي المؤقت لها . لم
أستطع أن أكون إلا علي ذلك القدر من العنف ألعشقي .
قلت معتذراً :
– سامحيني لم أكن أقصد إيلامك .
قالت بعد صمت :
– يؤلمني أنك مازلت لا تعي كم أنا جاهزة لأدفع مقابل لقاء
معك . عيون زوجي مبثوثة في كل مكان .. وأنا أجلس إليك في
مقهى غير معنية إن مت بسببك في حادث حب . أنا التي إن لم أمت
بعد ، فلكوني عدلت عن الحب وتخليت عن الكتابة . الشبهتان
اللتان لم يغفرهما لي زوجي .
أمسكت بيدها قصد تقبيلها ، بدا لي خاتم الزواج ، أعدت
وضعها وأخذت الأخرى . طبعت قبلة طويلة عليها وتمتمت كما
لنفسي :
– حبيبتي ..
سألتها وأنا أرفع شفتي عن يدها :
– كيف سمح لك أن تسافري من دونه ؟
قالت :
– جئت مع والدتي بذريعة أن أراجع طبيباً مختصاً في العقم
النسائي . نحن هنا لنلتقي بأخي ناصر . حضر من ألمانيا خصيصاً
ليرانا . أخاف أن تموت أمي بدون أن تراه .. أصبحت هذه الفكرة
ذعري الدائم ، هرول العمر بها سريعاً منذ غيابه .
قلت وأنا ممسك بيدها :
– كم تمنيت أن ألتقي بوالدتك . كثيراً ما شعرت أنها أمي . لا
بسبب يتمي فحسب ، بل لأحاسيسي المتداخلة المتقاطعة دوماً مع
جسدك . أحياناً أشعر أننا خرجنا من الرحم نفسه . وأحياناً أن
جسمك هو الذي لفظني إلي الحياة ومن حقي أن استوطنه . أعطيني
تصريحاً للإقامة فيه تسعة أشهر .. أطالب باللجوء العاطفي إلي
جسدك !
ابتسمت وعلا وجنتيها احمرار العذارى ، وارتبكت خصلات
شعرها حتى بدت كأنها صغيرتي .
كنت أحب جرأتها حيناً ، وحيناً حياءها . أحب تلك الأنوثة
المترفعة التي لايمكن أن تستبيحها عنوة إلا بإذن عشقي .
قالت وهي ترفع خصلة شعرها ببطء :
– معك أريد حملاً أبدياً .
أجبت مازحاً :
– لن أستطيع إذن أن أستو لدك طفلة جميلة مثلك . أتدرين
خسارة ألا تتكرري في أنثي أخري ؟ ستتضائل كمية ألأنوثة في
العالم !
– بل أدري خسارة أن أتحسس بطني بحثاً عنك كل مرة ، ولا
أفهم ألا تكون تسربت إلي . لابد أن تكون أمرآة لتدرك فجيعة بطن
لم يحبل ممن أحب . وحدها المرآة تدرك ذلك .
سألتها بعد صمت .
– حياة ، هل أحببتني ؟
– لن أجيبك . أري في سؤالك استخفافاً بي ، وفي جوابي عنه
استخفافاً بك . كل المشاعر التي تستنجد بالبوح هي مشاعر نصف
كاذبة . إن خدش حميمية الآخر لا تتأتي إلا بالتعري الدميم للبوح .
هذا كلام تعلمته منك في ذلك الزمن البعيد أيام كنت أستجدي
منك اعترافاً بحبي فتجيب : (( أي طبق شهي للبوح لا يخلو من توابل
الرياء . وحده الصمت هو ذلك الشيء العاري الذي يخلو من
الكذب . ))
قلت مندهشاً :
– متي حفظت كل هذا ؟
– في تلك الأيام التي عشتها عند أقدام أريكتك ، بصبر قطة ،
ألعق صحن الانبهار كل ما تتفوه به .
قلت مازحاً :
– وعندما كانت تشبع تلك القطة ، تحولني إلي كرة صوفية تلعب
بها حيناً وأحيانا أخري تنتف بمخالبها خيوطها . كم غرست مخالب
ساديتك في طيبوبتي .. ثم لعقت جراحي إمعاناً في إيلامي .
ضحكنا بتؤاطو الزمن الجميل . وعندما رايتها تنظر إلي ساعتها
معلنة تأخرها ، قلت :
– أريد أن أراك .. لابد أن تتدبري لنا موعداً .
– لا اظنني أستطيع التحايل علي ناصر وآماً معاً . سيلحق بي
أحدهما حتماً حيث أذهب .
قلت ضاحكاً :
– ولماذا أنت روائية إذن ؟
ارجو ان تعجبكم