مسؤولون وباحثون جزائريون يعرقلون توثيق ملف ضحايا التجارب النووية -التاريخ الجزائري

الباحث في الفيزياء النووية الدكتور كاظم العبودي :

مسؤولون وباحثون جزائريون يعرقلون توثيق ملف ضحايا التجارب النووية


اتهم كاظم العبودي الباحث في الفيزياء والكيمياء النووية والحيوية الذي يعمل حاليا على ملف ضحايا التجارب النووية في الجزائر، اتهم مسؤولين وأساتذة جامعيين في الجزائر ممن يبدون الولاء لفرنسا، وصفهم بالعملاء، بمحاولة قبر ملف ضحايا التفجيرات ومنع جمع المعلومات والتوثيق لمقاضاة فرنسا·
في الذكرى التاسعة والأربعين للتجارب النووية الفرنسية التي أجرتها في الصحراء الجزائرية، كشف كاظم العبودي الذي يعمل منذ 20 سنة على الملف، من خلال دراسات فيزيائية تحدد مناطق الخطر الاشعاعي والتداعيات الكيماوية على الإنسان والبيئة في مناطق التفجيرات، توصل هذا الأخير لاكتشاف مسؤولين جزائريين وباحثين جامعيين يحاولون تواطؤا مع ما أسماه بالموالين للوبي الفرنسي في الجزائر، قبر ملف ضحايا التجارب النووية إلى الأبد، وقال إن هناك من حاول دفعه في الجامعة إلى التوقف عن أبحاثه· وأورد أيضا أن عددا من هؤلاء يترددون كثيرا على فرنسا، ويخافون من أن يُحرموا من التأشيرات لدخولها إذا علمت باريس بورود أسمائهم على قائمة الجزائريين أنصار مقاضاة فرنسا على جرائمها النووية، والمطالبين بإجبارها على التعويض وتنظيف المحيط من الاشعاعات·
وكشف الباحث في الفيزياء النووية الذي ألقى كلمة بالمناسبة التي أشرفت على تنظيمها جمعية 8 ماي 45 ، أن حجم الاشعاع النووي ومخاطره لا يتركز على محيط رفان فقط كما هو معروف، بل تمتد مخاطره إلى محيط 600 كلم مربع، وتسببت النفايات وبقايا التفجير في إبادة 60 ألف جزائري ما بين 1960 إلى 1966 تاريخ خروج القوات الفرنسية من قواعد مرسى الكبير وتمنراست·
هذا في الوقت الذي تنفي فيه جمعية 8 ماي 45 وجود عدد محدد من الضحايا، مطالبة في نفس الوقت بإجابات من السلطات حول خلفية ترك السلطات الجزائرية للقوات الفرنسية اجراء تجارب نووية طيلة سنوات ما بعد الاستقلال، بالرغم من أن اتفاقيات ”إيفيان” لا تنص على إجراء مثل هذا النوع من التجارب·

وسرد هذا الأخير كيف يتم منع طلبته الجزائريين بالجامعات من قبل المسؤولين المحليين بأدرار من إجراء بحوثهم العلمية لنيل شهادات التخرج والبحث، خوفا من الخروج بنتائج قد تكون كبيرة وذات وقع أكبر، يحاسب عليها من طرف مسؤوليهم للسماح لهؤلاء بالبحث·
إجابات العبودي حول عدم تحديد ضحايا التفجيرات، جاءت واضحة ”فرنسا تشجع مثل هذه الأطروحات القائلة بعدم امكانية التحديد تحت ذريعة، أن التجارب اُجريت في مناطق غير آهلة، بينما قياس حجم الاشعاع علميا كاف لمنح عدد الضحايا عملا على المساحة، خاصة وأن التوزيع السكاني تطور في المنطقة بتطور الإفرازات اللاحقة عن التفجيرات”·
إلى ذلك كذّب العبودي أن تكون قضية المحرقة النازية لليهود ”الهولوكوست”، هي أول وآخر محرقة في التاريخ، وقال إن أول هولوكوست ارتكبته فرنسا في أهل أولاد رياح في الظهرة 19 جوان 1845 عن طريق الجنرال بليسيي الذي نقل عنه قوله ”لو وجدت كيف أخنقهم وأقطع الهواء عن هؤلاء الجزائريين، لفعلت”، وأوضح أن أول حرب كيماوية في التاريخ أيضا من قبل فرنسا في الجزائر، كانت عندما قصفت مدفعيا سنة 1852 بالكلوروفورم مدينة الأغواط، وتوفي على إثرها 3780 جزائري·

المصدر الواحة

روافد التأثير الإسلامي إلى الأمازيغية -التاريخ الجزائري

روافد التأثير الإسلامي إلى الأمازيغية


مع حلول الإسلام في أفريقيا ودخول العرب استعربت غالبية الأمازيغ بتبنيها اللغة العربية بلهجاتها المغاربية
ينسب النسابة الأمازيغ أصلهم إلى مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام.

بالعودة إلى تاريخ ابن خلدون، ينقسم البربر إلى برانس وبتر. وإبان الفتح
الإسلامي كانت أوربة من البرانس أقوى قبائل المغرب، فهي التي حاربت مع
زعيمها كسيلة المسلمين، وهي التي استقبلت إدريس الأول وبايعته وكان ملكها
من ملك الأدارسة.

تشبت البربر بالإسلام والدفاع عنه في نص ما قاله ابن خلدون:
(وأما إقامتهم لمراسم الشريعة وأخذهم بأحكام الملة ونصرهم لدين الله، فقد
نقل عنهم من اتخاذ المعلمين لأحكام دين الله لصبيانهم، والاستفتاء في فروض
أعيانهم واقتفاء الأئمة للصلوات في بواديهم، وتدارس القرآن بين أحيائهم،
وتحكيم حملة الفقه في نوازلهم وقضاياهم، وصياغتهم إلى أهل الخير والدين من
أهل مصرهم التماساً في آثارهم وسوءاً للدعاء عن صالحيهم، وإغشائهم البحر
لفضل المرابطة والجهاد وبيعهم النفوس من الله في سبيله وجهاد عدوه عادات
الأمازيغ"

الأمازيغ اتخذوا عاداتهم العريقة روافد
كيفوها مع متطلبات الإسلام فاندمجت ـ إلى درجة الانصهار ـ التعاليم
الإسلامية مع العادات الأمازيغية، فزاد الدين رسوخا في كل مجالات الحياة،
إذ لم يقتصر على الانتقال بالترجمة من الكتب العربية إلى الأمازيغية وحسب،
بل أُدمج في العادات، وبها تهيأ لإغناء المعجم الرمزي، فـ…الأمازيغ لم
يفهموا الإسلام بكيفية عميقة إلا عن طريق الترجمة من العربية، كما أنهم
يتخذون أنواع العادات والفنون والاحتفالات وسائل للتلقين والاستيعاب…
إننا بحق أمام ما يجب أن يسمى روافد التأثير الإسلامي إلى الأمازيغية، ومن
أهم ذلك، العادات التعليمية التي نذكر منها: التعليم الليلي وعرس القرآن
وبخاري رمضان والمولد النبوي ….

العادات والتقاليد الاجتماعية روافد التأثير الإسلامي إلى الأمازيغية

-التعليم الليلي
للمسجد ـ تِيمْزْكِيدَا ـ في حياة الأمازيغيين أهمية قصوى يؤكدها اعتباره
النادي العام لأهل القرية ولا يختلف عنه إلا من لا خير فيه، ولأستاذ
المسجد احترام، وهو الإمام، والمؤذن ـ غالبا ـ وقارئ الحزب، ومعلم الدروس
المسائية لعموم أطفال القرية، الذين وجدوا في التربية الإسلامية
بالأمازيغية عادات تحفزهم للتلهف على حضور دروس المسجد الليلية، المختلفة
عن الدروس النهارية التي تعلم الملازمين دراسة القراءة والكتابة باللغة
العربية وحفظ القرآن، فالليل يخصصونه للمراجعة عندما يتفرغ أستاذهم
للدراسة الليلية التي تهتم كل مساء بتعليم الأطفال ذكورا وإناثا، وبالرعاة
والحرفيين الذين لا وقت لهم للدراسة نهارا. وبهذه الدروس يتعلمون قواعد
الإسلام، وأحيانا قد يضطر بعض الأساتذة لتغريم المتخلفين.


وللأطفال عادات يمارسونها تشوقهم إلى هذه الدروس الخاصة، كاعتيادهم
الانطلاق بعد صلاة المغرب في عموم أزقة القرية مرددين إنشادات جماعية
بأصوات طفولية موحية تحث الصغار على الالتحاق بالمسجد لتلقي الدروس
الدينية، التي لا يتخلف عنها ذكورهم وإناثهم ما لم يبلغوا سن الاحتلام،
وعادة ما يلتقي الجميع في الطريق المؤدي إلى المسجد فيكونون صفا واحدا
حاملين الحطب ـ ليستعمل في الإنارة وتدفئة ماء الوضوء ـ وهم يرددون مرددات
خاصة بتلك المسيرة. وقد ثمن ديكو دي طوريس هذه الدروس في إحدى ليالي سنة
1550م، التي شاهد فيها كيف يعلم بها الأمازيغيون أولادهم، وبعدما وصفها
بدت له معقولة جدا إذ بعد أن يرعى الأطفال قطعانهم طوال النهار يجتمعون
عند المساء في منزل معلم، وعلى ضوء نار عظيمة يوقدونها بالحطب الذي حملوه
معهم يستظهرون دروسهم.


عرس القرآن

هناك عادات هيأها الأمازيغيون لتنتقل عبرها الأفكار الإسلامية من العربية
إلى الأمازيغية بطرق غاية في التشويق والإيحاء. ومن أبرز تلك العادات
سْلُوكْتْ التي تدعم الحضور الإسلامي في البيئة السوسية، فأثناءها يقرأ
القرآن جماعيا، وتنشد قصيدتا البردة والهمزية للإمام البصيري، وكل ذلك
باللغة العربية، وقد يتم فيها الشرح بالأمازيغية، لأن كل الفقهاء
الأمازيغيين يفسرون معاني القرآن على قدر الطاقة.

إن سّلُوكْتْ احتفال خصصه الأمازيغيون لـالطّلبة كي يحضروا في جميع
المناسبات، ويؤكدوا على حضور الإسلام في كل الممارسات، ولحضور مناسباتها
يكون الطلبة قد تهيأوا واستعدوا وتزينوا بأحسن ما عندهم، ويستقبل مجيئهم
بغاية الفرح والسرور، ويجلسون في أحسن مكان وعلى أجمل فراش، وتقدم إليهم
أحسن أنواع الأطعمة… ويعبرون عن فرحتهم بحماسهم في أداء تاحزابت، وإنشاد
شعر يمدح الكرماء في ما يسمونه تّرجيز. ويعتمد حفل سْلوكْتْ على ثلاث
دعائم: تاحزّابت والبوصيري وتّرجيز، ولكل منها دور في التفاعل القوي بين
الأمازيغيين والمتن الإسلامي، وسنوضح معالم ذلك بإيجاز:

تاحزّابت:
تاحزّابت نسبة إلى حزب القرآن الكريم، والمقصود بها نوع من أداء قراءة
القرآن بـ…رفع الصوت بأقصى ما في حلوق الطلبة من قوة وتمطيط في القرآن
جماعة في منتزهاتهم (أدوال)، أو في المواسم التي يتلاقون فيها. ولا نراها
بعيدة عن هدف تحريك مشاعر الأمازيغيين بطريقة إنشادية لمتن لا يعرفون
معانيه، ولكن طريقة إنشاده تخلق بجلالها تواصلا رائعا، ويتجلى تأثيرها
البهيج على ملامح القراء الذين يؤدونها بحماس تجسده حركاتهم الموقعة
بإيقاع طريقة القراءة، ويعبر عنه اندماجهم المطلق في الأداء، وكذلك ترحيب
الناس وتشجيعهم لجودة القراءة. ولعل هذه الاحتفالية هي سر المحافظة عليها
رغم ما واجههم من انتقادات، وقد قاومهم كبار العلماء ولكن لم يفيدوا فيه
شيئا، وقد اهتم الشعر الأمازيغي التعليمي بالمتن القرآني، فنظمت أبيات
ومقاطع بعضها خاص بالرسم القرآني، وبعضها بالتجويد… وكثيرا ما تنشد
بالأمازيغية خلال حفل سلوكت القرآني.

البردة والهمزية :
لا وجود لحفل سلوكت بدون إنشاد رائعتي البوصيري: البردة والهمزية وإذا
كانت تاحزابت قناة للقرآن في مجال التفاعل بين الإسلام والأمازيغيين فإن
البردة والهمزية قناتان للمديح النبوي من تأليف الإمام البوصيري (ت 696 هـ
ـ 1296 م)، اكتسبتا نوعا من القدسية التي يوحي بها تلازمهما لـتاحزّابت
القرآن، ولأن الاعتقاد في قدرات القرآن امتد إلى كتب دينية مثل صحيح
البخاري ودلائل الخيرات ـ للجزولي ـ اللذين يحظيان في شمال إفريقيا
باحترام بالغ، إلا أن أهم مثال في هذا المجال هو: البردة… التي ترجمت
إلى الأمازيغية… وتكتب بها التمائم، وتنشد عند الدفن وتكتب على جدران
المساجد، وتعتبر مع الهمزية ملازمتين لـسلوكت القرآنية أكثر من غيرهما من
جل ما ألف في المجال الإسلامي، ثم إن إنشادهما في نصهما العربي صار من
أروع وأعذب الألحان التي يتأثر بها المستمعون في احتفالهم بالطلبة.

تّرجيز:

الـتّرجـيز صيـغة أمازيغية لكلمة الترجيز في العربية، والمقصود بها في
حفلة سلوكت إنشاد الأشعار العربية بطريقة خاصة، إذ يبدؤها فرد واحد منهم
ثم يرددها بعـده الآخرون، ويتدخل آخر مضيفا أو مجيبا سابقه. ويمثل هذا
الترجيز قمة التفاعـل بين المستمعين الأمازيغيين الذين يجهلون العربية،
وبين الطلبة الذين قد يدركون بعض معاني ما ينشدون، والعلاقة الجامعة
للتأثر بين المستمعين والقراء هي طريقة الإنشاد مما له علاقة واضحة عند
العارفين بطريقة إنشاد حوار العقول الشعرية خلال العرض الشعري في أحواش،
ومن أجمل ما يوحي بوجود تلك العلاقة، ذلك الشعور الغامر الذي يعكس فرحة
التأثر بمقروء سلوكت نهارا، وفرحة التمتع بالشعر المنشد في أحواش ليلا،
تلك العادة التي تواكب قراءة القرآن في تاحزّابت وإنشاد الأشعار العربية
في الاحتفال بـالطلبة في المواسم الكبرى حيث يلتقي عشرات الحفاظ في
مجموعات يخصص لها مكان معين في الموسم. وتتناوب المجموعات على قراءة ربع
حزب من القرآن لكل جماعة على حدة، فإذا وصل دور مجموعة منهم جاء جميع
الحاضرين، ووقفوا عليهم يحصون عليهم الأنفاس… فإذا مالوا ولو خطأ في وقف
أو إشباع أو قصر أو توسط أو غير ذلك من أنواع التجويد صفق لهم جميع
الحاضرين من الطلبة تشهيرا للسامعين بعظم الزلة، وربما سمع التصفيق العوام
المشتغلون بأنواع الاتجار خارج المدرسة فيصفقون هم أيضا لما رسخ في
أذهانهم من فظاعة ذلك

أن الأعراس والختمات القرآنية في الأفراح والاحتفالات عند الامازيغ
ما يدل على
رسوخ إيمانهم و صحة معتقداتهم، ومتين ديانتهم

اقدم مومياء امازغية فرعونية في جنوب ليبيا

وثائقي رائع يبين اقدم مومياء فرعونية امازيغية تم اكتشافها في جنوب ليبيا ارجو المشاهدة والنشر وترجمة الوثائقي لمن استطاع حقا انه وثائقي رائع


https://www.youtube.com/watch?v=juBsl3p8BRk

الفصل السادس من سرير عابر ارجوا التثبيت

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل السادس من سرير عابر ثم جاءت .
انخلعت أبواب الترّقـب علي تدّفـق ضوئها المباغت .
دخلت .. وتوقّـف العالم برهة عن الدوران .
توقًّـف القلب برهة عن الخفقان كما لالتقاط الأنفاس من شهقة .
إعصار يتقًّدم في معطف فرو ترتديه امرأة. أيتها العناية الإلهيّة…
ألا ترفًّـقت بي!
أيتها السماء …أيها المطر… .. يا جبال الألب … خذوا علماً أّنها
جاءت.
التقينا إذن
الذين قالوا : وحدها الجبال لا تلتقي أخطأوا ، والذين بنوا بينها
جسوراً لتتصافح من دون أن تنحني ، لا يفهمون شيئاً في قوانين
الطبيعة
الجبال لا تلتقي إلاًّ في الزلازل والهزّات الأرضّية الكبرى
وعندها لا تتصافح إنما تتحول إلى تراب واحد
أكان بوسعنا تفادي الكارثة ؟ ها نحن نلتقي حيث رتبت لنا
المصادفة موعداً في آخر معاقل الحزن ..كلعنة
عمي صباحاً سيدتي الجميلة … كفاجعة
هي ذي … كيف فك الاشتباك من عينيها . كل ما أردته كان
النظر إليها بعد هذا الغياب. كانت تبدو كشجرة ليمون. تساقط
زهرها دهشة عندما رأتني . كأني آخر مكان توقعت أن تراني في هو
باريس ، في معرض رسام أنكرت وجوده خارج الكتاب
قالت:
– شيء لا يصّدق .
– هي حياة ندين بها لمصادفة اللقاءات .
ردّت باندهاش جميل لا يخلو من الذعر :
– يا إلهي .. ما توقّعت أبداً أن أراك هنا !
قلت مازحاً :
– ماذا افعل إذا كان كل شيء يعيدك إليّ .
كنت ألمح لقولها مرة (( كل شيء يعيدني أليك )) وكنت أجبتها
مصححاً آنذاك (( كل شيء يبقيني فيك ))
قالت معلقة بذكاء :
– ظننتك غيرت عنوان إقامتك منذ ذلك الحين !
أجبت وأنا أمازحها نافضاً سترتي :
كما ترين : كلما هممت بمغادرتك تعثرت بك .
ثم وصلت :
– بالمناسبة .. أجمل ما يحدث لنا لا نعثر عليه بل نتعثر به .
كنت هنا أيضا أصحّح قولها (( أجمل حب .. هو الذي نعثر عليه
أثناء بحثنا عن شيء آخر )) .
كيف الفكاك من حب تمكن منك حدّ اختراق لغتك , حتى
أصبحت إحدى متعك فيه هتك أسرار اللغة ؟
النشوة معها حالة لغوية . لكانني كنت اراقصها بالكلمات
, أخاصرها , أطيرها , أبعثرها , ألملمها . وكانت خطى كلماتنا دوماً
تجد إيقاعها منذ الجملة الأولي .
كنا في حوار راقصين يتزلجان علي مرايا الجليد في ثياب
احتفائية , منتعلين موسيقي الكلمات .
ذات مرة قالت :
– احلم أن افتح باب بيتك معك .
أجبتها علي إيقاع التانغو , وأنا أعيد أحلامها خطوتين إلي الوراء :
– وأحلم أن افتح الباب .. فالقاك .
لكن الحياة قلبت لنا الأدوار . هاهي ذي تفتح باب قاعة لتزور
معرضاً فتلقاني . إنه ليس زمن التانغو , بل أزمنة الفالس , بدوارها
المحموم جملها المتخاصرة في تداخلها , وارتباك خطوتها الأولي
بجمل منتشية , متداخلة , كتوتر شفتين قبل قبلة , لامرأة بلغت في
غيابي ثلاثين سنة .. وبعض قُبل . ويلزمها سبع قبلات أخرى , لتبلغ
عمر حزني الموثق في شهادة لا تأخذ بعين الاعتبار , ميلادي علي
يديها ذات 30 أكتوبر علي الساعة الواحدة والربع ظهراً .. في
مقهى !
الأشياء معها تبدأ كما تنتهي : علي حافة ربع الساعة الأخير .
كانت تتأملني بارتباك المفاجأة . وكنا بعد سنتين من الغياب
يتصفح احدنا الآخر علي عجل , وندخل صمتاً في حوارات طويلة
لحديث لم يكن .
سألتها إن كان في رفقتها احد .
ردّت :
– حضرت بمفردي .
– حسناً . إذن اقترح أن تلقي نظرة علي المعرض ثم ادعوك
لنشرب شيء معاً في المقهى المجاور .
تعمدت أن اتركها تقوم بجولة بمفردها . أردت أن أحافظ علي
جمالية المسافة لأراها بوضوح , ولأتجسس علي ذاكرتها المعلقة
فوق أكثر من جسر .
كما توقعت , بعد بضع لوحات , ذهبت صوب تلك اللوحة .
رأيتها تقف أمامها طويلاً كما لأول مرة منذ عشر سنوات .
كما من دون قصد قصدتها . كانت تجيل النظر في دليل
اللوحات . سألتها إن كانت أحبت تلك اللوحة .
قالت كما لإخفاء شبهة :
– كنت أعجب فقط أن يكون الرسام باعها . أري عليها إشارة
حمراء .
سألتها مستفيداً من الفرصة إن كانت تعرف الرسام .
قالت :
– لا .. أبداً . لكن من عادة الرسامين أن يحتفظوا بلوحاتهم
الأولي . وحسب التاريخ المكتوب عليها , هي أول لوحاته , بينها
وبين بقية اللوحات أكثر من ربع قرن !
– هل يعنيك شراؤها ؟
قالت بعد شيء من التردد :
– لا أدري ..
ثم واصلت :
في جميع الحالات بيعت , وعليّ أن اختار غيرها .. لا أستطيع
التركيز علي شيء وأنت معي . سأعود مرة ثانية لاختيار لوحة أو
لوحتين .
قلت مستدرجاً إياها لاعتراف ما :
– ما زلت غير مصدق أننا معاً .. بربك ما الذي جاء بك إلي هنا ؟
أنا الذي كنت أملك سوء ظن بأجوبتها , لم أكن مهتماً باختيار
صيغة لأسئلتي .كان يكفيني ارتباكها كامرأة تمسك بفستانها حين
يهب الهواء . كانت تملك إغراء الصمت المفاجئ عن اعتراف
كادت تطيره ريح المباغتة . ولذا بين جملتين تنحسران كذباً كانت
تشد فستان اللغة صمتاً .. إلي أسفل .
– إنها مصادفة لا أكثر .. أمّدني أخي ناصر ببطاقة إعلان عن هذا
المعرض لعلمه أنني أحب الرسم … غادرت باريس منذ 10
سنوات وما عدت منذ ذلك الحين أتابع الحياة الثقافية هنا .
لم افهم سر إصرارها على إنكار وجود هذا الرجل ذات يوم في
حياتها .
أكان ذلك بسبب عاهته؟ أم كهولته؟ أم كانت فقط ككل الكتاب
لا تحب انفضاح شخصيتها في واقع الحياة ؟
كان واضحاً إن ناصر لم ياتِ علي ذكرى معها ولا زيان طبعاً,
مما جعلها تتوقع وجودي هنا مصادفة . ونظرا لاختلاف اسم الرسام
عن اسم بطلها ، ربما اعتقدت أن الكذبة انطلت علي ، خاصة أنها
كانت واثقة من وجود زيان في المستشفي واستحالة لفائي به .
ربما ولدت لحظتها في ذهني تلك الفكرة المجنونة التي رحت
بسرعة الفرح اخطط لتفاصيلها ، بعد أن قررت أن أهيئ لذاكرتها
مقلبا بحجم نكرانها !
عندما خلوت بها بعد ذلك في المقهى ، بدت لي كثيرة الصمت
سهوا ، دائمة النظر ألي الرواق الذي كنا نراه خلف الواجهة
الزجاجية علي الرصيف الآخر ، كأنها كانت تستعيد شيئا أو تتوقع
قدوم أحد . أنها لم تتغير .
متداخل الوقت حبها , لكانها تواصل معك حب رجل أحبته
قبلك , أثناء استعدادها لحت من سيليك .
لفرط ديمومة حالتها العشقية ، لم تعد تعرف هلع النساء في بداية
كل حب ، ولا حداد العشاق أمام يتم العواطف .
أنت الذي قد يأخذ معك حداد حب سنتين ، يا لغباء حدادك
الشعبي ! من أين لك هذا الصبر علي امرأة لها حداد ملكي لا يكاد
يموت ملك إلا ويعلن مع موته اسم من سيعتلي عرش قلبها ؟
سألتها مرة عن سبب ألا تكون كتبت سوي كتاب واحد . أجابت
ساخرة : (( لم أرتد سوي حداد حب واحد ، لتكتب لابد أن تدخل في
حالة حداد علي احد أو علي شئ ، الحياة تزداد قصرا كلما تقدم بنا
العمر، ولا وقت لنا لمثل هذا الهدر الباذخ . ما الحداد إلا خيانة
للحياة . )) وربما كانت تعني أن الوفاء لشخص واحد .. خيانة
لأنفسنا . تحاشت قول ذلك لأنني كنت وقتها ذلك الشخص
الواحد الذي كانت تحبه !
عندما أحضر النادل طلباتنا ، سألتها وأنا أشعل سيجارة :
_ هل كتبت شيئا خلال هاتين السنتين ؟
كان باستطاعتي عبر هذا السؤال وحده أن اعرف ما حدث
بعدي .
باغتها سؤالي حتما . علي الأقل في استباقه أسئلة أخري أظنها
أدركت بذكاء (( شيفرتنا )) العشقية .. كنت أسالها إن هي لبست
حدادي بعض الوقت .
ردّت بصوت غائب :
– لا ..
لم تضف شيئاً علي تلك الكلمة ، أيّ تبرير يمكن أن يغيّر وقعها .
شعرت بلسعة الألم وبوجع الاعتراف الذي تلقّيته كإهانة لحبّنا.
ألم يبق من اشتعالات ذلك الزمن الجميل ما يكفي لإضرام نار
الكلمات في كتاب ؟
أهي لم تحبّني إذن ؟ وما أحبت فّي سوي خالد بن طوبال ، الرجل
الذي كنت أذكرها به والذي كانت تقول انه أحد ابتكاراتها
الروائية .
أم تري أحبّت فيّ عبد الحق ، الرجل الذي توهّمته أنا وكان
سيليني في عرش قلبها لو أنّ الموت لم يسبقها إليه ؟
حبّ يحيلها ألي حب ولا وقت لديها للفقدان . الفقدان الذي هو
مداد الكتابة .
سألتني بعدما طال صمتي :
– فيمّ تفكّر ؟
– في مسرحية عنوانها (( الحداد يليق بالكترا )) . كنت أفكر أن
الحداد يليق بك . جّربي الحداد بعض الشئ ، قد تكتبين أشياء
جميلة .
– عدلت عن كتابة الروايات . إنها كالقمار تعطيك وهماً كاذباً
بالكسب . أثناء إدارتك الآخرين تنسي أن تدير حياتك ..أقصد
تنسي أن تحيا . كلّ رواية تضيف إلي عمر الآخرين ما تسرقه من عمر
كاتبها . كمن يجهد في تبذير حياة بحجّة تدبير شؤونها .
سألتها ساخراً :
– ألهذا تقتلين أبطالك دائماً لتوفّري علي نفسك جهد إدارة
حياتهم ؟
ردّت مازحة :
– ثمّة أبطال يكبرون داخلك إلي حدّ لا يتركون لك حيزًّاً
للحياة ، ولا بدّ أن تقتلهم لتحيا . مثل هؤلاء بإمكانهم قتل مؤلفيهم .
بعض الروائيين يموتون علي يد أبطالهم لأنهم ما توّقعوا قدرة كائن
حبري علي القتل .
واصلت بعد شيء من الصمت :
– خالد مثلاً .. لو لم أقتله في رواية لقتلني . ما قست عليه رجلاً
إلا وازدادت فجيعتي . كان لابدّ أن يموت . جماله يفضح بشاعة
الآخرين ويشوّش حياتي العاطفية .
راودتني رغبة أن أقول لها إنه – برغم ذلك – علي قيد الحياة .
يشاركنا استنشاق هواء هذه المدينة .
لكّنني صمتّ . لم يكن آن بعد أوان تلك المواجهة !
لم أدر لماذا ، برغم ذلك ، لم يذد ني حديثي معها إلاّ اشتهاء لها .
كاتبة مشغولة عن كتابة الروايات بالتهام الحياة ، تفتح شهّيتك
لالتهامها . إضافة إلي أنّ أمرآة علي ذلك القدر من الكذب الروائي ،
تعطيك ذريعة إضافية لاستدراجها إلي موعد تسقط فيه أقنعتها
الروائية !
ها هي ذي . وأنا شارد بها عنها . نسيت كلّ مآخذي عليها
نسيت لماذا افترقنا..لماذا كرهتها . وها أنا أريدها الآن ، فوراً ،
بالتطرف نفسه . كنت سأقول : (( أضيئي نفق الترقب بموعد )) لكنّني
وجدت في تلك الصيغة استجداء لا يليق بامرأة لا تحب إلا رجلاً
عصيًّ العاطفة . قلبت جملتي في صيغة لاتسمح لها سوي بتحديد
الوقت . قلت :
-أي ساعة أراك غداً ؟
– أأنت علي عجل ؟
– أنا علي امتلاء .
أضفت كما لأصحح زلّة لسان كنت تعمّدتها :
– في جعبتي كثير من الكلام إليك .
قالت :
– لماذا تتبدّد في المشافهة ؟ ربّما كان ما في جعبتك يصلح لكتابة
رواية .
كان لها دهاء الأنوثة الفطري . فتنة أمرآة تكيد لك بتواطؤ منك .
امرأة مغوية ، مستعصية ، جمالها في نصفها المستحيل الذي يلغي
السبيل إلي نصف آخر ، يوهمك أنها مفتوحة علي احتمال رغباتك .
هي المجرمة عمداً . الفاتنة كما بلا قصد . تتعاقد معها علي
الإخلاص وتدري أنّك تبرم صفقة مع غيمة . لايمكن أن تتوّقع في
أي ارض ستمطر أو متي .
امرأة لها علاقة بالتقمص . تتقمص نساء من أقصي العفة إلى
أقصى الفسق، من أقصى البراءة إلى أقصى الإجرام .
قلت :
– حوارتنا تحتاج إلي غرفة مغلقة .
ردّت :
– لا أحب الثرثرة علي شرا شف الضجر .
أجبتها بما كنت واثقاً أّنه سيقنعها :
– لن تضجري .. هيأت لك موقداً أنت حطبه .
لفظت هذه الجملة وأنا أبتسم ، فوحدي كنت أعرف ما أعنيه .
لكنني واصلت بنبرة أخري :
– كيف تقاومين هذا المطر بمفردك ؟ نحن في باريس ، إن لم
يهزمك الحنين إلّي ستهزمك النشرة الجوية ، إلا إذا كنت أحضرت
في حقائب سفرك من يتكفل بتدفئتك !
غرقت لأول مرة في صمت طويل .
لاحظت في صوتها نبرة حزن لم اعهدها منها .. ثّم تمتمت كأنها
تحادث نفسها :
– سامحك الله ..
ولم تضف شيئاً .
شعرت بحزن من أساء إلي الفراشات ، ولم أجد سبباً لشراستي
معها . ربّما لفرط حبّي لها . ربّما لإدراكي بامتلاكي المؤقت لها . لم
أستطع أن أكون إلا علي ذلك القدر من العنف ألعشقي .
قلت معتذراً :
– سامحيني لم أكن أقصد إيلامك .
قالت بعد صمت :
– يؤلمني أنك مازلت لا تعي كم أنا جاهزة لأدفع مقابل لقاء
معك . عيون زوجي مبثوثة في كل مكان .. وأنا أجلس إليك في
مقهى غير معنية إن مت بسببك في حادث حب . أنا التي إن لم أمت
بعد ، فلكوني عدلت عن الحب وتخليت عن الكتابة . الشبهتان
اللتان لم يغفرهما لي زوجي .
أمسكت بيدها قصد تقبيلها ، بدا لي خاتم الزواج ، أعدت
وضعها وأخذت الأخرى . طبعت قبلة طويلة عليها وتمتمت كما
لنفسي :
– حبيبتي ..
سألتها وأنا أرفع شفتي عن يدها :
– كيف سمح لك أن تسافري من دونه ؟
قالت :
– جئت مع والدتي بذريعة أن أراجع طبيباً مختصاً في العقم
النسائي . نحن هنا لنلتقي بأخي ناصر . حضر من ألمانيا خصيصاً
ليرانا . أخاف أن تموت أمي بدون أن تراه .. أصبحت هذه الفكرة
ذعري الدائم ، هرول العمر بها سريعاً منذ غيابه .
قلت وأنا ممسك بيدها :
– كم تمنيت أن ألتقي بوالدتك . كثيراً ما شعرت أنها أمي . لا
بسبب يتمي فحسب ، بل لأحاسيسي المتداخلة المتقاطعة دوماً مع
جسدك . أحياناً أشعر أننا خرجنا من الرحم نفسه . وأحياناً أن
جسمك هو الذي لفظني إلي الحياة ومن حقي أن استوطنه . أعطيني
تصريحاً للإقامة فيه تسعة أشهر .. أطالب باللجوء العاطفي إلي
جسدك !
ابتسمت وعلا وجنتيها احمرار العذارى ، وارتبكت خصلات
شعرها حتى بدت كأنها صغيرتي .
كنت أحب جرأتها حيناً ، وحيناً حياءها . أحب تلك الأنوثة
المترفعة التي لايمكن أن تستبيحها عنوة إلا بإذن عشقي .
قالت وهي ترفع خصلة شعرها ببطء :
– معك أريد حملاً أبدياً .
أجبت مازحاً :
– لن أستطيع إذن أن أستو لدك طفلة جميلة مثلك . أتدرين
خسارة ألا تتكرري في أنثي أخري ؟ ستتضائل كمية ألأنوثة في
العالم !
– بل أدري خسارة أن أتحسس بطني بحثاً عنك كل مرة ، ولا
أفهم ألا تكون تسربت إلي . لابد أن تكون أمرآة لتدرك فجيعة بطن
لم يحبل ممن أحب . وحدها المرآة تدرك ذلك .
سألتها بعد صمت .
– حياة ، هل أحببتني ؟
– لن أجيبك . أري في سؤالك استخفافاً بي ، وفي جوابي عنه
استخفافاً بك . كل المشاعر التي تستنجد بالبوح هي مشاعر نصف
كاذبة . إن خدش حميمية الآخر لا تتأتي إلا بالتعري الدميم للبوح .
هذا كلام تعلمته منك في ذلك الزمن البعيد أيام كنت أستجدي
منك اعترافاً بحبي فتجيب : (( أي طبق شهي للبوح لا يخلو من توابل
الرياء . وحده الصمت هو ذلك الشيء العاري الذي يخلو من
الكذب . ))
قلت مندهشاً :
– متي حفظت كل هذا ؟
– في تلك الأيام التي عشتها عند أقدام أريكتك ، بصبر قطة ،
ألعق صحن الانبهار كل ما تتفوه به .
قلت مازحاً :
– وعندما كانت تشبع تلك القطة ، تحولني إلي كرة صوفية تلعب
بها حيناً وأحيانا أخري تنتف بمخالبها خيوطها . كم غرست مخالب
ساديتك في طيبوبتي .. ثم لعقت جراحي إمعاناً في إيلامي .
ضحكنا بتؤاطو الزمن الجميل . وعندما رايتها تنظر إلي ساعتها
معلنة تأخرها ، قلت :
– أريد أن أراك .. لابد أن تتدبري لنا موعداً .
– لا اظنني أستطيع التحايل علي ناصر وآماً معاً . سيلحق بي
أحدهما حتماً حيث أذهب .
قلت ضاحكاً :
– ولماذا أنت روائية إذن ؟

ارجو ان تعجبكم

المفكر مالك بن نبي -الجزائر


سيرة المفكر الجزائري مالك بن نبي
حياته
ولد في مدينة قسنطينة في الشرق الجزائري سنة 1905 م ، في أسرة فقيرة بين مجتمع جزائري محافظ تخرج بعد سنوات الدراسة الأربع، في مدرسته التي اعتبرها "سجناً يعلّم فيه كتابة "صك زواج أو طلاق" وتخرج سنة 1925م.

سافر بعدها مع أحد أصدقائه إلى فرنسا حيث كانت له تجربة فاشلة فعاد مجددا إلى مسقط رأسه. وبعد العودة تبدأ تجارب جديدة في الاهتداء إلى عمل، كان أهمها، عمله في محكمة (آفلو) حيث وصل في (مارس 1927م)، احتك أثناء هذه الفترة بالفئات البسيطة من الشعب فبدأ عقله يتفتح على حالة بلاده.

ثم أعاد الكرة سنة 1930م و لكن هذه كانت رحلة علمية. حاول أولا الإلتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، إلا أنه لم يكن يسمح للجزائريين أمثاله بمزاولة مثل هذه الدراسات. تركت هذه الممارسات تأثيرا في نفسه. فاضطّر للتعديل في أهدافه وغاياته، فالتحق بمدرسة (اللاسلكي) للتخرج كمساعد مهندس، ممّا يجعل موضوعه تقنياً خالصاً، بطابعه العلمي الصرف، على العكس من المجال القضائي والسياسي.

ثم انغمس في الدراسة، وفي الحياة الفكرية، كما تزوج فرنسية واختار الإقامة في فرنسا وشرع يؤلف، في قضايا العالم الإسلامي كله، فكان سنة 1946 كتابه "الظاهرة القرآنية" ثم "شروط النهضة" 1948 الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار و"وجهة العالم الإسلامي" 1954،أما كتابه " مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي" فيعتبر من أهم ماكتب بالعربية في القرن العشرين .‏

انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954م وهناك حظي باحترام، فكتب "فكرة الإفريقية الآسيوية" 1956. وتشرع أعماله الجادة تتوالى، وبعد استقلال (الجزائر) عاد إلى الوطن، فعين مديراً للتعليم العالي الذي كان محصوراً في (جامعة الجزائر) المركزية، حتى استقال سنة‏ 1967 متفرغاً للكتابة، بادئاً هذه المرحلة بكتابة مذكراته، بعنوان عام"مذكرات شاهد القرن".

مذكرات شاهد القرن
صورة عن نضال (مالك بن نبي) الشخصي في طلب العلم والمعرفة أولاً، والبحث في أسباب الهيمنة الأوروبية ونتائجها السلبية المختلفة وسياسة الاحتلال الفرنسي في الجزائر وآثاره، ممّا عكس صورة حية لسلوك المحتلين الفرنسيين أنفسهم في (الجزائر) ونتائج سياستهم، ووجوهها وآثارها المختلفة: الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعي.

لكن مذكراته ممّا عبر بشكل قوي عن صلته بوطنه، وآثار الاستعمار والدمار الذي أحدثه في (الجزائر) سياسياً، وزراعياً، واقتصادياً، وثقافياً، واجتماعياً، فهو شاهد على حقبة مظلمة في تاريخ الجزائر وظروف مواجهة الفعل الاستعماري العنصري، فكانت الشهادة قوية زاخرة، وستبقى من المناجم الثرية للباحثين في أكثر من مجال من مجالات الحياة المختلفة، وفي مقدمتها المجال الاجتماعي والثقافي والسياسي أولاً وأخيراً، حيث يسجل لنا مالك مواقف مختلفة في مسار الحركة الوطنية نفسها، مما خدم القضية الوطنية في (الجزائر) ومما خذلها منذ أصيب المجتمع بمرض (الكلام) بتعبير (مالك بن نبي) نفسه، بعد إخفاق (المؤتمر الإسلامي الجزائري) سنة (1936) إلى (باريس) في الحصول على مطالبه "ولا يستطيع أحد تقييم ما تكبدنا من خسائر جوهرية منذ استولى علينا مرض الكلام، منذ أصبح المجتمع سفينة تائهة بعد إخفاق البيالمؤتمر" المؤتمر ذلك المشروع الذي قضى نحبه "في الرؤوس المثقفة: مطربشة كانت أم معممة" فكان ذلك عبرة للحركة الوطنية التي فصلت الخطاب فيها ثورة نوفمبر (1954-1962)، في ليل اللغط الحزبي البهيم؛ فكانت هذه الثورة (جهينة الجزائر) التي قادت إلى استقلال مضرج بالدماء والدموع، وسرعان ما عمل العملاء والانتهازيون والوصوليون على اغتصابه، وتهميش الشرفاء الأطهار من صانعيه، وفي مقدمة هؤلاء الشرفاء رجال الفكر والرأي ومنهم (مالك بن نبي) الذي قضى يوم (31/10/1973)، في صمت معدماً، محاصراً منسياً، وهي سبة عار في جبين أولئك الديماغوجيين ومنهم (أشباه المجاهدين) الذين باعوا الوطن ـ مقايضة ـ على (طبق من ذهب) لعملاء الاستعمار، وبيادقه، وأحفاده انتماء، وهوى؛ ليمرغوا سمعته في الأوحال العفنة.

وفاته
توفي يوم 31 أكتوبر 1973م، مخلفا وراءه مجموعة من الأفكار القيمة و المؤلفات النادرة، رحمه الله.

مؤلفاته
تحلَّى مالك ابن نبيّ بثقافة منهجيَّة، استطاع بواسطتها أن يضع يده على أهم قضايا العالم المتخلِّف، فألف سلسلة كتب تحت عنوان " مشكلات الحضارة" بدأها بباريس ثم تتابعت حلقاتها في مصر فالجزائر، وهي ( مرتبة ترتيبا هجائيا):

1- بين الرشاد والتيه 1972.
2- تأملات 1961.
3- دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين (محاضرة ألقيت في 1972).
4- شروط النهضة 1948.
5- الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة 1959.
6- الظاهرة القرآنية 1946.
7- الفكرة الإفريقية الآسيوية 1956.
8- فكرة كومنولث إسلامي 1958.
9- في مهبِّ المعركة 1962.
10- القضايا الكبرى.
11- مذكرات شاهد للقرن _الطفل 1965.
– مذكرات شاهد للقرن _الطالب 1970.
12- المسلم في عالم الإقتصاد 1972.
13- مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي 1970.
14- مشكلة الثقافة 1958.
15- من أجل التغيير.
16- ميلاد مجتمع.
17- وجهة العالم الإسلامي 1954.
كما له أيضا:

" آفاق جزائرية" 1964.
" لبيك" 1947.
"النجدة…الشعب الجزائري يباد" 1957.
"حديث في البناء الجديد" 1960 ( ألحق بكتاب تأملات).
"إنتاج المستشرقين " 1968.
" الإسلام والديمقراطية" 1968.
" معنى المرحلة"