مقاومة الزعاطشة وجحيم الإبادة :
1 ــ مقدمة
تعد مقاومة سكان واحة الزعاطشة من المقاومات الرائدة رغم قصر مدتها حيث دامت المواجهة أزيد من أربعة أشهر أي من 16 جويلية إلى 26 نوفمبر 1849
2 ــ أسباب مقاومة الزعاطشة
تشترك مقاومة الزعاطشة مع غيرها من المقاومات الشعبية في جملة من الدوافع وتختلف في البعض الآخر منها :
أ ــ رفض الشعب الجزائري القاطع للاحتلال الفرنسي .
ب ــ صدى سقوط النظام الملكي الدستوري بعد الانقلاب الذي أحدثته الثورة الفرنسية عام 1848 م ، وقيام الجمهورية الفرنسية الثانية ، وانعكاساتهاعلى الأوضاع السياسية في الجزائر، منها عزل الحاكم العام الدوق دومال ، ابن الملك لويس فيليب، واستخلافه بالجنرال كافينياك وذلك يوم 03 مارس 1848 م ، هذه الأحداث وانتشارها في منطقة الزيبان ساعدت بطريقة غير مباشرة في ارتفاع معنويات الثائرين بالمنطقة وعلى رأسهم الشيخ بوزيان الذي حاول استغلال أوضاع فرنسا المضطربة لإعلان الجهاد.
ج ــ انشغال القوات الاستعمارية المرابطة في مقاطعة قسنطينة بقمع انتفاضات أخرى في أنحاء شتى من الوطن، مما أتاح الفرصة للشيخ بوزيان لإعلان الجهاد، مستغلا قلة عدد القوات الفرنسية المرابطة بمركزي باتنة وبسكرة وغياب القائد العسكري سان جرمان عن دائرة بسكرة وسعيا منه إلى تخفيف العبء على المقاومات المتاججة هنا وهناك بتشتيت جهد القوات الاستعمارية .
د ــ الإصرار على مواصلة الجهاد كامتداد للثورة التي قادها الأمير عبد القادر باعتبار الشيخ بوزيان كان أحد أعوان الأمير .
هـ ــ ارتفاع الضرائب على النخيل ابتداء من شهر مارس 1849 م من 0.25 ف إلى 0.40 فرنك للنخلة الواحدة .
و ــ التراجع عن مبدأ إعفاء المرابطين من الضرائب، مما أدى إلى إتساع دائرة التذمر فعرف الشيخ بوزيان كيف يؤطر هذا الاستياء في مواجهة قوات الاحتلال. حيث باشر اتصالات حثيثة مع رؤساء القبائل والأعراش لتهيئة الشروط الضرورية لإعلان الجهاد كجمع المال وشراء السلاح وتخزين المؤن ….إلخ.
مما استرعى انتباه أعوان الإدارة الفرنسية ، فقام الملازم سيروكا نائب المكتب العربي ببسكرة بالتحرك نحو الزعاطشة للقبض على الشيخ بوزيان ، واصطحب معه شيخ بلدة طولقة ابن الميهوب وبعض الفرسان وتوجه إلى واحة الزعاطشة ، غير أنهم فشلوا في القبض على الشيخ بوزيان أمام الرفض الذي ابداه مناصروه، حينها عاد الملازم سيروكا إلى بسكرة وقدم تقريرا مفصلا إلى القيادة ، مفاده أن جميع سكان واحات الزيبان ملتفين من حول الشيخ بوزيان ، وأن الجهاد قد أعلن من مآذن مساجد الواحات . ولمعاينة الأوضاع عن قرب انتقل رئيس المكتب العربي الضابط دي بوسكيه إلى الزعاطشة يطلب من السكان تسليم الشيخ بوزيان لكنهم رفضوا وردوا عليه : "..إننا نرفض أن نسلمكم الذي تطلبون وإننا سنقاتل عن آخرنا رجالا ونساء من اجله .." عندها تيقن دي بوسكيه أن روح الانتفاضة قد انتشرت في ربوع المنطقة .
مراحل مقاومة الزعاطشة :
مرت مقاومة الزعاطشة بثلاث مراحل أساسية هي : م القوة ـــ م الحصار ــ م التراجع .
1 ــ مرحلة القوة :
ذلك أن المرحلة الأولى بدأت بوصول الفرنسيين إلى الزعاطشة يوم 16 جويلية 1949م تحت قيادة العقيد كاربوسيا حيث شدد الحصار على الواحات ، لخنق الثورة وإخمادها في مهدها ، والقضاء على قائدها الشيخ بوزيان حتى يستتب لهم الأمن في المنطقة ، غير أنه فوجىء بصمود الثوار، الذين أمطروا القوات الفرنسية بوابل من الرصاص قضت على 31 جنديا فرنسيا وجرح ما لا يقل عن 117 ، وبعد ساعات من الاشتباك اضطر العقيد كاربوسيا إلى سحب قواته تحت ضربات سرايا مجاهدي أولاد نائل وبوسعادة والمسيلة ممن التحقوا بإخوانهم في الزعاطشة . ولقد أعطى هذا الانتصار دعما معنويا وماديا للثوار وزاد في تأجيج المقاومة بين سكان المنطقة ، فقام الشيخ المرابط سيدي عبد الحفيظ مقدم إخوان الرحمانية بإعلان الجهاد ، ولبى سكان واحات الزيبان النداء لتحرير مدينة بسكرة ، فاصطدموا بالقوات الفرنسية بقيادة سان جرمان قائد دائرة بسكرة فوقعت معركة سريانة مع بزوغ الفجر شهر سبتمبر 1849 ورغم سقوط القائد الفرنسي سان جرمان قتيلا إلا أن الجيش الفرنسي تمكن من إحكام الحصار ، مما أجبر سيدي عبد الحفيظ على سحب ما تبقى من أنصاره .
استغل الفرنسيون هذا الانتصار وازدادوا إصرارا على الانتقام من سكان واحة الزعاطشة وأن تقرر تأجيل المسألة إلى بداية فصل الخريف . قاد الجنرال هيربيون حاكم مقاطعة قسنطينة آنذاك شخصيا الحصار بعد أن عين العقيد كربوسيا خلفا للعقيد سان جرمان .
2 ــ مرحلة حصار الواحة :
باشر الجنرال هيربيون بتجميع قواته المقدرة بأربعة آلاف وأربعمئة وثلاثة وتسعين 4493 جنديا بكدية المائدة المحاذية لبلدة الزعاطشة يوم 07 أكتوبر 1849 صباحا ، ثم احتل الزاوية القريبة من الكدية وسيطر على مفترق الطرق المؤدية إلى واحة الزعاطشة حتى يحول دون وصول أية إمدادات ، ثم أعطيت الأوامر للمدفعية بقصف الأسوار لإحداث ثغرة فيها ، إلا أن المقاومة المستميتة أجبرت القوات الفرنسية على التراجع بعد أن خسروا 35 قتيلا من بينهم ضابط و147 جريحا ، ثم تمكن الفرنسيون بواسطة المدفعية احتلال الزاوية ورفع العلم الفرنسي على مئذنتها .
ورغم ذلك واصل الشيخ بوزيان شحذ همم المجاهدين وأرسل رسله خفية إلى قبائل بوسعادة وأولاد نائل طالبا منهم المدد . غير أن الشيخ بوزيان استطاع أن ينفذ من هذا الحصار ويبعث الرسل إلى مختلف الأنحاء .
3 ــ مرحلة التقهقر والإبادة :
طالب الجنرال هيربيون النجدة من الإدارة الاستعمارية المركزية في الجزائر وصدرت الأوامر للطوابير العسكرية للتحرك نحو الزعاطشة قادمة إليها من قسنطينة ، باتنة ، بوسعادة ، سكيكدة وعنابة ، مما شجع المحاصرين من معاودة الهجوم يوم 26 نوفمبر 1849 بثمانية آلاف من الجند 8000 ، يقودهم الضابط بارال، والعقيد كانروبار، ولافارد، والعقيد دومنتال ، ناهيك عن العتاد الحربي في حين ضربت بقية القوات حصارا خانقا على الواحة تحسبا لأي نجدة تصلها من مناطق أخرى .
أعطيت الأوامر بإبادة سكان الواحة بما فيهم الأطفال ، النساء ، والشيوخ ، وقطع أشجار النخيل مصدر رزق السكان ، وحرق المنازل ، ورغم ذلك صمد السكان ، واشتبكوا مع الجند الفرنسيين بالسلاح الأبيض في الدروب ، حتى سقطوا عن آخرهم ، حوالي الساعة التاسعة صباحا ، ونكلوا بالجرحى ، ونسفت دار الشيخ وسقط الشيخ بوزيان شهيدا ، فأمر هيربيون بقطع رأس كل من الشيخ بوزيان وابنه والشيخ الحاج موسى الدرقاوي ، وتعليقهم على أحد أبواب بسكرة .
نتائج المقاومة :
ـــ انتهت مقاومة الزعاطشة بخسائر فادحة حيث خربت الواحة بأكملها حيث مارس فيها الفرنسيون أبشع أنواع التعذيب والإجرام التي يندى لها جبين الإنسانية ، بقطع رؤوس البشر وتعليقها على الأبواب أو على خناجر البنادق نكاية في الثوار ، بينما خسر الفرنسيون 10 من ضباطهم برتب مختلفة و165 جنديا قتيلا و إصابة 790 بجروح متفاوتة الخطورة ، أما في صفوف المقاومين فتذكر المصادر الفرنسية العثور على 800 جثة وعدد آخر غير محدد تحت الأنقاض وقطعت أشجار النخيل عن آخرها .
ـــ أثارت مقاومة الزعاطشة تضامنا دينيا ووطنيا واستغراب العدو من إصرار السكان على إفشال مخططاته.
ـــ احتلال مدينة بوسعادة ، لأنها قامت بانتفاضة بقيادة محمد علي بن شبيرة ، وهو زعيم ديني دعا إلى الجهاد أثناء مقاومة الزعاطشة وارسل بالنجدة إلى الشيخ بوزيان .
ـــ توسيع دائرة الانتقام بحرق واحة نارة الواقعة على وادي عبدي بالأوراس ، والتي لقيت نفس مصير الزعاطشة يوم 05 جانفي 1850 على يد العقيد كارويير بعد أن تقدم إلى القرية بقوة قوامها ثلاث فرق من الجيش استباح بها القتل والهدم وإحراق القرية .
كتبها العبد الضعيف سليمان حشاني ..ليأخذ منها الشباب الجزائري الذي يتوق ويتطلع إلى فرنســا ومغرياتها عبرة ..أنظروا كيف عانى آباؤكم وأجدادكم والجحيم التي عاشوها تحت طغيان فرنسا . فهل ينسى كل هذا ؟؟؟