بقلم:عائشة جمعة
كل منا يعلم أن الجنة أعدَّ الله فيها للمؤمنين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر، ومع ذلك عندما أسكن فيها آدم أسكنه وزوجه، وهذا معنى واضح ومفهوم أكيد لمن يتلو القرآن أنّ الحياة لا تحلو إلا إذا عشنا فيها أزواجًا، وتأكيدًا لهذا المفهوم أكد الله أن المتقين في الآخرة لهم فيها أزواج مطهرة.
إنّ أمّنا السيدة (حواء) خلقها الله لتؤدي دورها، ومنه أن تؤنس آدم عليه السلام، ولقد علَّمنا الله أنَّ كل شيء في الكون قائم على نظام الزوجيّة، وقد خلق أبناء آدم وحواء ذكورًا وإناثًا،وجعل لكل منهما خصائص خلقية وخلقية تكمل بعضها بعضًا حتى لا يتنافر الجنسان، وحتى لا تضيع معالم كل منهما.
لكنه في الوقت نفسه نظّم بينهما قنوات اتصال وحثَّ ورغب في جليلها وهو الزواج، وحثَّ على قليلها وهو العلاقات العامّة.
وإذا وقفنا عند آية الزواج عند المخلوقات كلها وجدنا أنّها تلتقي عند نقطة التكاثر لكنها ترتقي عند الإنسان لتصبح متجاوزة حدود المادة الثقيلة إلى رقةِ العواطف وقوتها.
لقد جعل الله تعالى العاطفة بين الزوجين تغدو في أعلى نصابها وهي (المودة)، وهذه الدرجة من المحبة ذاتها منحها الله للمؤمنين الذين يعملون الصالحات مكافأةً لهم على صلاحهم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)﴾ (مريم).
ولقد حثَّ الله تعالى على الزواج من الصالحين حتى يدخل الزوجان في دائرة الود هذه، قال الله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ (النور).
والملاحظ أنَّ هذا الود وتلك المحبة بين الزوجين قد سيّجت بسنن نبويّة شريفة تحفظ لهذا الود بقاءه وبهاءه مع حثِّ على تحمّل المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتق الزوجين.
إنّ الرجل يحب أن يكون ماسكًا زمام الأمور في بيته، فله القوامة وعليه الإنفاق مما يجعل المرأة مرتاحة البال من حيث تدبير الأمور المعاشية، لكن الله حمَّلها في الوقت نفسه حفظ هذا المال حين يغيب زوجها.
والرجل كلفه الله بالدفاع عن العرض والحفاظ عليه ووضع في نفسه غيرةً عليه كي تُحفظ البيوت من الضياع، وكلَّف المرأة أن تصون نفسها في غيابِ زوجها؛ مما يجعل في نفس زوجها ونفسها استقرارًا يُولِّد الراحة والسكينة.
كما تسكن النفس وترتاح إن وجدت إلى جانبها المعين على ظروف الحياة المختلفة بحلوها ومرها، وهكذا يكون حال الزوجين، ففي السراء يسعدان وفي الضراء يتساعدان، والمشاركة في الفرحة لا تقل أهمية عن المشاركة وقت الضيق والحزن، فكما أنَّ الحزين يحبُّ من يشاركه أحزانه كذلك الفرح، لو فرح ولم يشاركه أحد ما يشعر بكمال الفرحة، ولكن وجود مَن يشاركه فيها يضاعفها، وغالبًا ما يصبح الفرح والحزن مشتركًا بين الزوجين بسبب الظروف المشتركة والمصالح الموحدة.
وتأتي السكينة والمودة إذا حافظ كل طرف على علاقة طيبة بأرحام شريك حياته، ولا أحد يشعر بالسكينة إن كان زواجه مدعاةً لقطع رحمه، فالود والمرحمة بين أحد الزوجين وأهله ينبغي ألا يكونا على حساب المودة والرحمة بين الزوجين حيث يلاحظ أحياناً التأثير الخارجيّ السلبي على علاقة الزوجين، وتلعب أمراض النفس على تنوعها ووساوس الشيطان دورًا مهمًّا في هذا المجال، فكم من بيوتٍ هُدِّمت نتيجة حسد فلان أو فلانة من أقارب الزوجين، أو حقدهما أو طبيعة شخصيتهما المتسلطة.
ويشعر الزوجان بالمودة والسكينة إذا رُزقا الذريّة، ويتضاعف هذا الشعور إذا اتحدت خططهما، وتناغم سلوكهما في التربية واتحد هدفهما من التربية.
فحتى تكون الذرية مدعاةً لسرور الوالدين ينبغي أن تكون مهتديةً بهدي الله ومؤتمرة بأوامره وقادرة على التفاعل مع الحياة بشكل جيّد.
ويلعب اللسان دورًا كبيرًا في الحفاظِ على الوداد وتنشيطه، فالكلمة الطيبة تؤتي أكلها والنصيحة الهادئة تعدل السلوك، والقصة الهادفة تغير ما في النفوس، والزوجة في حال ضيق ذات اليد لا تنطق القبيح، ولا تظهر التضجر، والرجل في حال اليسر لا يتبطر، ولا يمد عينيه إلى خارج بيته، ولا يوجه لها كلامًا سيئًا أشرًا وبطرًا.
وتتوفر السكينة طالما احتفظ كل جنس بخصائصه واضطلع بما عند شريكه من خصائص، فالرجل قوي في جسده، وفي مكانته في الأسرة وفي وضعه الاجتماعي، لكن لا ينبغي أن يستخدم قوته كسلاحٍ يُشهره بين الفينة والأخرى عدوانًا وظلمًا فأية مودة بعدها تبقى؟! والمرأة ذات رقة ودلال، ولا ينبغي أن تستجمع قواها لتبدو هي القوية في أسرتها فتغدو كمن يلبس ثيابًا قد صممت لغيره.
إنَّ مصادر القوة عند الجنسين متعادلة لكن قوة الرجل ظاهرة وقوة المرأة في رقتها وأنوثتها وصبرها وكيدها (حسن تدبيرها).
وتستمر المودة والسكينة بين الزوجين ما داما معتصمين بحبل الله لا يدخل إليهما الشيطان من أحد المداخل، فإذا تسللت فكرة شيطانية سعى الطرف الآخر إلى تدارك الأمر قبل فوات الأوان واتساع الخرق، فتزداد المودة وتعود السكينة أقوى مما كانت عليه.
إن رباط الزوجية رباط عاطفي محكم، ويمكن لهذا الرباط أن يصبح واهيًا بفعل أحد الزوجين أو كليهما فيكونان كمن فرَّط في جوهرة ثمينة وضيّعها، كما قد يأتي الخطر على هذه المودة من شياطين الإنس والجن، فينبغي الوعي والانتباه وتجميع العواطف في بؤرة الأسرة حتى يعم خير الأسرة على المجتمع بأسره؛ حيث يكون أفرادها أقوياء في أنفسهم قادرين على مدِّ يد العون لمَن ضلَّ طريق السعادة أو تعثَّر في دربها.