هذه مباحث مختصرة في فضل الاغتسال ليوم الجمعة وحكمه
وردت السنة بآثار كثيرة صحيحة تدل على مشروعية الغسل لصلاة الجمعة وتبين فضله منها:
1- ما رواه أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواك، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه »
[متفق عليه].
2- وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر » [رواه البخاري ومسلم].
3- وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى » [رواه البخاري].
4- وعن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها » [غسل واغتسل: قيل بمعنى واحد وكرر للتأكيد، وقيل: غسل أي غسل رأسه لأن العرب كان لهم شعور فيحتاج إلى عناية غسل. واغتسل: أي غسل سائر جسده. وبكر وابتكر: قيل للتأكيد وقيل بكر: أدرك باكورة الخطبة: وابتكر: قدم في الوقت: انظر معالم السنن على مختصر أبي داود (1/213) [رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة والحاكم].
5- وعن سمرة بن جندب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: « من توضأ للجمعة فبها ونعمة ومن اغتسل فالغسل أفضل » [رواه أبو داود والترمذي وحسنه].
6- وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اغتسلوا يوم الجمعة فإن من اغتسل يوم الجمعة فله كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام » [رواه الطبراني في الكبير وحسن العراقي إسناده].
فالمتأمل لهذه الآثار النبوية يدرك مدى فضل غسل الجمعة وتأكد مشروعيته فمن عمل بما وردت به الأحاديث استحق ذلك الثواب العظيم، بل إن من العلماء من ذهب إلى وجوب الغسل لصلاة الجمعة .
قال ابن القيم رحمه الله ( الأمر بالاغتسال في يومها- يوم الجمعة- أمر مؤكد جداً) [زاد المعاد 1/ 377] وقال النووي رحمه الله (بل هو مستحب لكل من أراد حضور مجمع من مجامع الناس نص عليه الشافعي) [المجموع 1/ 459].
سئل العلامة ابن باز رحمه الله
هل غسل الجمعة واجب على المرأة التي تصلي في المنزل، وهل إذا اغتسل الرجل قبل الفجر ونام هل يجب عليه أن يغتسل عند قيامه لصلاة الجمعة؟
الجواب: غسل الجمعة في حق الرجال متأكد؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قـال: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" [صحيح البخاري الأذان (85، صحيح مسلم الجمعة (846)]، لكن صرفه عن ظاهره حديث: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" [(سنن الترمذي الجمعة (497)، سنن النسائي الجمعة (1380)، سنن أبي داود الطهارة (354)، مسند أحمد (5/22)، سنن الدارمي الصلاة (1540)]، أما المرأة فلا غسل عليها يوم الجمعة؛ لأنها ليست كالرجل في هذا الأمر؛ فـإن الرجل يجب عليه حضور الجمعة وفيها مجمـع من الناس، وعليه فلا غسل عليها. والحكمة من مشروعية الغسل على الرجال أنهم أهل مهنة وعمل فربما يبقى فيهم آثار تلك المهنة والأعمال؛ فأرشدوا إلى الزينة ومن الزينة الاغتسال في يوم الجمعة ومن اغتسل يوم الجمعة قبل الفجر ونام فمن الأولى أن يعيد ذلك الغسل؛ لأن النص جاء بالغسل في يوم الجمعة "من اغتسل يوم الجمعة" وما قبل الفجر يعتبر ليلة الجمعة، وليس يوم الجمعة، واليوم يطلق على ما بعد طلوع الفجر.
مجلة البحوث الإسلامية / العدد الخامس والسبعون – الإصدار: من ربيع الأول إلى جمادى الآخرة لسنة 1445هـ / فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
فحري بالمرء المسلم أن يغتنم هذه السنن وأن لا يفوت شيئاً منها ليدرك هذا الفضل ويكتب من العاملين بسنته صلى الله عليه وسلم.
متى يبدأ وقت الاغتسال
اختلف العلماء في ابتداء وقت غسل الجمعة ، فذهب جمهورهم (منهم الشافعية والحنابلة والظاهرية) إلى أنه من فجر يوم الجمعة ، وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما .
قال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله عن وقت غسل الجمعة :
" ووقته من الفجر الصادق ؛ لأن الأخبار علَّقته باليوم , كقوله صلى الله عليه وسلم : (من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى ) الحديث , فلا يجزئ قبله .
وقيل : وقته من نصف الليل كالعيد ….
وتقريبه من ذهابه إلى الجمعة أفضل ؛ لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة , ولو تعارض الغسل والتبكير فمراعاة الغسل أولى ، كما قاله الزركشي ; لأنه مختلف في وجوبه " انتهى باختصار.
" مغني المحتاج " (1/55 .
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" وأوله : من طلوع الفجر , فلا يجزئ الاغتسال قبله …. والأفضل أن يغتسل عند مضيه إلى الجمعة ؛ لأنه أبلغ في المقصود " انتهى باختصار .
" كشاف القناع " (1/150) .
وقال ابن حزم رحمه الله :
" أول أوقات الغسل المذكور إثر طلوع الفجر من يوم الجمعة …وروينا عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة فيجتزئ به من غسل الجمعة . وعن مجاهد والحسن وإبراهيم النخعي أنهم قالوا : إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه " انتهى باختصار.
" المحلى " (1/266) .
قال النووي رحمه الله :
" لو اغتسل للجمعة قبل الفجر لم تجزئه على الصحيح من مذهبنا , وبه قال جماهير العلماء .
ولو اغتسل لها بعد طلوع الفجر أجزأه عندنا وعند الجمهور ، حكاه ابن المنذر عن الحسن ومجاهد والنخعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور .
…" انتهى.
" المجموع " (4/40، وانظر : " حاشية العدوي " (1/379)، " التاج والإكليل " (2/543).
وقد اختار القول الأول (أن أول وقته يبدأ من طلوع الفجر) الشيخ ابن باز رحمه الله حيث سئل:
هل يكتفى بالغسل الواجب قبل صلاة الفجر للجمعة أم لا ؟
الحمد لله
السنة غسل يوم الجمعة عند التهيؤ لصلاة الجمعة ، والأفضل أن يكون ذلك عند التوجه إلى المسجد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل ) رواه البخاري (الجمعة/882) واللفظ له ، ومسلم (الجمعة/845) .
وإذا كان اغتسل في أول النهار أجزأه ، لأن غسل يوم الجمعة سنة مؤكدة ، وقال بعض أهل العلم بالوجوب ، فينبغي المحافظة على هذا الغسل يوم الجمعة والأفضل أن يكون عند توجهه إلى الجمعة كما تقدم ، لأن هذا أبلغ في النظافة ، وأبلغ في قطع الروائح الكريهة ، مع العناية بالطيب واللباس الحسن ، وكذلك ينبغي له إذا خرج إليها أن يعتني بالخشوع وأن يقارب بين خطاه ، لأن الخطا تحط بها السيئات ويرفع الله بها الدرجات فينبغي أن يكون له خشوع وعناية ، وإذا وصل إلى المسجد قدم رجله اليمنى ، وصلى على رسول الله عليه الصلاة والسلام وسمى الله وقال : أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، ثم يصلي ما قدر الله له ، ولا يفرق بين اثنين ، وبعد ذلك يجلس ينتظر إما في قراءة وإما في ذكر واستغفار أو سكوت حتى يأتي الإمام ، ويكون منصتاً إذا خطب الإمام ، ثم يصلي معه ، فإذا فعل ذلك فقد أتى خيراً عظيماً .
وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت للخطيب حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام ) رواه مسلم (الجمعة/141 واللفظ له .
وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها .
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – ج/12 ص/404.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"غسل الجمعة يبدأ من طلوع الفجر، لكن الأفضل أن لا يغتسل إلا بعد طلوع الشمس؛ لأن النهار المتيقن من طلوع الشمس، لأن ما قبل طلوع الشمس من وقت صلاة الفجر، فوقت صلاة الفجر لم ينقطع بعد، فالأفضل أن لا يغتسل إلا إذا طلعت الشمس، ثم الأفضل أن لا يغتسل إلا عند الذهاب إلى الجمعة فيكون ذهابه إلى الجمعة بعد الطهارة مباشرة" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/142) .
أما وقت استحباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
فهو من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة ، لأن الأحاديث جاءت بالترغيب في قراءتها (يوم الجمعة) و (ليلة الجمعة) ،
فقد ورد في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها :
أ. عن أبي سعيد الخدري قال : " من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق " . رواه الدارمي ( 3407 ) . والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 6471 ) .
ب. " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين " .
رواه الحاكم ( 2 / 399 ) والبيهقي ( 3 / 249 ) . والحديث : قال ابن حجر في " تخريج الأذكار " : حديث حسن ، وقال : وهو أقوى ما ورد في قراءة سورة الكهف .
انظر : " فيض القدير " ( 6 / 198 ) .
وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 6470 ) .
وتقرأ السورة في ليلة الجمعة أو في يومها ، وتبدأ ليلة الجمعة من غروب شمس يوم الخميس ، وينتهي يوم الجمعة بغروب الشمس ، وعليه : فيكون وقت قراءتها من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة .
قال المناوي :
قال الحافظ ابن حجر في " أماليه " : كذا وقع في روايات " يوم الجمعة " وفي روايات " ليلة الجمعة " ، ويجمع بأن المراد اليوم بليلته والليلة بيومها .
" فيض القدير " ( 6 / 199 ) .
وقال المناوي أيضاً :
فيندب قراءتها يوم الجمعة وكذا ليلتها كما نص عليه الشافعي رضي اللّه عنه .
" فيض القدير " ( 6 / 198 ) .
ولم ترد أحاديث صحيحة في قراءة سورة " آل عمران " يوم الجمعة ، وكل ما ورد في ذلك ، فهو ضعيف جدّاً أو موضوع .
عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه و ملائكته حتى تحجب الشمس " .
رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 6 / 191 ) ، و" الكبير " ( 11 / 48 ) .
والحديث : ضعيف جدّاً أو موضوع .
قال الهيثمي : رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " ، وفيه طلحة بن زيد الرقي وهو ضعيف [ جدّاً ] .
" مجمع الزوائد " ( 2 / 168 ) .
وقال ابن حجر : طلحة ضعيف جداً ونسبه أحمد وأبو داود إلى الوضع .
انظر : " فيض القدير " ( 6 / 199 ) .
وقال الشيخ الألباني : موضوع ، انظر حديث رقم : ( 5759 ) في " ضعيف الجامع " .
ومنها ما رواه التيمي في " الترغيب : " من قرأ سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة كان له من الأجر كما بين البيداء أي الأرض السابعة وعروباً أي السماء السابعة " .
قال المناوي : وهو غريب ضعيف جداً . " فيض القدير " ( 6 / 199 ) .
أبو أسامة سمير الجزائري
بلعباس
9 شوال 1445
الموافق: 9 سبتمبر 2024
شبكة الاجري