تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » النسابون وأثرهم في تدوين التاريخ العربي الإسلامي

النسابون وأثرهم في تدوين التاريخ العربي الإسلامي

  • بواسطة

[align=justify]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للفائدة والتذكير موضوع منقول

اهتم العرب بالنسب اهتمامهم بحياتهم؛ لأنه يعدّ بمثابة الاسم من الجسد، وأنّ أول ما يتعرف عليه الإنسان هو انتسابه إلى أبويه، ومن ثم تكبر دائرة النسب مع العائلة والعشيرة. وقد عدّ العرب معرفة الأنساب سببًا في التعارف فيما بينهم(1).
ومن الملاحظ أنّ الفرد العربي في فترة ما قبل الإسلام يعتز اعتزازًا كبيرًا بانتسابه إلى قبيلته، ويعدّ حياته ومصلحته مرتبطة بشكل مباشر بالقبيلة ومصالحها. ونشاهد هذا الارتباط المباشر بشكله الواضح عند البدو ولا نشاهده بهذا الوضوح عند أهل الحضر. ومردّ هذا الاختلاف هو وجود السلطة في المدينة واستقرار الأمن، كما أنّ امتزاج أفرادها واختلاطهم أكثر في البوادي والأرياف، فضلاً عن قرب هذه المناطق من بلاد الأعاجم، وقد أضعف وشائج الارتباط في الدم والنسب(2).

وكان اهتمام العرب بالنسابين كبيرًا جدًّا إذ كان لكل قبيلة نسابة أو أكثر(3) فيحتفلون بظهوره كاحتفالهم ببروز شاعر؛ فكانت هذه الحفاوة والاهتمام ليبرز انتسابهم إلى الجد الأعلى للقبيلة والذود عنها بين القبائل. وللعرب اهتمامات كبيرة بالأنساب قبل الإسلام، فكانوا يعيبون على القبيلة التي تجهل نسبها وإلى أيّ جذم تنتمي، فإنّ كتّاب النسب يجمعون على أنّ العرب جذمان (الجذم الأصل) أحدهما عدنان والآخر قحطان، وإلى هذين الجذمين ينتهي نسب كل عربي في الأرض، ولابد أن يقال له عدناني أو قحطاني(4). وبهذا فإنّ القبيلة التي لا يستطيع رجالها الانتساب إلى أحد الأصلين تكون ضعيفة الجانب في تعاملها مع القبائل الأخرى، وأنّ القرآن الكريم فيه الكثير من الآيات التي تؤكد على النسب وصلة الرحم والإحسان إليهم(5)

نحو قوله تعالى( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) (6).

وفي قوله تعالى: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ )( 7 )

و قوله تعالى ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)(8)

.. وقد خاطب القرآن الكريم الناس بقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّاللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (9)

ويبرز اهتمام الرسول بذلك من خلال أحاديثه نحو قوله عليه الصلاة والسلام "تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإنّ صلة الرحم محبّة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأجل، مرضاة للرب"(10)، وأنّ التعرف على النسب حسب أحكام الشريعة فرض وواجب لكي يتعرف فيه الإنسان على محارمه في الناكح، وأن يتعرف على كل ما يتصل به برحم يوجب ميراثًا أو يلزمه صلة أو نفقه عليه(11).

فقد استمر العرب في صدر الإسلام في العناية بالنسب فكان اهتمام الخليفة عمر بذلك واضحًا فعندما نظم ديوانًا للجند استعان بمجموعة من النسابة الكبار في تدوين أسماء القبائل ومقدار أعطيات الجند للعطاء ، فكان اعتماده على مخرمة بن نوفل وعقيل بن أبي طالب، وكان أساس تنظيمه يعتمد على القرابة من الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى السابقة في الإسلام(12).

وعندما أمر الخليفة عمر رجاله بتمصير الأمصار على أثر نجاح جيوش التحرير العربية الإسلامية في تحرير كل من العراق والشام ومصر، قام قادة الفتح باختيار مواضع مناسبة لتكون قواعد للجند وموضعًا لإقامة عوائلهم وذويهم؛ فقد اعتمد هؤلاء القادة قواعد وأسس محددة لإسكان الناس في هذه الأمصار، فقاموا بإسكانهم حسب قبائلهم وصلة النسب بينهم، مراعين في هذا التقسيم الأماكن التي جاؤوا منها(13).

وينسب إليه القول الآتي: "تعلّموا النسب ولا تكونوا كنبط السواد إذا سئل أحدهم عن أصله قال: من قرية كذا(14)، يقصد بكذا ينسب الرجل نفسه إلى المدينة الفلانية أو إلى مهنته لكونه يجهل نسبه الحقيقي إلى أيّ من القبائل ينتمي.

وأبناء القبيلة يعتقدون أنهم ينتمون إلى أصل واحد مشترك يجمعهم، والرابط الذي يربط شمل القبيلة ويجمع شتاتها هو النسب وأنّ هذه الرابطة تولد عندهم الشعور بالتماسك والتضامن والاندماج فيما بينهم(15).

قال ابن خلدون عن أفراد القبيلة: "لا يصدق دفاعهم وذيادهم إلاّ إذا كانوا عصبية وأهل نسب واحد، لأنهم بذلك تشتد شوكتهم ويخشى جانبهم؛ إذ إنّ النصرة لكل واحد منهم على نسبه وعصبيته أهم، وما يجعل الله تعالى في قلوب عباده في الشفقة والرحمة للنصرة ذوي أرحامهم وأقربائهم موجودة في الطبائع البشرية، وبها يكون التعاضد والولاء، وتعظم رهبة العدوّ لهم(16).

وقد جسّد الشاعر كلثوم بن وائل بن سجاح الكلبي الولاء للقبيلة والدفاع عن نسبها والاعتزاز برجالها بقوله:

إننـا للصميم من يَمَـنٍ

بنا تنال الملـوك ما طلبت

كم فيهم من متـوّج ملك وغرة النـاس حين تنتسب

وأدركت ثأرهـا بنا العرب

ومن خطيب لسانه ذرب(17)

وقد رتّب علماء الأنساب القبائل العربية على مراتب لكنهم لم يتفقوا على تقسيم موحّد فيما بينهم، بالإضافة إلى أنها تصانيف نظرية أكثر مما هي عملية، ولكي يمكن تطبيقها على واقع القبائل بشكلها الكامل، فكان توظيف هذا التقسيم أكثر ملاءمة في توزيع شجرة نسب القبيلة، وكما هو مبيّن في أدناه:

1- الجذم: وتعني به الأصل، ويعدّ قحطان الجد الأعلى لقضاعة.

2- الشعب: وهو الذي يجمع عددًا من القبائل ويسمى شعب، كقضاعة.

3- القبيلة: وهي دون الشعب، وما انقسم فيه الشعب أصبح قبائل، ككلب.

4- البطن: وهو دون القبيلة، وما انقسم فيه القبيلة إلى أقسام، كبني رفيدة.

5- الفخذ: وهو أصغر من البطن وما انقسم فيه البطن إلى فروع، كبني عذرة(18).

إنّ الاهتمام بالنسب عند العرب جعله ينتقل إلى غير العرب، وأخذوا يخترعون لأنفسهم شجرة نسب أوصلتهم بأجداد العرب القدماء(19).

وكذلك فقد كان للمصاهرات بين القبائل دورها الكبير والفعال في ربط أواصر المحبة والقربى بين القبائل؛ إذ دأب سادات القوم على الزواج من بنات رؤساء القبائل الكبيرة ذات المكانة البارزة بين القبائل العربية المجاورة لها(20).

تدوين الأنساب في صدر الإسلام:

كانت عناية العرب ودرايتهم قبل الإسلام بالأنساب كبيرة، واستمر ذلك في عصر صدر الإسلام، وذلك لأنها كانت تغذي الشعراء في ميدان الفخر والهجاء والنقائض والتي أصبح لهذا الفن اهتمام كبير في تدوين وحفظ أخبار العرب ومعاركهم(21).

وإنّ اهتمام الخليفة عمر بن الخطاب بتدوين أسماء المحاربين وأهليهم حسب قبائلهم أعطى للأنساب أهمية جديدة، وكان حافزًا إضافيًّا للاهتمام بهذا الجانب الاجتماعي(22).

والتي تعدّ البدايات الأولى في العصر الإسلامي وتشجيعًا كبيرًا لعملية التدوين التاريخي. وإنّ جوهر هذا الاتساع لدوافع، ويبرز منها دافع معرفي فحواه أنّ لكتب الأنساب قيمة في كتابة التاريخ العربي، وأنّ هذه الأهمية تتمحور من خلال تثبيت استمرار النوع البشري من خلال تأكيد سلسلة الانتماء ما بين الابن إلى الأب والأب إلى الجد وهكذا؛ فهي إذن دلالة بشرية تبحث في كيفية تكاثر البشر من خلال الزواج وأشكاله ونظام القرابة الذي يؤسسه نظام الزواج، ودلالة زمانية قوامها الوعي باستمرار الزمن وتقسيمه على أساس الأجيال. ومن خلال هذه المصاهرة ينتج عرضيا متحقق معرفي جوهره تطور أشكال التنظيم الاجتماعي انطلاقًا من العائلة وشكل الاتساع القرابي ومستوياته (الشعب – القبيلة – البطن – الفخذ) والأسس التي يؤسس عليها هذا التنظيم الاجتماعي ومتعلقاتها(23).

وإنّ الأنساب قد أهملها الإسلام في البداية من حيث المبدأ إلا أنها عادت فوجدت حوافز جديدة لظهورها عند تدوين الدواوين ومشكلة العطاء، فتنظيم الدواوين والعطاء وسكن القبائل وفِرَق الجيش إنما تم على أساس قبلي؛ وهذا ما أعطى الأنساب شأنًا ماديًّا أضيف إلى شأنها القبلي السياسي في التنافس بين العرب أنفسهم بعد ظهور أرستقراطية جديدة في الإسلام وتوزيع القبائل في الأمصار وتنازعها في المفاخر والمناصب، ويضاف إلى ذلك النـزاع الاجتماعي مع الموالي وظهور الأفكار والحركات الشعوبية، وحاجة العرب إلى الدفاع عن مراكزهم وأوليتهم الاجتماعية(24).

وكان ذلك من الأسباب في قبول علم الأنساب في صدر الإسلام وإعطائها مكانها بين المعارف الإسلامية المهمة المطلوبة. وبهذا الشكل أضحى حفظ الأنساب وما حولها وتدوين كل أولئك فرعًا أساسيًّا من فروع التاريخ حتى ظهرت تواريخ خاصة على أساسه(25)،

(حذف نسب قريش) لأبي فيد مؤرج السدوسي البصري (ت195هـ) و(النسب الكبير) لهشام الكلبي (ت204هـ) و(نسب قريش) لمصعب الزبيري (ت236هـ). وكان من الطبيعي أن يكون النسابون الأولون هم في الوقت نفسه من الإخباريين الأولين كمحمد بن السائب الكلبي وابنه هشام وهيثم بن عدي(26).

وبعد أن دوّنت بعض الأنساب اتفاقًا ومن أفواه رواتها وبأقلام من اهتموا بها عن هذه القبيلة أو تلك، كما فعل الفقعسي الذي كتب مآثر بني أسد(27).

وحين انصرف النسابون إلى جمع المادة وتسجيلها جمعوا معها ومن حولها الكثير من المادة التاريخية التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابها. ولعل أول خط تاريخي كتب في صدر الإسلام إنما كان في علم النسب، وكان على يد أولئك ، فعهد إليهم بوضع سجلات الأنساب التي أنشأهاالذين أتى بهم الخليفة عمر بن الخطاب وهم:

أ- جبير بن مطعم بن عدي القرشي.

ب- عقيل بن أبي طالب عبد مناف الهاشمي – شقيق علي رضي الله عنهما

ج- مخرمة بن نوف بن أهيب الزهيري القرشي(28).

فسجلات هؤلاء التي دوّنوها كانت أساس كتب النسب وسجلاته الرسمية في الإسلام. وقد سجلت في الأمصار العربية وخاصة في الكوفة والبصرة، ومن ثم في واسط من العراق، وفي دمشق بالشام وفي مصر سجلات أنساب أخرى كان مركزها دواوين (الجند)، وكان مصير بعضها هو الحرق خلال فتنة ابن الأشعث سنة 82-83هـ(29).

وعلى هذا الأساس ارتبط نظام الأنساب بالتاريخ في ذهن المشتغلين بها وعند الذين كتبوا تاريخ الثقافة العربية واهتموا بتطور الوعي التاريخي عند العرب. وهذا الارتباط لم يأت من فراغ، إنما هو محصلة طبيعية لتداخل المعرفة بين المختصين وللمهمة المشتركة بينهما(30)

، ويظهر الوعي بارتباط التاريخ بالأنساب من خلال رواية أوردها السمعاني عن رجل سأل عنه فقالوا: رجل عالم بأيام الناس وعالم بالعربية وعالم بالأشعار وعالم بأنساب الرسول عليه الصلاة والسلام و العرب(31).

إنّ هذا التواصل ليس هامشيًّا أو جزئيًّا وإنما هو ارتباط متكافئ لصنفين من صنوف المعرفة، بل ربما المكانة الأكفأ للأنساب. أما في الإسلام فإنّ الأمّة توحدت اعتقاديًّا، وتم تجسيد هذه الوحدة اجتماعيًّا وسياسيًّا وثقافيًّا على أساس الدور الإنساني للأمّة العربية، كما عبّر عنه الإسلام فاتسع نطاق الاهتمام بالتاريخ بحكم اتساع نطاق شموليته وحيوية التجربة التاريخية للأمّة وعنفوانها، وقد انعكس هذا التطور على الأنساب التي أصبحت جزءًا من التاريخ. إنّ هذا الارتباط يحتم دورًا للأنساب في كتابة التاريخ من منطلق اهتمامها بالأنساب(32).

وقد خدمت دراسات الأنساب علم التاريخ في المادة وفي خطة الكتابة؛ فقد تجددت العناية بالأنساب في صدر الإسلام(33)، وجاء انتشار الديوان بدافع جديد للاهتمام بها، وقد زاد اهتمام الأمويين بالأنساب ووضعت لهذا الغرض سجلات بها، وكان هذا التشجيع ابتداءً من عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، ومثل هذه الدراسات يروى أنّ الخليفة الوليد الثاني أمر بعمل سجل وافٍ بالأنساب(34).

وجاءت المعلومات عن الأنساب في الشعر العربي شفاهًا وخاصة شعر النقائض. وفي الروايات العائلية والقبلية، ومن سجلات دواوين الجد، وكانت عنايتهم في البداية على نسب قبيلة من القبائل، ثم تطور فظهر نسابون عنوا بأنساب أكثر من قبيلة، وقد خلق ذلك من جهة نوعًا من الشعور بالأمّة الواحدة، وقد تبلور ذلك في فترة جمع الروايات في القرن الثاني الهجري، الثامن الميلادي(35).

أشهر النسابين العرب في صدر الإسلام:

ظهر نسابون كثيرون اهتموا بهذا الجانب في الحياة الاجتماعية كان من أبرزهم:

1- زياد بن أبي سفيان (ت53هـ/672م):

يذكر أن زياد بن أبيه المعروف به، قد ألّف كتابًا في الأنساب تضمّن معظمه في مثالب العرب(36)، فيبرز هذا الاهتمام من زياد بهذا الجانب من الأنساب إلى قصة نسبه المغموز به واختلاف الرواة فيه وكيفية استلحاق الخليفة معاوية بن أبي سفيان إياه وكراهية المسلمين لذلك، بل وسخر بعض الشعراء من هذا النسب الجديد، ولذلك أراد زياد أن يذود عن نفسه وأبنائه بسلاح يخيف به المتعرضين له بالشكوك، ويشعرهم بعدم نقصه، بل بنقض الآخرين في هذه الناحية من الحياة، وأنّ هذا الكتاب فُقِد ولم يصلنا منه شيء(37).

2- دغفل بن حنظلة السدوسي الشيباني (ت60هـ/679م): وهو من مشاهير علماء الأنساب ، ويبدو أنّ العمر امتد به قبيل ظهور الإسلام، أدرك النبي ولم يسمع منه ، وبعد ذلك حتى أدرك الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (38).

ويروي ابن حبيب معلومة أنّ معاوية استعمل دغفلاً لابنه يزيد(39)، وقيل إنه سأله: بم نلت هذا يا دغفل؟ قال بقلب عقول ولسان سؤول، فقال: معاوية له: اذهب إلى يزيد فعلّمه النسب والنجوم(40).

ويروى أنّ كتاب دغفل النسابة التظافر والتناصر هو عبارة عن مجالس وأسمار تروى في بلاط الخليفة معاوية الذي كان محبًّا للمسامرة وأحاديث من مضى من الرجال والأحداث، ويظهر هذا الكتاب مدى عنايتهم بالسمر وأثر هذه المجالس في ترتيب العبارات وتحسينها(41).

3- عبيد بن شرية الجرهمي اليمني (ت70هـ/689م):

اختلفوا في أصله، فروي أنه كان أهل صنعاء، وقيل إنه من أهل الرقة بالعراق، والأرجح أنه كان يمنيًّا وجرهميّ النسب، وكان قصّاصًا إخباريًّا، أدرك النبي محمد عليه الصلاة والسلام ولكنه لم يسمع منه شيئًا، ثم وفد إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وبرز في بلاطه(42).

وذكروا أنه كان يسمع معاوية كل ليلة من أخبار العرب وأيامها وأنسابها وأخبار العجم وملوكها وسياستها لرعيتها(43).

وكانت حصيلة مجالسته للخليفة معاوية قد أنتجت عن تدوين كتاب الملوك وأخبار الماضيين(44)

الذي طبع في ذيل كتاب التيجان في ملوك حِمْيَر المنشور في حيدر آباد الدكن في الهند سنة 1347هـ تحت عنوان أخبار عبيد بن شرية الجرهمي في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها. ويتضمن هذا الكتاب الكثير من أخبار العرب وأنسابها قبل الإسلام، كما يشتمل على الأشعار التي وضعت على لسان عادٍ وثمود وطسم وجديس والتبابعة، وكذلك يضم الكتاب بعض أخبار عن بني إسرائيل، ويغلب على جميع هذه الأخبار طابع القصص الشعبي المتأثر بالإسرائيليات(45).

وقد أفاد الهمداني في كتابه الإكليل من أخبار عبيد بن شرية فنقل قسمًا منها(46).

4- عبدالله بن عباس (ت78هـ/697م):

أما عبدالله بن عباس رضي الله عنه فقد نسب إليه بعض الرواة(47) مدوّنات استقى منها من بعده من المؤرخين، ولم يذكر أنّ ابن عباس جعل من هذه المدوّنات كتابًا خاصًّا له اسم معيّن، وهي في غالب ظني أنها من بعض مجالسه التي كان كثيرًا ما يفسّر فيها القرآن الكريم ويتعرّض لمختلف المعارف العربية فيدوّن هذه المعلومات أحد أبنائه أو بعض تلاميذه(48).

ويروى عن عطاء بن أبي رباح، أحد تلاميذه قوله: كان ابن عباس يجلس للمحاضرة فيأتون ناس يتذوّقون الشعر، وآخرون لتعلم الأنساب، وآخرون للتعرف على أيام العرب ووقائعها، فما منهم من صنف إلاّ يقبل عليه بما يشاء. ويذكرون أنه كان لدى كريب بن أبي مسلم مولى ابن عباس حمل بعير أو عدل بعير من كتبه وأقواله المكتوبة، فكان علي بن عبدالله بن العباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: ابعث إليّ بصحيفة كذا وكذا، قال: فينسخها ويبعث إليه بأحدهما(49)، وهذا لا يعني أن التدوين التاريخي بدأ في عهد مبكر منذ أواسط القرن الأول الهجري فحسب وإنما يعني أيضًا أنّ ابن عباس ترك صحفًا لورثته بعد وفاته، وكانت من الكثرة بحيث يبلغ حجمها حمل بعير، وكان لتلاميذه صحائف مروية شيخهم، ومن هؤلاء عروة بن الزبير ومحمد بن كعب القرظي، ووهب بن منبه وسعيد بن جبير، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وعن هؤلاء أخذ الكثير ممن تعرف من الإخباريين أخبارهم وأهل السِّيَر في مدوّناتهم ومهتمّين بأنساب القبائل معارفهم(50).

يتبع ………….

[/align]

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.