تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الطب الوقائي

الطب الوقائي

  • بواسطة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
علام يرمز النبي في حديثه عن القلب ؟
أيها الأخوة المؤمنون, أشار النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة إلى ما يسمى اليوم: بالطب الوقائي، والوقاية كما يقولون: ((درهم وقايةٍ خيرٌ من قنطار علاج))، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
((أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
لو أن أحدنا قبض كفَّه، حجم كفه المقبوض كحجم قلبه تماماً، تبدأ عضلته بالضخ في الشهر الأول، وأنت في بطن أمك، ولا تكفُّ عن الحركة إلا مع انتهاء الرحلة, صدق القائل:
إن الطبيـب له علمٌ يدلُّ به إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انقضت أيام رحلته حار الطبيب وخانته العقاقير
يبدأ هذا القلب يضخ منذ الشهر الأول, وأنت في رحم الأم, إلى أن تنتهي الرحلة، إلى أن ينهي الله هذه الرحلة، هذا هو الموت، لكل أجلٍ كتاب.
ابسط يدك واقبضها سبعين مرةً في الدقيقة، فهذا معدَّل ضربات القلب في الدقيقة، وفي أثناء بذل الجهد الكبير، قد يصل هذا النبض إلى مئةٍ وأربعين نبضةً في الدقيقة.
القلب محرك، ولكن هذا المحرك مرن، تزداد قوة أحصنته إلى السبعين عند الحاجة، وتنخفض إلى الأربعة عند عدم الحاجة، قوة الأحصنة لهذا القلب متبدلة.
قال العلماء: القلب ينبض في اليوم مئة ألف مرة في الأربعة وعشرين ساعة، وينبض في الشهر ثلاث ملايين نبضة، وإذا وصل الإنسان إلى الثمانين، أحصى العلماء متوسط عدد نبضات قلبه، إلى ألفين وثمانمئة وثمانين مليون نبضة.
المشكلة أن كل عضوٍ من أعضاء الإنسان، إذا أصيب بالعطب والعطل، يعني فقد شيء من ميزات حياته، لكن القلب إذا أصيب بالعطب أو العطل، انتهت الحياة، فالحياة متوقفةٌ على القلب.
الأحاديث التي وردت بشأن الطب الوقائي في المعدة:
أيها الأخوة, قال النبي عليه الصلاة والسلام:
((المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء))
وليس من غرائب الصدف أن أطالع مقالةً علمية، يقول فيها المؤلف: إن صحة القلب، وانتظام عمله، ودوام عمله، متوقفٌ على كمية الطعام التي تملأُ المعدة، ونوع هذا الطعام, لذلك ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:
((مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ))
[أخرجه البخاري عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ في الصحيح]
قال:
((نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع, وإذا أكلنا لا نشبع))
لو أردت أن تجمع الطب الوقائي، هناك جامعة اليوم تُدَرِّسَ كتاباً، يزيد عن ألف صفحة عن الطب الوقائي، لو جمعت هذه الصفحات الألف، وأردت أن تضغطها في كلمات، لما كان من كلمةٍ أبلغ، نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع، إذا جاع الإنسان أفرزت هذه الخلايا كمياتٍ كبيرة من العصارات الهاضمة، فوق أنك تحس بطعم الطعام طيباً، وفوق أنه يسهل هضمه، إنك إذا أكلت وأنت جائع، عرفت لذة الطعام، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((نعم الإدام الجوع))
ورد أيضاً:
((مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ, فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ, وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ, وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ))
[أخرجه ابن ماجة في سننه]
كيف فسر بعض أهل العلم هذا الحديث ؟
حينما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
((أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ))
[أخرجه البخاري عن النعمان بن بشير في الصحيح]
حَمَّلَ بعض علماء التفسير، وعلماء الحديث، هذا الحديث معنىً آخر، أن للنفس قلباً؛ هناك قلب الجسد، وهناك قلب النفس، فمن كان قلبه سليماً، من كل غشٍ، أو حسدٍ، أو حقدٍ, قال تعالى:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾
[سورة الشعراء الآية: 88-89]
يقول بعض الأطباء: إن هناك عدة أشياء تتلف القلب، أولها، التوترات العصبية، قال ربنا عزَّ وجل:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
[ سورة الشعراء الآية: 213]
معناها الشرك، يسبب أمراضاً في القلب، والإيمان يسبب صحةً لهذا القلب, ورد عن النبي:
((عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ, وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ, إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ, وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
معنى ذلك أن الإيمان، وسلامة القلب، وطهارة النفس، والتوكل، والتوحيد، أحد أسباب صحة القلب.
فهذا الطبيب, يقول: جمع الأطباء أمراض القلب، فكان من أبرز أسبابها؛ التوترات العصبية، وليس كالشرك مسبباً للتوترات العصبية، وكثرة الطعام، وكثرة المواد الدسمة في الطعام، وقلة الحركة.
ماذا عن النبوة ؟
أيها الأخوة المؤمنون, ما من قولٍ يقوله النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه إن هو إلا وحيٌ يوحى، لا ينطق عن الهوى، إلا متطابق أشد التطابق مع أحدث معطيات العلم، إذا أردت صحةً، ونشاطاً، وقوةً، وراحةً، فاسلك سبيل النبي عليه الصلاة والسلام، وحِّد، إن وحدت، لا ترى زيداً أو عبيداً، لا ترى إلا الله، قال الله:
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
[سورة الفتح الآية: 10]
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾
[سورة الأنفال الآية: 17]
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
[سورة هود الآية: 123]
هذه صحة القلب؛ التوكل والتوحيد، التفويض والاستسلام، الاستقامة والعمل الطيب، وهذا القلب الذي لا غلَّ فيه، ولا حسد، ولا بغض، ولا حقد، ولا خداع، ولا نِيةً سيئة، هذا القلب يبدو صحيحا، لأن أحد أسباب أمراض القلب التوترات النفسية، وقلة الطعام.
أيها الأخوة المؤمنون, هذا جزءٌ من الطب النبوي.
والحمد لله رب العالمين

للدكتور النابلسي

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.