وقد جمعت بين التحرير والتأصيل في كلام لاحشو فيه ولا خروج عن المقصود..
مدة الدورة:
الدورة في ساعة ونصف.
المحتوى:
تمت صياغة المحتوى في 80 سؤالا استوعبت كل مهمات هذه العبادة الجليلة..وقد أجاب عليها أحد أعلام الفقه في هذا العصر بأسلوب سهل جمع بين التحرير والتأصيل.
مواد الدورة:
1- مادة صوتية مدتها ساعة ونصف.
2- مادة مقروءة في 30 صفحة.
فكرة وإعداد الدورة:
الدورة قائمة على برنامج إذاعي قامت فكرته على السؤال والجواب في فقه العبادات.وقد تولى الإجابة على الأسئلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله.وقد أفردت من فقه العبادات المادة الصوتية والمقروءة المتعلقة بفقه الصيام.وهي التي أرفقت في هذه الدورة.
كيف تستفيد من الدورة:
1- للحصول على أكبر فائدة يُنصح بسماع الملف الصوتي مع القراءة في ملف (الوورد) واختيار الفوائد والمسائل التي تهتم بها.
2- لمن يود الاقتصار على الملف الصوتي هناك نقص في المادة الصوتية يُعوض بقراءة السؤال(66) ومابعده وهذا النقص في المادة الصوتية يوازي (4) صفحات تقريبا من المادة المقروءة.
المادة الصوتية حملها أو اسمعها بالصيغة التي تناسبك من هنا
المقصود بالصيام لغة وشرعاً
السؤال (1): فضيلة الشيخ ، ما المقصود بالصيام لغة وشرعاً؟
الجواب : الصيام في اللغة: معناه الإمساك ، ومنه قوله تعالى : ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً)(مريم: 26) أي نذرت إمساكاً للكلام فلن أكلم اليوم إنسياً .
ومنه قول الشاعر :
أما في الشرع : فهو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس .
السؤال (2): فضيلة الشيخ ، ما هي أقسام الصيام ؟
الجواب : ينقسم الصيام إلى قسمين:
قسم مفروض: والمفروض قد يكون بسبب كصيام الكفارات ، والنذور ، وقد يكون بغير سبب كصيام رمضان، فإنه واجب بأصل الشرع، أي : بغير سبب من المكلف.
وأما غير المفروض : فقد يكون معيناً ، وقد يكون مطلقاً .
فمثال المعين : صوم يوم الاثنين والخميس .
ومثال المطلق : صيام أي يوم من أيام السنة، إلا أنه قد ورد النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم، فلا يصام يوم الجمعة إلا أن يصام يوم قبله أو يوم بعده. كما ورد في النهي عن صيام يومي العيدين الفطر والنحر، وكذلك عن صيام أيام التشريق ، إلا لمن لم يجد الهدي للقارن والمتمتع ، فإنه يصوم أيام التشريق عن الأيام الثلاثة التي في الحج.
السؤال (3): فضيلة الشيخ ، ما حكم صيام شهر رمضان؟
الجواب : صيام شهر رمضان فرض بنص الكتاب والسنة ، وإجماع المسلمين ، قال الله تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (183) إلى قوله : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة:183-185) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام"(149). وقال عليه الصلاة والسلام : " إذا رأيتموه فصوموا"(150).
وأجمع المسلمون على أن صيام رمضان فرض ، وأنه أحد أركان الإسلام ، فمن أنكر فرضيته كفر ، إلا أن يكون ناشئاً في بلاد بعيدة لا تعرف فيها أحكام الإسلام ، فيعذر بذلك ، ثم إن أصر بعد إقامة الحجة عليه كفر.
ومن تركه تهاوناً مع الإقرار بفرضيته فهو على خطر ، فإن بعض أهل العلم يرى أنه كافر مرتد ، ولكن الراجح أنه ليس بكفار مرتد ، بل هو فاسق من الفساق لكنه على خطر عظيم.
السؤال (4): فضيلة الشيخ ، ما هي مكانة الصيام في الدين ، وفضله في العبادة وخاصة في شهر رمضان ؟
الجواب : مكانة الصيام في الإسلام أنه أحد أركانه العظيمة التي لا يقوم إلا بها ، ولا يتم إلا بها ، وأما فضله في الإسلام فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(151).
السؤال (5): فضيلة الشيخ ، ما حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟
الجواب : الفطر في نهار رمضان دون عذر من أكبر الكبائر ، ويكون به الإنسان فاسقاً ، ويجب عليه أن يتوب إلى الله ، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره ، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر، فعليه أن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض ، فيلزمه قضاؤه كاملاً ، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر الراجح أنه لا يلزمه القضاء، لأنه لن يستفيد منه شيئاً ، لأنه لن يقبل منه ، فإن القاعدة: أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين، فإنها إذا أخرت عن ذلك اليوم المعين بلا عذر لن تقبل من صاحبها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(152) ، ولأنه من تعدي حدود الله عز وجل ، وتعدي حدود الله تعالى ظلم ، والظالم لا يقبل منه ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(البقرة: 229) ، ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها أي : فعلها قبل دخول الوقت لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لن تقبل منه إلا أن يكون معذوراً .
السؤال (6): فضيلة الشيخ، بماذا يثبت شهر رمضان؟
الجواب : يثبت دخول شهر رمضان إما برؤية هلاله ، وإما بإكمال شعبان ثلاثين يوماً ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين "(153) .
السؤال (7): فضيلة الشيخ ، ما حكم من رأى الهلال وحده ولم يصم معه الناس؟
الجواب : من رأى الهلال وحده يجب عليه أن يبلغ به المحكمة الشرعية ويشهد به ، ويثبت دخول شهر رمضان بشهادة الواحد إذا ارتضاه القاضي وحكم بشهادته، فإن ردت شهادته فقد قال بعض العلماء : إنه يلزمه أن يصوم ، لأنه تيقن أنه رأى الهلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرؤيته"(154) وهذا قد رآه.
وقال بعض أهل العلم: لا يلزم أن يصوم ، لأن الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس ، وموافقته للجماعة خير من انفراده وشذوذه ، وفصل آخرون فقالوا : يلزمه الصوم سرا ، فيلزمه الصوم ، لأنه رأى الهلال ، ويكون سراً لئلا يظهر مخالفة الجماعة.
السؤال (8): فضيلة الشيخ ، ما هي أركان الصيام؟
الجواب : الصيام له ركن واحد ، فهو التعبد لله عز وجل بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، والمراد بالفجر هنا الفجر الثاني دون الفجر الأول ، فيتميز الفجر الثاني عن الفجر الأول بثلاث ميزات:
الأولى : أن الفجر الثاني يكون معترضاً في الأفق ، والفجر الأول يكون مستطيلاً ، أي ممتداً من المشرق إلى المغرب ، أما الفجر الثاني فهو من الشمال إلى الجنوب.
الميزة الثانية : أن الفجر الثاني لا ظلمة بعده ، بل يستمر النور في ازدياد حتى تطلع الشمس ، وأما الفجر الأول فيظلم بعد أن يكون له شعاع.
الميزة الثالثة: أن الفجر الثاني متصل غيابه بالأفق ، وأما الفجر الأول فبينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول ليس له حكم في الشرع ، فلا تحل به صلاة الفجر ولا يحل به الطعام على الصائم بخلاف الفجر الثاني.
السؤال (9): فضيلة الشيخ ، على من يجب الصيام؟
الجواب : الصيام يجب أداءً على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خال من الموانع ، فهذه ستة أوصاف ، مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خال من الموانع ، فأما الكافر فلا يجب عليه الصوم ولا غيره من العبادات ، ومعنى قولنا : لا يجب عليه الصوم أنه لا يلزم به حال كفره، ولا يلزمه قضاؤه بعد إسلامه ، لأن الكافر لا تقبل منه العبادة حال كفره ، لقوله تعالى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ )(التوبة: 54) .
ولا يلزمه قضاء العبادة إذا أسلم، لقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ )(الأنفال: 38) ، لكنه يعاقب على ما تركه من واجبات حال كفره ، لقوله تعالى عن أصحاب اليمين وهم يتساءلون عن المجرمين: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (42) (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (43) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (44) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (45) (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (46) (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (المدثر:42-47) .
فذكره ترك الصلاة وإطعام المسكين من أسباب دخولهم النار، يدل على أن لذلك تأثيراً في دخولهم النار ، بل إن الكافر يعاقب على كل ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس ، لقول الله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة:39) ، فنفي الجناح عن المؤمنين فيما طعموا يدل على ثبوت الجناح على غير المؤمنين فيما طعموا ، ولقوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (الأعراف:32) .
فقوله : (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يدل على أن الحكم في غير المؤمنين يختلف عن الحكم في المؤمنين ، ولكن إذا أسلم الكافر في أثناء رمضان لم يلزمه القضاء فيما سبق إسلامه، فإذا أسلم ليلة الخامس عشر مثلاً ، فالأيام الأربعة عشر لا يلزمه قضاؤها ، وإذا أسلم في أثناء اليوم لزمه الإمساك دون القضاء ، فإذا أسلم عند زوال الشمس مثلاً قلنا له : أمسك بقية يومك ولا يلزمك القضاء، فنأمره بالإمساك ، لأنه صار من أهل الوجوب ، ولا نأمره بالقضاء ، لأنه قام بما وجب عليه وهو الإمساك من حين أسلم ، ومن قام بما يجب عليه لم يكلف بإعادة العبادة مرة ثانية .
أما العقل فهو الوصف الثاني للوجوب ، العقل هو ما يحصل به الميز أي : التمييز بين الأشياء ، فإذا لم يكن الإنسان عاقلاً فإنه لا صوم عليه ، كما أنه لا يجب عليه شيء من العبادات سوى الزكاة ، ومن هذا النوع – أي ممن ليس له عقل – أن يبلغ الإنسان سناً يسقط معه التمييز ، وهو ما يعرف عند العامة بالهذرات ، فلا يلزم المهذري صوم ، ولا يلزم عنه إطعام ، لأنه ليس من أهل الوجوب.
أما الوصف الثالث فهو البلوغ، ويحصل البلوغ بواحد من أمور ثلاثة : إما أن يتم للإنسان خمس عشرة سنة، أو أن ينبت العانة ، وهي الشعر الخشن الذي يكون عند القبل، أو ينزل المني بلذة سواء كان ذلك باحتلام أو بيقظة ، وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض، فإذا حاضت المرأة بلغت ، وعلى هذا فمن تم له خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى فقد بلغ، ومن نبتت عانته ولو قبل خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى فقد بلغ ، ومن أنزل منياً بلذة من ذكر أو أنثى ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغ، ومن حاضت ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغت ، وربما تحيض المرأة وهي بنت عشر سنين ، وهنا يجب التنبه لهذه المسألة التي يغفل عنها كثير من الناس ، فإن بعض النساء تحيض مبكراً ولا تدري أنه يلزمها الصوم وغيره ومن العبادات التي تتوقف أو التي يتوقف وجوبها على البلوغ، لأن كثيراً من الناس يظنون أن البلوغ إنما يكون بتمام خمس عشرة سنة ، وهذا ظن لا أصل له ، فإذا لم يكن الإنسان بالغاً فإن الصوم لا يجب عليه.
ولكن ذكر أهل العلم أن الولي مأمور بأن يأمر موليه الصغير من ذكر أو أنثى بالصوم ليعتاده حتى يتمرن عليه ويسهل عليه إذا بلغ، وهذا ما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه ، فإنهم كانوا يصومون أولادهم الصغار حتى إن الواحد منهم ليبكي فيعطى لعبة من العهن يتلهى بها حتى تغرب الشمس(155) .
وأما الوصف الرابع فهو أن يكون الإنسان قادراً على الصوم ، أي يستطيع أن يصوم بلا مشقة ، فإن كان غير قادر فلا صوم عليه.
ولكن غير القادر ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول : أن يكون عجزه عن الصوم مستمراً دائماً كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه ، فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً ، فإذا كان الشهر ثلاثين يوماً أطعم ثلاثين مسكيناً ، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أطعم تسعة وعشرين مسكيناً ، وللإطعام كيفيتان:
الكيفية الأولى : أن يخرج حباً من أرز أو بر ، وقدره ربع صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، أي خمس صاع بالصاع المعروف هنا، ويساوي كيلوين وأربعين جراماً من بر جيد رزين ، يعني أنك إذا وزنت من البر الرزين الدجن ما يبلغ كيلوين وأربعين جراماً فإن هذا صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، والصاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد ،فيكفي لأربعة مساكين ، ويحسن في هذه الحال أن تجعل معه إذا دفعته للفقير شيئاً يؤدمه من لحم أو غيره حسب ما تقتضي به الحال والعرف.
وأما الكيفية الثانية للإطعام : فأن يصنع طعاماً يكفي لثلاثين فقيراً أو تسعة وعشرين فقيراً حسب الشهر ويدعوهم إليه كما ذكر ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر ، ولا يجوز أن يطعم شخصاً واحداً مقدار ما يكفي الثلاثين أو التسعة وعشرين ، يعني لابد أن يكون عن كل يوم مسكين.
أما القسم الثاني من الوصف الرابع فهو العجز الذي يرجى زواله ، فهو العجز الطارئ كمرض حدث على الإنسان في أيام الصوم ، وكان يشق عليه أن يصوم ، فنقول له : أفطر وأقض يوماً مكانه، لقول الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )(البقرة: 185) .
أما الوصف الخامس : أن يكون مقيماً ، وضده المسافر، فالمسافر وهو الذي فارق وطنه لا يلزمه الصوم ، لقول الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ولكن الأفضل أن يصوم إلا أن يشق عليه ، فالأفضل الفطر، لقول أبي الدرداء رضي الله عنه : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في يوم شديد الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبد الله بن رواحه(156) . أما إذا شق عليه الصوم فإنه يفطر ولابد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه أن الناس قد شق عليهم الصيام فأفطر ، ثم قيل له : إن بعض الناس قد صام فقال " أولئك العصاة ، أولئك العصاة"(157).
أما الوصف السادس: أن يكون خالياً من الموانع أي من موانع الوجوب، وهذا يختص بالمرأة ، فيشترط في وجوب الصوم عليها أداء ألا تكون حائضاً ولا نفساء ، فإن كانت حائضاً أو نفساء فإنه لا يجب الصوم ، وإنما تقتضي بدل الأيام التي أفطرت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم مقرراً ذلك " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم(158) فإذا حاضت المرأة فلا صوم عليها ، بل تقضي في أيام أخر ، وهنا مسألتنا ينبغي التفطن لهما:
المسألة الأولى : أن بعض النساء تطهر في آخر الليل وتعلم أنها طهرت ، ولكنها لا تصوم ذلك اليوم ظناً منها أنها إذا لم تغتسل فإنه لا يصح صومها ، وليس الأمر كذلك ، بل صومها يصح وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر.
وأما المسألة الثانية: فهي أن بعض النساء تكون صائمة فإذا غربت الشمس وأفطرت جاءها الحيض قبل أن تصلي المغرب ، فبعض النساء يقول : إنه إذا أتاها الحيض بعد الفطر وقبل صلاة المغرب فإن صومها ذاك النهار يفسد، وكذلك بعض النساء يبالغ أيضاً ويقول : إذا جاءها الحيض قبل صلاة العشاء فإن صومها ذلك اليوم يفسد، وكل هذا ليس بصحيح . المرأة إذا غابت الشمس وهي لم تر الحيض خارجاً فصومها صحيح ، حتى لو خرج بعد غروب الشمس بلحظة واحدة، فصومها صحيح.
هذه ست أوصاف إذا اجتمعت في الإنسان وجب عليه صوم رمضان أداء، ولا يحل له أن يفطر ، فإن تخلف واحد منها فعلى ما سمعت.
السؤال (10): فضيلة الشيخ، ما حكم صيام تارك الصلاة ؟
الجواب : تارك الصلاة صومه ليس بصحيح ولا يقبل منه، لأن تارك الصلاة كافر مرتد، لقوله تعالى : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) (التوبة:11) ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر؟(159)، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"(160) ، ولأن هذا قول عامة الصحابة إن لم يكن إجماعاً منهم.
قال عبد الله بن شقيق رحمه الله – وهو من التابعين المشهورين كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة . وعلى هذا فإذا صام الإنسان وهو لا يصلي فصومه مردود غير مقبول ولا نافع له عند الله يوم القيامة ، ونحن نقول له : صل ثم صم ، أما أن تصوم ولا تصلي فصومك مردود عليك ، لأن الكافر لا تقبل منه العبادة.
السؤال (11): فضيلة الشيخ، ما حكم من يصوم ويصلي إذا جاء رمضان لكن إذا انسلخ رمضان انسلخ من الصلاة الصيام؟
الجواب : الذي يتبين لي من الأدلة أن ترك الصلاة لا يكون كفراً إلا إذا كان تركاً مطلقاً ، وأما من يصلي ويخلي ، فيصلي بعض الأحيان ويترك بعض الأحيان ، الذي يبدو لي من الأدلة أنه لا يكفر بذلك ، لقوله : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها – أي الصلاة – فقد كفر"، ولقوله: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" ولكن هذا الرجل الذي لا يصلي ولا يصوم إلا في رمضان أنا في شك من إيمانه لأنه لو كان مؤمناً حقا لكان يصلي في رمضان وفي غيره أما كونه لا يعرف ربه إلا في رمضان فأنا أشك في إيمانه لكني لا أحكم بكفره بل أتوقف فيه وأمره إلى الله عز وجل.
السؤال (12): فضيلة الشيخ ، ما حكم من يصوم أياماً ويفطر أخرى؟
الجواب : جواب هذا السؤال يمكن أن يفهم مما سبق ، وهو أن هذا الذي يصوم يوماً ويدع يوماً لا يخرج من الإسلام ، بل يكون فاسقاً لتركه هذه الفريضة العظيمة التي هي أحد أركان الإسلام، ولا يقضي الأيام التي أفطرها ، لأن قضاءه إياها لا يفيد شيئاً، فإنه لا يصلي بناء على ما أشرنا إليه سابقاً من أن العبادة الموقتة إذا أخرها الإنسان عن وقتها المحدد بلا عذر فإنها لا تقبل منه.
السؤال (13): فضيلة الشيخ ، إذا كان الإنسان قد ترك أشهراً من رمضان بعد بلوغه ثم التزم الآن ، فهل يلزمه قضاء هذه الأشهر؟
الجواب : القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يلزمه قضاء هذه الأشهر التي تكرها بلا عذر ، بناء على ما سبق أن العبادة الموقتة إذا أخرها الإنسان عن وقتها المحدد لها شرعاً فإنها لا تقبل منه، فقضاؤه إياها لا يفيده شيئاً ، وقد ذكرنا فيما سبق دليل ذلك من الكتاب والسنة والقياس، وعلى هذا فإذا كان الإنسان في أول شبابه لا يصلي ولا يصوم ثم من الله عليه بالهداية وصلى وصام ، فإنه لا يلزمه قضاء ما فاته من صلاة وصيام ، وكذلك لو كان يصلي ويزكي ولكنه لا يصوم فمن الله عليه بالهداية وصار يصوم ، فإنه لا يلزمه قضاء ذلك الصوم بناء على ما سبق تقريره ، وهو أن العبادة الموقتة بوقت إذا أخرها الإنسان عن وقتها بلا عذر لم تقبل منه، وإذا لم تقبل منه لم يفده قضاؤه إياها شيئاً.
السؤال (14): فضيلة الشيخ ، ما هي الأعذار المبيحة للفطر في شهر رمضان المبارك ؟
الجواب : الأعذار المبيحة للفطر سبق الإشارة إلى بعضها وهو : المرض، والسفر ، ومن الأعذار أن تكون المرأة حاملاً تخاف على نفسها أو على جنينها، ومن الأعذار أيضاً أن تكون المرأة مرضعاً تخاف إذا صامت على نفسها أو على رضيعها، ومن الأعذار أيضاً أن يحتاج الإنسان إلى الفطر لإنقاذ معصوم من هلكلة مثل أن يجد غريقاً في البحر أو شخصاً بين أماكن محيطة به فيها نار، فيحتاج في إنقاذه إلى الفطر ، فله حينئذ أن يفطر ويمتدح ، ومن ذلك أيضاً إذا احتاج الإنسان إلى الفطر للتقوي على الجهاد في سبيل الله ، فإن ذلك من أسباب إباحة الفطر له ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة الفتح : " إنكم مصبحوا عدوكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا"(161) ، فإذا وجد السبب المبيح للفطر وأفطر الإنسان به ، فإنه لا يلزمه الإمساك بقية ذلك اليوم.
فإذا قدر أن شخصاً أفطر لإنقاذ معصوم من هلكة فإنه يستمر مفطراً ، لأنه أفطر بسبب يبيح له الفطر ، فلا يلزمه الإمساك حينئذ ، لكون حرمة ذلك اليوم قد زالت بالسبب المبيح للفطر.
ولهذا نقول : القول الراجح في هذه المسألة أن المريض لو برئ في أثناء النهار وكان مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك، ولو قدم المسافر أثناء النهار إلى بلده وكان مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك ، ولو طهرت الحائض في أثناء النهار فإنه لا يلزمها الإمساك ، لأن هؤلاء كلهم أفطروا بسبب مبيح للفطر ، فكان ذلك اليوم في حقهم لا حرمة له بإباحة الشرع الإفطار فيه ، فلا يلزمه الإمساك إذا زال السبب المبيح للفطر.
السؤال (15): فضيلة الشيخ ، لكن ما الفرق بين هذه الحالة لو جاء العلم بدخول رمضان في أثناء النهار؟
الجواب : الفرق بينهما ظاهر ، لأنه إذا قامت البينة في أثناء النهار فإنه يلزمه الإمساك، لأنه في أول النهار ، إنما أفطروا بالعذر، عذر الجهل ، ولهذا لو كان عالمين بأن هذا اليوم من رمضان لزمهم الإمساك، أما أولئك القوم الآخرون الذين أشرنا إليهم فهم يعلمون أنه من رمضان ، لكن الفطر مباح لهم ، بينهما فرق ظاهر.
السؤال (16): فضيلة الشيخ ، ما هي مفسدات الصوم؟ وهل لها شروط؟
الجواب : نعم مفسدات الصوم هي المفطرات ، وهي : الجماع ، والأكل والشرب، وإنزال المني بشهوة ، وما بمعنى الأكل والشرب، والقيء عمداً ، والحجامة ، وخروج دم الحيض والنفاس ، هذه ثمانية مفطرات.
أما الأكل والشرب والجماع: فدليلها قوله تعالى ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)(البقرة: 187) .
وأما إنزال المني بشهوة : فدليله قوله تعالى في الحديث القدسي: " يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"(162).وإنزال المني شهوة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال : " أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر"(163) والذي يوضع إنما هو المني الدافق ، ولهذا كان القول الراجح أن المذي لا يفسد الصوم حتى وإن كان بشهوة.
الخامس : ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهي الإبر المغذية التي يستغني بها عن الأكل والشرب ، لأن هذه وإن كانت ليست أكلاً ولا شرباً لكنها بمعنى الأكل والشرب حيث يستغنى بها عنه، وما كان بمعنى الشيء فله حكمه، ولذلك يتوقف بقاء الجسم على تناول هذه الإبر، بمعنى أن الجسم يبقى على هذه الإبر وإن كان لا يتغذى بغيرها ، أما الإبر التي لا تغذي ولا تقوم مقام الأكل والشرب ، فهذه لا تفطر سواء تناولها الإنسان في الوريد أو في العضلات أو في أي مكان في بدنه.
والسادس: القيء عمداً ، أي : أن يتقيأ الإنسان ما في بطنه حتى يخرج من فمه ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن الني صلى الله عليه وسلم قال : " من استقاء عمداً فليقض، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه"(164). والحكمة في ذلك أنه إذا تقيأ فرغ بطنه من الطعام ، واحتاج البدن إلى ما يرد عليه هذا الخلو ، ولهذا نقول : إذا كان الصوم فرضاً فإنه لا يجوز للإنسان أن يتقيأ، لأنه إذا تقيأ ضر نفسه وأفسد صومه الواجب.
وأما السابع : وهو خروج دم الحجامة ، فلقول النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم"(165).
وأما خروج دم الحيض والنفاس ، فلقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"(166)، وقد أجمع أهل العلم على أن الصوم لا يصح من الحائض ومثلها النفساء.
وهذه المفطرات وهي مفسدات الصوم لا تفسده إلا بشروط ثلاثة وهي : العلم ، والذكر ، والقصد، أي أن الصائم لا يفسد صومه بهذه المفسدات إلا بشروط ثلاثة:
أن يكون عالماً بالحكم الشرعي ، وعالماً بالوقت أي بالحال ، فإن كان جاهلاً بالحكم الشرعي أو بالوقت فصيامه صحيح ، لقول الله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة: 286)، فقال الله تعالى : " لقد فعلت"(167)، ولقوله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(الأحزاب: 5)، ولثبوت السنة في ذلك ، ففي الصحيح من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه(168)أنه صام فجعل تحت وسادته عقالين وهما الحبلان اللذان تشد بهما يد الجمل ، أحدهما أسود والثاني أبيض ، وجعل يأكل ويشرب حتى تبين له الأبيض من الأسود ثم أمسك ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ، فبين له النبي صلى الله عليه أنه ليس المراد بالخيط الأبيض والأسود في الآية الخيطين المعروفين ، وإنما المراد بالخيط الأبيض بياض النهار، وبالخيط الأسود الليل أي : سواده ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصوم ، لأنه كان جاهلاً بالحكم يظن أن هذا هو معنى الآية الكريمة.
وأما الجهل بالوقت فلحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ، وهو في البخاري(169)، قالت : أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به ، ولو أمرهم به لنقل إلى الأمة ، لقول الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) ، فلما لم ينقل مع توافر الدواعي على نقله ، علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم به ، ولما لم يأمرهم به – أي بالقضاء – علم أنه ليس بواجب ، وعلى هذا فلو قام الإنسان يظن أنه في الليل فأكل أو شرب ، ثم تبين له أن أكله وشربه كان بعد طلوع الفجر ، فإنه ليس عليه قضاء ، لأنه كان جاهلاً .
وأما الشرط الثاني : فهو أن يكون ذاكراً ، وضد الذكر النسيان ، فلو أكل أو شرب ناسياً فإن صومه صحيح ولا قضاء عليه لقول الله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة:286) ، فقال الله تعالى :"قد فعلت"(170) ، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه"(171).
وأما الشرط الثالث وهو القصد ، فهو أن يكون الإنسان مختاراً لفعل هذا المفطر ، فإن كان غير مختار فإن صومه صحيح ، سواء كان مكرهاً أم غير مكره، لقول الله تعالى في المكره على الكفر: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106) ، فإذا كان الحكم – حكم الكفر – يرتفع بالإكراه فما دونه من باب أولى ، وللحديث الذي يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(172)، وعلى هذا فلو طار إلى أنف الصائم غبار ووجد طعمه في حلقه ونزل إلى معدته فإنه لا يفطر بذلك ، لأنه لم يتقصده، وكذلك لو أكره على الفطر فأفطر دفعاً للإكراه فإن صومه صحيح، لأنه غير مختار ، كذلك لو احتلم وهو نائم ، فإن صومه صحيح ، لأن النائم لا قصد له ، وكذلك لو أكره الرجل زوجته وهي صائمة فجامعها فإن صومها صحيح ، لأنها غير مختارة، وهاهنا مسألة يجب التفطن لها ، وهي أن الرجل إذا أفطر بالجماع في نهار رمضان ، والصوم واجب عليه ، فإنه يلزم حقه أو يترتب على جماعة أمور:
الأول : إثم .
والثاني : القضاء.
والثالث : الكفارة.
ويلزمه الإمساك بقية يومه، ولا فرق بين أن يكون عالماً بما يجب عليه في هذا الجماع أو جاهلاً ، يعني أن الرجل إذا جامع في صيام رمضان والصوم واجب عليه ولكنه لا يدري أن الكفارة تجب عليه فإن الكفارة واجبة، لأنه تعمد المفسد ، وتعمده مفسد تستلزم ترتب الأحكام عليه ، بل في حديث أبي هريرة(173) أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت ، قال : " ما أهلكك؟" قال : وقعت على امرأتي في رمضان وأنام صائم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة مع أن الرجل لا يعلم عنها.
وفي قولنا : فالصوم واجب عليه ، احتراز مما إذا جامع الصائم في رمضان وهو مسافر مثلاً ، فإنه لا تلزمه الكفارة ، مثل أن يكون الرجل مسافراً بأهله في رمضان وهما صائمان ، ثم يجامع أهله ، فإنه ليس عليه كفارة ، وذلك لأن المسافر إذا شرع في الصيام لا يلزمه إتمامه ، إن شاء أفطر وقضى ، وإن شاء استمر.
السؤال (17): فضيلة الشيخ ، ما هو حكم صيام الصبي الذي لم يبلغ ؟
الجواب : صيام الصبي كما أسلفنا ليس بواجب عليه ، ولكن على ولي أمره أن يأمره به ليعتاده ، وهو – أي الصيام – في حق الصبي الذي لم يبلغ سُنة ، له أجر بالصوم، وليس عليه وزر إذا تركه.
السؤال (18): فضيلة الشيخ ، ما حكم صيام من يعقل زمناً ويجن زمناً آخر ، أو يعقل زمناً ويخرف ويهذري زمناً آخر؟
الجواب :الحكم يدور مع علته، ففي الأوقات التي يكون فيها صاحياً عاقلاً يجب عليه الصوم ، وفي الأوقات التي يكون فيها مجنوناً مهذرياً لا صوم عليه ، فلو فرض أنه يجن يوماً ويفيق يوماً ، أو يهذري يوماً ويصحو يوماً ، ففي اليوم الذي يصحو فيه يلزمه الصوم ، وفي الذي لا يصحو فيه لا يلزمه الصوم.
السؤال (19): فضيلة الشيخ ، لكن لو حدث له أثناء النهار أن كان عاقلاً ثم ذهب عقله؟
الجواب: إذا جن في أثناء النهار بطل صومه، لأنه صار من غير أهل العبادة، وكذلك إذا هذرى في أثناء اليوم فإنه لا يلزمه إمساكه، ولكنه يلزمه القضاء، وكذلك الذي جن في أثناء النهار يلزمه القضاء، لأنه في أول النهار كان من أهل الوجوب.
السؤال (20): فضيلة الشيخ ، ما حكم صيام يوم الشك خشية أنه من رمضان؟
الجواب : صيام يوم الشك أقرب الأقوال فيه أنه حرام ، لقول عمار بن ياسر : " من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"، ولأن الصائم في يوم الشك متعد لحدود الله عز وجل ، لأن حدود الله أن لا يصام رمضان إلا برؤيته أي برؤية هلاله ، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه"(174).
ثم إن الإنسان الذي تحت ولاية مسلمة يتبع ولايته ، فإذا ثبت عند ولي الأمر دخول الشهر فليصم تبعاً للمسلمين ، وإذا لم يثبت فلا يصم ، وقد سبق لنا في أول كتاب الصيام ما إذا رأى الإنسان وحده هلال رمضان هل يصوم أو لا يصوم؟