السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،
بسم الله.. والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين
أما بعد..
** النواقص البشرية..
قال تعالى في كتابه العزيز واصفا الإنسان وكيف جبله على عدة صفات.. فهي طبائع البشر ولا ينكرها أحدا.. وإلا وكان تكذيبا لأصدق الحديث.. هو كلام الله..
فمن هذه الصفات.. الضعف.. والهلع.. والجزع ..والمنع.. والقتر..والعجلة..والخصومة..والظلم .. وكفر النعم.. والجدل..والجهل..اليأس وغيرها من الصفات النقص للإنسان
قال تعالى {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا } ( النساء:28)
فقد قال تعالى {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } (الأنبياء:37)
{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَـزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } (هود:9)
{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } (إبراهيم:34)
{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا } ( الإسراء:100)
{ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا } (الكهف:54)
{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا } (الأحزاب:72)
{۞ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿19﴾ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴿20﴾ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿21﴾} (المعارج: 19-20-21)
[COLOR="DarkOrange"]وقفة..
[/COLOR]هل معنى ذلك أن على الإنسان الإتكال على تلك الصفات لأنها جبلّته البشرة؟؟
قبل الإجابة على هذا السؤال .. دعونا نرى واقع تلك الصفات في حياتنا..وكيف يكون الحال إذا ما إستسلم لها الإنسان..
مثلا إذا استسلم الإنسان لصفة الضعف.. واتكل عليها.. هل سينتج؟؟ هل سيجاهد؟؟ هل سيزيد في العبادات؟؟ .. فهل هذا مراد الآيات؟؟.. أن تَدمُر قدرات البشر ويتوكل الإنسان على غيره وربه؟؟
صفتان الهلع والجزع.. هل معنى ذلك أن كل من يصاب بمكروه يجزع ويهلع؟؟ ولا يرضى بقضاء الله.. فيغلق على نفسه بابه .. ناقما.. شاردا.. حبيس اليأس والتمرد؟؟ ..
هل كل من يُعطى يمنع؟؟ لا إخراج ولا عطاء.. فتكون الأمة إما غني بفحش.. أو فقير معدم…
هل كل إنسان يكفر بنعم ربه عليه؟؟ لا يرى خير ربه فيشكره عليه؟؟.. هل الجحود صفة متلازمة للنفس البشرية لأنها جبلت على ذلك؟؟
للرد على تلك الأسئلة.. سنرى مثالين آخرين في القرآن أيضا..
المثال الأول: قال تعالى { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } (البلد:4).. هل معنى ذلك أن كل حياة الإنسان كبدٍ ولا يحظى أبدا بالسعادة؟؟ هل هذا مراد رب العالمين؟؟ أن يخلق العباد ليشقوا؟؟ حاشى لله!!
إنما يحظى الإنسان بالسعادة وهناءة البال اوقات .. إنما مراد الله أن الغالب على هذه الحياة الكبد والعناء لأنها دار إختبار..
المثال الثاني: قوله {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (النساء:76).. هل معنى ذلك أن كل كيد الشيطان على الإنسان ضعيفا؟؟ بالطبع لا فهو يتغلب على الإنسان أحيانا كثيرة.. وإن كان في الأصل كيده ضعيف..لكنه يعلم نقاط ضعف كل إنسان فيدخل له منها..إما أن يستعيذ الإنسان بالله منه فهنا يكن كيده ضعيفا ويسلم منه.. وإما أن يستسلم لوساوسه وكيده وحينئذٍ لا يكون كيده على الإنسان ضعيفا.. والدليل قوله تعالى في موضع آخر.. { إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ} (آل عمران:155).. فالإنسان هو من يجعل له مجالا أن يكون كيده علية قوي أو ضعيف..
إذا اتضح لنا أن ليس هذا مراد الآيات.. تعميم هذه الصفات على الجميع.. وإن كانت من الجبلّة البشرية..
هذه الصفات موجودة بداخل كل منا.. ولكن بدرجات متفاوتة.. فهناك منّا من يتغلب عليها.. ومنّ ينميها ويتعلق بها ويتكل عليها كونها جبلّته البشرية..ومنّا من يعلم بوجودها لكن لا يعطيها أي اهتمام.. ومنّا من لا يعلم بوجودها أصلا..!!
**حكمة رب البرية..
لله حِكَم من هذه النواقص لدى البشر.. ومن ذكرها في كتابه العزيز.. نذكر منها:
-من المعلوم أن لله الكمال الأوحد.. ولا يضاهيه في ذلك شيء.. إذا.. وجب على كل من هو دونه أن يتصف بصفات نقص.. ليبقى الكمال لله وحده..ولكن هناك من البشر من وصل لمنتهى كمال الصفات البشرية.. محمد صلى الله عليه وسلم.. إذا فهذه الصفات تتفاوت داخل كلٍ منّا..وللإنسان اليد في التحكم فيها.. والدليل وجود نماذج بشرية مضادة لتلك الصفات.. وكما أن الله يحب من يتصف بمضاد هذه الصفات.. فدل على قدرة الإنسان في التحكم فيها.. بالزيادة فيها أو النقصان منها..
أمثلة:
ليس كل إنسان ضعيف.. فقد قال صلى الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"
ليس كل إنسان جزوع وهلوع عند الإصابة بالمكروه فيوجد من يؤمن بالقدر خيره وشره فقد قال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿155﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } (البقرة:155-156).. وكما استثنى الله في سياق الآيات البعض {إِلَّا الْمُصَلِّينَ } ( المعرج:22)
وليس كل إنسان قتور ومنوع.. فقد فضل الله المنفقين على غيرهم.. فدل على إمكانية الإنفاق والبذل في سبيل الله..مثل أبي بكر رضي الله عنه حين أنفق كل ماله في سبيل الله.. وعمر رضي الله عنه الذي أنفق نصف ماله في سبيل الله.. والأنصار الذين آثروا على أنفسهم المهاجرين..{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (الحشر:9) وقوله تعالى {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (البقرة:261)
وغيرها من الأمثلة التي تؤكد وجود مضاد لتلك الصفات إن اختار الإنسان ذلك.. ووفقه الله له..
-تذكر هذه الآيات ومضاداتها بوجود هذه الصفات الدنيئة.. ومضادها من الصفات السامية.. فهي دعوة للتغلب على الجبلة البشرية.. ومجاهدة النفس للفوز بسموا النفس ونيل رضى الله
-وتبقى ذكرى هذه الصفات مواساة للبعض على اتصافهم بها.. فهي من صفاتهم الجبلّية وليس دناءة منهم الوقوع في بعض زلات الجبلّة البشرية.. ولكن ليست دعوة للركون لها
-وأن تبقى هذه نماذج فيعمل الإنسان جاهدا على التغلب عليها.. خاصة عندما يرى النماذج الجيدة الأخرى التي تحب النفس الإتصاف بها.. فالنفس بفطرتها تأبى الدنو..
-وأخيرا.. هذه تذكرة لمن رأى في نفسه كمالا بشريا.. فيذكره الله بنواقصه الذي هو مجبول عليها رغم أنفه.. فلا يرى في نفسه الخير بعيدا عن عون الله له..
** خطوات عمليه لتطويع النواقص البشرية..
-استعن بالله.. واستعذ بالله
استعن بالكامل الأكمل على نواقصك التي جبلك عليها..وهو خير معين.. وهو على كل شيء قدير.. أرى الله منكِ خيرا يسدد خطاك.. قال الذي لا ينطق عن الهوى " إذا استعنت فاستعن بالله".. واستعيذ بالله من الشيطان وكيده.. لأنه ولابد له أن يحاول منعك من مجاهدة نفسك لتسمو بها من النقص.. فهو لا يريدك إلا خزولا..
-حب نفسك..!!
نعم .. حبها..فإن أحببت نفسك أظهرت لك أجمل ما فيها.. وكانت طوعاً لكِ تسمو بها.. ومن أحب شيئاً كره أن يراه ناقصاً.. وهل ينقصك على ما لديك من هموم وأعباء أن تكره نفسك؟؟ أرفق بحالك..قوّمها لا تكرهها.. فقد يسبب كرهك لها أن تسيء الظن بربك الغفور الرحيم.. ولا تقنط من رحمة الله..ولكن لا تبالغ في حبك لها فيتحول إلى غرور وعجب والعياذ بالله..فالإعتدال!!
-ابحث عن ايجابياتك.. لتعالج بها سلبياتك!!
نعم.. لكِ إيجابيات ولا بد!! فما خلق الله انساناً كاملاً في أي شيء.. لا مميزات ولا عيوب.. ابحث في داخلك.. ولا يغرك كل ما لديك من نواقص وعيوب وذنوب.. فستجد ايجابيات..وإن ظننت أنك لم تجد.. فاصنع لنفسك ايجابياتك الخاصة..ذلك لتعالج السلبيات التي بداخلك.. وسرعان ما تتحول حقيقة.. ولكن لا تظهر ذلك للناس حتى لا يكون نفاقاً..فيكفي أن تظهره لنفسك..
-طاقاتك المخزونة..
لقد خلق الله لنا طاقات مخزونة هائلة.. بدليل أنك أحيانا قد تنتج أكثر مما كنت متوقع من نفسك.. وتذهل نفسك!!.. استغل أكبر قدر من هذه الطاقات المخزونة فيما يرضي الله.. ولا تضاهي الله بنعمه في معصيته.. فتصبح نقمة لا نعمة..
-اسمو بأهدافك..
فلتجعل أهدافك أسمى ما تكون.. فليكن هدفك توظيف إيجاباتك وطاقاتك المخزون لخدمة دين الله.. فليكن هدفك السمو بالنفس المسلمة عن دنو النفس البشرية وتترك الدنو للكافرين.. فليكن هدفك أن تكون قدوة حسنة يُقتضى بها في دين الله وتحسّن صورة الإسلام المشوهة بأفعال المسلمين الغير لائقة (نسأل الله العفو والعافية).. فليكن هدفك أن يستخدمك الله لخدمة دينه.. لأن يهدي الله بك رجلا فتنعم في الدنيا والآخرة..اعلو بإهدافك تعلو عن الأرض ولا شك .. وإن لم تصل لمنتهى هدفك..
-ضع نموذجا بشريا نصب عينيك..
اذا علمت أكثر عيب يعيبك من نواقصك البشرية.. فقد وضعت يدك على بداية الخيط.. اختر لنفسك نموذجا بشريا تفوق في هذه النقطة تضعه أمام عينيك ويكون قدوتك.. ابحث في الرسل والأنبياء والسلف الصالح.. أو حتى في الصالحين من زماننا هذا.. ولا أنصحك أن تبحث في نماذج بشرية تاريخية من غير المؤمنين.. خشية أن يتعلق القلب بهم.. ويحشر المرء مع من يحب..وخير النماذج على وجه الأرض.. خير البرية.. محمد صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه.. فستجد في سيرته ضالتك ولا شك..
-لا لليأس.. لا للفشل..
لا تستسلم لليأس إن فشلت.. فليس هذا نهاية المطاف.. الأمر لن يكون سهلا.. فعليك بالجد والمجاهدة.. حاول وثابر.. ويكفيك شرف المحاولة.. فدوما هناك أمل.. مهما طال الوقت.. طالما في صدورنا أنفاس ونبضات..!!
-ارتقي بنظرك.. انظر إلى الجنة..!!
ارتقي بنظرك وغايتك.. واجعله معلقا بأعلى مطالب الدنيا والآخرة.. الجنة!!.. وهل بعد هذا مطلب؟؟ فإن كان مطمعك الجنة.. فستعمل وتجاهد وتبذل وتثابر.. حاول بكل طاقاتك لتصل لرضى ربك.. فمهما فشلت حينها.. سيظل نظرك معلقاً بالجنة فتقوم وتقاوم ولا تمل وتيأس.. فليس نيل المطالب بالتمني..!!
-أحسن الظن بربك..
ها أنت جاهدت نفسك المجبولة على النواقص بكل طاقاتك.. وأخذت بكل الأسباب.. أبيت إلا أن تحسّن من نفسك لتنال رضى ربك.. فأبشر وأحسن الظن بربك.. فقد تنال مرادك في الدنيا وتسعد..أو لا يكتب لك ذلك في الدنيا.. ولكن مما لا شك فيه هو أن أجرك عند الله واحداً مدخراً لك في الآخرة.. وكما قال الله على لسان نبيه" أنا عند ظن عبدي بي.."
اللهم أعنا على أنفسنا.. واجعلنا قدوة حسنة يحتذى بها.. وأرزقنا حسن الظن بك..
والله الموفق..
بقلم ام جوريـة رحمها الله
توفيت فـي رمضان هذا العام
يرجى نشر موضوعها هذا الذي
خطته اناملها لعله يكون صدقة جاريـة لها
وبارك الله فيكـم