تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » حول الرقية للشيخ / الألباني رحمه الله

حول الرقية للشيخ / الألباني رحمه الله

  • بواسطة

حول الرقية
للشيخ / محمد ناصر الدين الألباني

قال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني حول حديث ( ارقيه ، و علميها حفصة ، كما علمتيها الكتاب ، و في رواية الكتابة ) في كتابه " السلسلة الصحيحة " ( 1 / 289 ) :

أخرجه الحاكم ( 4 / 56 – 57 ) من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان حدثنا إسماعيل بن محمد بن سعد أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة القرشي حدثه أن رجلا من الأنصار خرجت به نملة ، فدل أن الشفاء بنت عبد الله ترقي من النملة ، فجاءها فسألها أن ترقيه ، فقالت : و الله ما رقيت منذ أسلمت ، فذهب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قالت الشفاء ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفاء ، فقال اعرضي علي ، فعرضتها عليه فقال : فذكر الحديث و قال : " صحيح على شرط الشيخين " و وافقه الذهبي .
قلت : و قد تابع إبراهيم بن سعد عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، و لكنه خالفه في السند و المتن .
أما السند فقال : عن صالح بن كيسان عن أبي بكر بن عبد الرحمن ابن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء بنت عبد الله . فأسقط منه إسماعيل بن محمد بن سعد .
و أما المتن فرواه بلفظ :
" دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم و أنا عند حفصة ، فقال لي : ألا تعلمين هذه رقية النملة ، كما علمتها الكتابة ؟ " .
فلم يذكر فيه عرضها الرقية عليه صلى الله عليه وسلم و أمره إياها بالرقية ، و ستعلم أهمية ذلك في فهم الحديث على الوجه الصحيح قريبا إن شاء الله تعالى .
أخرجه أحمد ( 6 / 372 ) و أبو داود ( 2 / 154 ) و الطحاوي في " شرح معاني الآثار " ( 2 / 388 ) و النسائي أيضا كما في " الفتاوي الحديثية " للسخاوي ( 81 / 2 ) و " نيل الأوطار " للشوكاني ( 8 / 176 ) .
و الرواية الأولى أصح لوجهين :
الأول : أن إبراهيم بن سعد أحفظ من مخالفه عبد العزيز بن عمر .
فإنهما و إن كان الشيخان قد احتجا بهما كليهما ، فإن الأول قال فيه الحافظ في " التقريب " : " ثقة حجة : تكلم فيه بلا قادح " . و أما الآخر ، فقال فيه : " صدوق يخطىء " ، و لهذا أورده الذهبي في " الميزان " و في " الضعفاء " ، و لم يورد الأول .
الثاني : أن إبراهيم معه زيادة في السند و المتن ، و زيادة الثقة مقبولة كما هو معروف .
و قد تابعه في الجملة محمد بن المنكدر عن أبي بكر بن سليمان به مختصرا لكنه خالفه في إسناده فقال :
" عن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها ، و عندها امرأة يقال لها شفاء ترقي من النملة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : علميها حفصة " .
فجعل الحديث من مسند حفصة لا الشفاء . أخرجه أحمد ( 6 / 286 ) و الطحاوي و الحاكم ( 4 / 414 ) و أبو نعيم في " الطب " ( 2 / 28 / 2 ) عن سفيان عن ابن المنكدر .
و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .
قلت : و هو كما قالا أيضا ، و الخلاف المذكور لا يضر إن شاء الله تعالى ، لأن من الممكن أن تكون حفصة حدثت به كما حدثت به الشفاء ، فإن القصة وقعت بحضورهما ثم رواه أبو بكر بن سليمان تارة عن هذه ، و تارة عن هذه ، لكن ذكر السخاوي أنه اختلف على سفيان في وصله ، و إرساله .
قلت : و هذا لا يضر أيضا ، فقد رواه عنه موصولا كما أوردناه جماعة من الثقات عند الحاكم ، و غيرهم عند غيره فلا عبرة بمخالفة من خالفهم .
و تابعه أيضا كريب بن سليمان الكندي قال :
" أخذ بيدي علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم حتى انطلق بي إلى رجل من قريش أحد بني زهرة يقال له : ابن أبي حثمة ، و هو يصلي قريبا منه ، حتى فرغ ابن أبي حثمة من صلاته ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال له علي بن الحسين : الحديث الذي ذكرت عن أمك في شأن الرقية ؟ فقال : نعم : حدثتني أمي أنها كانت ترقي برقية في الجاهلية فلما أن جاء الإسلام قالت : لا أرقي حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي " أرقي ما لم يكن شرك بالله عز و جل " .
أخرجه ابن حبان ( 1414 ) و الحاكم ( 4 / 57 ) من طريق الجراح بن الضحاك الكندي عن كريب به . و علقه ابن منده من هذا الوجه . و كريب هذا أورده ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " ( 3 / 2 / 169 ) لكنه سمى أباه سليما ، و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا .
ثم رواه الحاكم و ابن منده في " المعرفة " ( 2 / 332 / 1 ) من طريق عثمان ابن عمر بن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة القرشي العدوي حدثني أبي عن جدي عثمان بن سليمان عن أبيه عن أمه الشفاء بنت عبد الله أنها كانت ترقي برقى الجاهلية ، و أنها لما هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه فقالت : يا رسول الله إني كنت أرقي برقى في الجاهلية ، فقد رأيت أن أعرضها عليك ، فقال : اعرضيها فعرضتها عليه ، و كانت منها رقية النملة ، فقال ارقي بها و علميها حفصة : بسم الله ، صلوب ، حين يعود من أفواهها ، و لا تضر أحدا ، اللهم اكشف البأس ، رب الناس ، قال : ترقي بها على عود كركم سبع مرات ، و تضعه مكانا نظيفا ، ثم تدلكه على حجر ، و تطليه على النملة . سكت عليه الحاكم . و قال الذهبي : " سئل ابن معين عن عثمان فلم يعرفه " . يعني عثمان بن عمر ، و قال ابن عدي : " مجهول " .
قلت : و هذه الطريق مع ضعفها و كذا التي قبلها ، فلا بأس بهما في المتابعات .

غريب الحديث

( نملة ) هي هنا قروح تخرج في الجنب .
( رقية النملة ) قال الشوكاني في تفسيرها :
" هي كلام كانت نساء العرب تستعمله ، يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر و لا ينفع ، و رقية النملة التي كانت تعرف بينهن أن يقال للعروس تحتفل و تختضب ، و تكتحل ، و كل شيء يفتعل ، غير أن لا تعصي الرجل " .
كذا قال ، و لا أدري ما مستنده في ذلك ، و لاسيما و قد بني عليه قوله الآتي تعليقا على قوله صلى الله عليه وسلم : " ألا تعلمين هذه … " :
" فأراد صلى الله عليه وسلم بهذا المقال تأنيب حفصة و التأديب لها تعريضا ، لأنه ألقى إليها سرا فأفشته على ما شهد به التنزيل في قوله تعالى ( و إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) الآية " .
و ليت شعري ما علاقة الحديث بالتأنيب لإفشاء السر، و هو يقول :" كما علمتها الكتاب " ، فهل يصح تشبيه تعليم رقية لا فائدة منها بتعليم الكتابة ؟ ! و أيضا فالحديث صريح في أمره صلى الله عليه وسلم للشفاء بترقية الرجل الأنصاري من النملة و أمره إياها بأن تعلمها لحفصة ، فهل يعقل بأن يأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الترقية لو كان باللفظ الذي ذكره الشوكاني بدون أي سند و هو بلا شك كما قال كلام لا يضر و لا ينفع ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أسمى من أن يأمر بمثل هذه الترقية ، و لئن كان لفظ رواية أبي داود يحتمل تأويل الحديث على التأنيب المزعوم ، فإن لفظ الحاكم هذا الذي صدرنا به هذا البحث لا يحتمله إطلاقا ، بل هو دليل صريح على بطلان ذلك التأويل بطلانا بينا كما هو ظاهر لا يخفى ، و كأنه لذلك صدر ابن الأثير في " النهاية " تفسير الشوكاني المذكور لـ ( رقية النملة ) و عنه نقله الشوكاني ، صدره بقوله " قيل " مشيرا بذلك إلى ضعف ذلك التفسير و ما بناه عليه من تأويل قوله " ألا تعلمين … " ! ( كركم ) هو الزعفران ، و قيل العصفر ، و قيل شجر كالورس ، و هو فارسي معرب . ( صلوب ) كذا و لم أعرف له معنى ، و لعله – إن سلم من التحريف – لفظ عبري . و الله أعلم .

من فوائد الحديث

و في الحديث فوائد كثيرة أهمها اثنتان :
الأولى : مشروعية ترقية المرء لغيره بما لا شرك فيه من الرقى ، بخلاف طلب الرقية من غيره فهو مكروه لحديث " سبقك بها عكاشة " و هو معروف مشهور . و الأخرى : مشروعية تعليم المرأة الكتابة . و من أبواب البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 1118 ) : " باب الكتابة إلى النساء و جوابهن " .
ثم روى بسنده الصحيح عن موسى بن عبد الله قال :
" حدثتنا عائشة بنت طلحة قالت : قلت لعائشة – و أنا في حجرها ، و كان الناس يأتونها من كل مصر ، فكان الشيوخ ينتابوني لمكاني منها ، و كان الشباب يتأخوني فيهدون إلي ، و يكتبون إلي من الأمصار ، فأقول لعائشة – يا خالة هذا كتاب فلان و هديته . فتقول لي عائشة أي بنية ! فأجيبيه و أثيبيه ، فإن لم يكن عندك ثواب أعطيتك ، قالت : فتعطيني " .
قلت : و موسى هذا هو ابن عبد الله بن إسحاق به طلحة القرشي ، روى عن جماعة من التابعين ، و عنه ثقتان ، ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " ( 4 / 1 / 150 ) و من قبله البخاري في " التاريخ الكبير " ( 4 / 287 ) و لم يذكرا فيه جرحا و لا تعديلا ، و قد ذكره ابن حبان في " الثقات " ، و قال الحافظ في " التقريب " : " مقبول " . يعني عند المتابعة ، و إلا فهو لين الحديث . و قال المجد ابن تيمية في " منتقى الأخبار " عقب الحديث :
" و هو دليل على جواز تعلم النساء الكتابة " .
و تبعه على ذلك الشيخ عبد الرحمن بن محمود البعلبكي الحنبلي في " المطلع " ( ق 107 / 1 ) ، ثم الشوكاني في " شرحه " ( 8 / 177 ) و قال :
" و أما حديث " لا تعلموهن الكتابة ، و لا تسكنوهن الغرف ، و علموهن سورة النور " ، فالنهي عن تعليم الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمها الفساد " .
قلت : و هذا الكلام مردود من وجهين :
الأول : أن الجمع الذي ذكره يشعر أن حديث النهي صحيح ، و إلا لما تكلف التوفيق بينه و بين هذا الحديث الصحيح . و ليس كذلك ، فإن حديث النهي موضوع كما قال الذهبي . و طرقه كلها واهية جدا ، و بيان ذلك في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " رقم ( 2024 ) ، فإذا كان كذلك فلا حاجة للجمع المذكور ، و نحو صنيع الشوكاني هذا قول السخاوي في هذا الحديث الصحيح " أنه أصح من حديث النهي " ! فإنه يوهم أن حديث النهي صحيح أيضا .
و الآخر : لو كان المراد من حديث النهي من يخشى عليها الفساد من التعليم لم يكن هناك فائدة من تخصيص النساء بالنهي ، لأن الخشية لا تختص بهن ، فكم من رجل كانت الكتابة عليه ضررا في دينه و خلقه ، أفينهى أيضا الرجال أن يعلموا الكتابة ؟ ! بل و عن تعلم القراءة أيضا لأنها مثل الكتابة من حيث الخشية !
و الحق أن الكتابة و القراءة ، نعمة من نعم الله تبارك و تعالى على البشر كما يشير إلى ذلك قوله عز و جل ( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق . اقرأ و ربك الأكرم . الذي علم بالقلم ) ، و هي كسائر النعم التي امتن الله بها عليهم و أراد منهم استعمالها في طاعته ، فإذا وجد فيهم من يستعملها في غير مرضاته ، فليس ذلك بالذي يخرجها عن كونها نعمة من نعمه ، كنعمة البصر و السمع و الكلام و غيرها ، فكذلك الكتابة و القراءة ، فلا ينبغي للآباء أن يحرموا بناتهم من تعلمها شريطة العناية بتربيتهن على الأخلاق الإسلامية ، كما هو الواجب عليهم بالنسبة لأولادهم الذكور أيضا ، فلا فرق في هذا بين الذكور و الإناث .
و الأصل في ذلك أن كل ما يجب للذكور وجب للإناث ، و ما يجوز لهم جاز لهن و لا فرق ، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما النساء شقائق الرجال " ، رواه الدارمي و غيره ، فلا يجوز التفريق إلا بنص يدل عليه ، و هو مفقود فيما نحن فيه ، بل النص على خلافه ، و على وفق الأصل ، و هو هذا الحديث الصحيح ، فتشبث به و لا ترض به بديلا ، و لا تصغ إلى من قال :
ما للنساء و للكتابة و العمالة و الخطابة هذا لنا و لهن منا أن يبتن على جنابة !
فإن فيه هضما لحق النساء و تحقيرا لهن ، و هن كما عرفت شقائق الرجال .
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإنصاف و الاعتدال في الأمور كلها .

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.