قال الشيخ العلامة أحد رموز السنة في هذا العصر نسأل الله أن يحفظه وأن يحفظ إخوانه من أئمة المسلمين وأن يجزيه عنا خير الجزاء وهو شيخنا الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله تعالى ووفقه لكل خير (كما وصفه شيخنا أبو محمد عبد الخالق ماضي). قال في تعليقه على كتاب _قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام إبن تيمية _
زيارة القبور مشروعة وكان رسول الله قد نهى عنها من باب سد الذرائع؛ لأن الأمم السابقة فتنت بقبور أنبيائها وصالحيها حتى أوقعهم الشيطان كرات ومرات في هوة الشرك بهم واتخاذهم أنداداً مع الله، وأول فتنة من فتن الشرك وقعت لقوم نوح إذ تعلقت قلوبهم بود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وهم رجال صالحون فجعلوهم أنداداً مع الله.
من أجل ذلك وأمثاله نهى رسول الله أولاً عن زيارة القبور، ولما رسخت عقيدة التوحيد في قلوب أصحابه الكرام وأمن عليهم الفتنة رخص لهم في زيارتها، وبين لهم الغاية من زيارتها وهي أنها تذكرهم الآخرة، هذه واحدة، والأخرى ليستفيد الأموات من دعاء إخوتهم الأحياء.
وإذا كان الأمر كذلك، والهدف الأول وهو تذكرة الآخرة، أمر يتحقق بزيارة القبور القريبة والمجاورة، حتى ولو كانت قبور قوم مشركين اكتفى الشارع الحكيم بالحد الأدني الذي يحقق الغرض الشرعي مع تحفظات كثيرة تسد ذرائع الفتنة والشرك: منها أن لا يقولوا هجراً، ومنها أن لا تتخذ مساجد، ومنها أن لا يبنى عليها، ولا تجصص، ولا يصلى عليها ولا إليها، اكتفى بالحد الأدنى مع هذه الاحتياطات والتحفظات. ولم يشرع أبداً السفر إليها وشد الرحال إليها، لا بقوله ولا بفعله.
وآية ذلك: أن هذا الأمر لم ينزل فيه قرآن، ولم يثبت فيه حديث من قول رسول الله أو فعله، فلو كان مشروعاً لتحقق فيه كل ذلك ولسن لنا رسول الله ذلك برحلات ورحلات إلى قبور الأنبياء والصالحين. ولملئت الدواوين برحلات الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان، ونحن نجد دواوين الإسلام من صحاح وسنن ومسانيد وكتب فقه السلف الصالح قد سجلت كل حقوق الأموات من عيادتهم وهم مرضى إلى غسلهم وتحنيطهم وتشييعهم ودفنهم وزيارتهم والاستغفار لهم والدعاء لهم والنهي عن الجلوس على قبورهم، ومن جهة أخرى لحماية عقيدة الأحياء من المسلمين نهي عن البناء على قبور الأموات بأي شكل وبأي صورة لا مساجد ولا مطلق بناء ولا بتجصيص.
كل هذا قد طفحت به دواوين الإسلام التي نوهنا عنها، خالية خلواً كاملاً من حديث نبوي صحيح أو حسن، ومن أقوال الصحابة والقرون المفضلة، ومن أقوال أئمة الهدى من شيء له تعلق بقضية السفر إلى القبور، فهذا الإمام مالك لا تجد له كلمة في موطأه تشير إلى السفر وشد الرحال إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إلى قبر غيره، وهذه كتب تلاميذه التي دونوا فيها فقه هذا الإمام لا نجد فيها باباً ولا فصلاً ولا حديثاً يحث المسلمين على شد الرحال والسفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء والصالحين.
وهذا الإمام الشافعي يدون فقهه العظيم في الأم وغيرها، فلم يعقد باباً ولا فصلاً، ولم يذكر حديثاً واحداً بشأن السفر إلى قبور الأنبياء. وهذا الإمام أحمد بن حنبل وهذا مسنده العظيم ومسائله التي دونت في كتب لا تجد لهذه المسألة فيها أثراً ولا خبراً.
وهذان الصحيحان، وبقية الأمهات الست وأخواتها من دواوين الإسلام المعتبرة، خلت خلواً كاملاً عن قضية شد الرحال والسفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى قبور غيره من الأنبياء.
وهذه كتب أبي حنيفة وأصحابه أبي يوسف ومحمد نبحث فيها، فلا نجد فيها ذكراً لهذه المسألة.
فما هو السر إذن في عمل هؤلاء الصحابة والتابعين والأئمة من الفقهاء والمحدثين؟ ويجب أن يقف جميع العقلاء متسائلين: هل ينقصهم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل كان هناك مادة خصبة وأحاديث وآثار ثرة أهملوها بل كتموها ودفنوها كما فعلوا بوصية علي في نظر الباطنية وغلاة الرفض؟ إن المنتسبين إلى السنة على اختلاف اتجاهاتهم بحمد الله لا يظنون بسفلهم هذا الظن السيء، ولكنها الغفلة ودغدغة شياطين الإنس والجن لعواطف الحب العمياء التي لا تميز بين حق وباطل، وبين جفاء وإفراط وإطراء، إنه ليس بأيدي المتحمسين لهذه المسألة مسألة شد الرحال إلى القبور التي يبالغون فيها وقد يكفرون من يخالفهم إلا غثاء وسرابٌ من الأحاديث الباطلة لا يدعمها كتاب ولا سنة، ولا قول صحابي ولا إمام من أئمة الإسلام.
إنا نقول لهؤلاء ما نقتبسه من قول الله: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة}. نقول لكم: قوموا مثنى وفرادى وجماعات، وشكلوا لجانا واعقدوا مؤتمرات وفكروا في كل ذلك وقلبوه بطنا لظهر، لماذا أهمل سلفكم الصالح وأقصد بهم القرون المفضلة هذه القضية المهمة؟ ولماذا لم يحتفوا بها ويسجلوها في دواوينهم الفقهية والحديثية والعقائدية؟ هل أصابتهم جنة أو جفاء أو أن القضية لا أساس لها؟ لعل احترامكم لسادة هذه الأمة وسلفها الصالح وحسن ظنكم بهم يدفعانكم إلى الاعتراف بالحقيقة.
والواقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ولم يأمر بشيء من هذا، بل عمل عكس هذا تماماً من الاحتياطات والتحفظات التي ذكرناها، وما أروعها وأنصفها وأوضحها وأكثرها وأبركها على الأمة! ونختم هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيداً". وفعل أصحابه
تنفيذاً لهذا التوجيه السديد وأمثاله؛ حيث دفنوه في حجرته خشية أن يتخذ قبره مسجداً، كما قالته عائشة ورواه الشيخان وغيرهما. وما كانوا يأتون قبره، كما روى ذلك عبد الرزاق عن معمر عن عبيد الله بن عمر العمري الإمام.
وفق الله الأمة للعودة إلى الإسلام الحق وإلى اتباع نبيها وسلفها الصالح.
نقلا من كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 188_189_190_191)دار الإمام أحمد
زيارة القبور مشروعة وكان رسول الله قد نهى عنها من باب سد الذرائع؛ لأن الأمم السابقة فتنت بقبور أنبيائها وصالحيها حتى أوقعهم الشيطان كرات ومرات في هوة الشرك بهم واتخاذهم أنداداً مع الله، وأول فتنة من فتن الشرك وقعت لقوم نوح إذ تعلقت قلوبهم بود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وهم رجال صالحون فجعلوهم أنداداً مع الله.
من أجل ذلك وأمثاله نهى رسول الله أولاً عن زيارة القبور، ولما رسخت عقيدة التوحيد في قلوب أصحابه الكرام وأمن عليهم الفتنة رخص لهم في زيارتها، وبين لهم الغاية من زيارتها وهي أنها تذكرهم الآخرة، هذه واحدة، والأخرى ليستفيد الأموات من دعاء إخوتهم الأحياء.
وإذا كان الأمر كذلك، والهدف الأول وهو تذكرة الآخرة، أمر يتحقق بزيارة القبور القريبة والمجاورة، حتى ولو كانت قبور قوم مشركين اكتفى الشارع الحكيم بالحد الأدني الذي يحقق الغرض الشرعي مع تحفظات كثيرة تسد ذرائع الفتنة والشرك: منها أن لا يقولوا هجراً، ومنها أن لا تتخذ مساجد، ومنها أن لا يبنى عليها، ولا تجصص، ولا يصلى عليها ولا إليها، اكتفى بالحد الأدنى مع هذه الاحتياطات والتحفظات. ولم يشرع أبداً السفر إليها وشد الرحال إليها، لا بقوله ولا بفعله.
وآية ذلك: أن هذا الأمر لم ينزل فيه قرآن، ولم يثبت فيه حديث من قول رسول الله أو فعله، فلو كان مشروعاً لتحقق فيه كل ذلك ولسن لنا رسول الله ذلك برحلات ورحلات إلى قبور الأنبياء والصالحين. ولملئت الدواوين برحلات الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان، ونحن نجد دواوين الإسلام من صحاح وسنن ومسانيد وكتب فقه السلف الصالح قد سجلت كل حقوق الأموات من عيادتهم وهم مرضى إلى غسلهم وتحنيطهم وتشييعهم ودفنهم وزيارتهم والاستغفار لهم والدعاء لهم والنهي عن الجلوس على قبورهم، ومن جهة أخرى لحماية عقيدة الأحياء من المسلمين نهي عن البناء على قبور الأموات بأي شكل وبأي صورة لا مساجد ولا مطلق بناء ولا بتجصيص.
كل هذا قد طفحت به دواوين الإسلام التي نوهنا عنها، خالية خلواً كاملاً من حديث نبوي صحيح أو حسن، ومن أقوال الصحابة والقرون المفضلة، ومن أقوال أئمة الهدى من شيء له تعلق بقضية السفر إلى القبور، فهذا الإمام مالك لا تجد له كلمة في موطأه تشير إلى السفر وشد الرحال إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إلى قبر غيره، وهذه كتب تلاميذه التي دونوا فيها فقه هذا الإمام لا نجد فيها باباً ولا فصلاً ولا حديثاً يحث المسلمين على شد الرحال والسفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء والصالحين.
وهذا الإمام الشافعي يدون فقهه العظيم في الأم وغيرها، فلم يعقد باباً ولا فصلاً، ولم يذكر حديثاً واحداً بشأن السفر إلى قبور الأنبياء. وهذا الإمام أحمد بن حنبل وهذا مسنده العظيم ومسائله التي دونت في كتب لا تجد لهذه المسألة فيها أثراً ولا خبراً.
وهذان الصحيحان، وبقية الأمهات الست وأخواتها من دواوين الإسلام المعتبرة، خلت خلواً كاملاً عن قضية شد الرحال والسفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى قبور غيره من الأنبياء.
وهذه كتب أبي حنيفة وأصحابه أبي يوسف ومحمد نبحث فيها، فلا نجد فيها ذكراً لهذه المسألة.
فما هو السر إذن في عمل هؤلاء الصحابة والتابعين والأئمة من الفقهاء والمحدثين؟ ويجب أن يقف جميع العقلاء متسائلين: هل ينقصهم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل كان هناك مادة خصبة وأحاديث وآثار ثرة أهملوها بل كتموها ودفنوها كما فعلوا بوصية علي في نظر الباطنية وغلاة الرفض؟ إن المنتسبين إلى السنة على اختلاف اتجاهاتهم بحمد الله لا يظنون بسفلهم هذا الظن السيء، ولكنها الغفلة ودغدغة شياطين الإنس والجن لعواطف الحب العمياء التي لا تميز بين حق وباطل، وبين جفاء وإفراط وإطراء، إنه ليس بأيدي المتحمسين لهذه المسألة مسألة شد الرحال إلى القبور التي يبالغون فيها وقد يكفرون من يخالفهم إلا غثاء وسرابٌ من الأحاديث الباطلة لا يدعمها كتاب ولا سنة، ولا قول صحابي ولا إمام من أئمة الإسلام.
إنا نقول لهؤلاء ما نقتبسه من قول الله: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة}. نقول لكم: قوموا مثنى وفرادى وجماعات، وشكلوا لجانا واعقدوا مؤتمرات وفكروا في كل ذلك وقلبوه بطنا لظهر، لماذا أهمل سلفكم الصالح وأقصد بهم القرون المفضلة هذه القضية المهمة؟ ولماذا لم يحتفوا بها ويسجلوها في دواوينهم الفقهية والحديثية والعقائدية؟ هل أصابتهم جنة أو جفاء أو أن القضية لا أساس لها؟ لعل احترامكم لسادة هذه الأمة وسلفها الصالح وحسن ظنكم بهم يدفعانكم إلى الاعتراف بالحقيقة.
والواقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ولم يأمر بشيء من هذا، بل عمل عكس هذا تماماً من الاحتياطات والتحفظات التي ذكرناها، وما أروعها وأنصفها وأوضحها وأكثرها وأبركها على الأمة! ونختم هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيداً". وفعل أصحابه
تنفيذاً لهذا التوجيه السديد وأمثاله؛ حيث دفنوه في حجرته خشية أن يتخذ قبره مسجداً، كما قالته عائشة ورواه الشيخان وغيرهما. وما كانوا يأتون قبره، كما روى ذلك عبد الرزاق عن معمر عن عبيد الله بن عمر العمري الإمام.
وفق الله الأمة للعودة إلى الإسلام الحق وإلى اتباع نبيها وسلفها الصالح.
نقلا من كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 188_189_190_191)دار الإمام أحمد