تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » احتفالا برأس السنة الأمازيغية 2962

احتفالا برأس السنة الأمازيغية 2962

يعد الاحتفال برأس السنة الامازيغية الذي يصادف 12 يناير من كل سنة، تقليدا راسخا ليس في الثقافة الجزائرية فحسب، لكن في ثقافات شعوب شمال إفريقيا من لبيبا إلى المغرب حيث ما يزال سكان هذه المناطق يحيونه بطقوس مختلفة باختلاف التقاليد والعادات. في الجزائر بدأت* ‬* ‬هذه* ‬الاحتفالات* ‬تأخذ* ‬مكانتها* ‬في* ‬الظهور* ‬بعد* ‬الاعتراف* ‬الرسمي* ‬باللغة* ‬الامازيغية* ‬كمكون* ‬أساسي* ‬في* ‬الثقافة* ‬الوطنية*. ‬

تشير طقوس الاحتفالات التي ترافق هذا اليوم باختلاف تفاصيلها إلى ارتباط هذا التقليد بالطبيعة والموسم الفلاحي، حيث تشير الطقوس إلى مدى ارتباط الإنسان الامازيغي القديم بأرضه ومدى اندماجه في الطبيعة، حيث يمثل "يناير" بداية الحساب الفلاحي أو الزراعي الذي يرمز إلى اختلاف نمطين شمسيين هما الانقلاب الشمسي الشتوي أو الصيفي والاعتدال الربيعي أو الخريفي، وهي الفترات التي ترافق بداية أو انطلاق جملة من الأعمال الفلاحية والزراعية بمنطقة القبائل، والأمازيغيون الذين كانوا يعتقدون أن 12 يناير مناسبة لتجديد القوى الروحية من خلال ممارسة بعض الطقوس التي يرجى منها إبعاد شبح الجوع والتماس أسباب الخير والسعادة التي لا تكون بالنسبة للإنسان الأمازيغي إلا بوفرة المحاصيل، فبداية العام تشكل نهاية وخاتمة للمؤونة الماضية أو العولمة وبداية التحضير للمحصول القادم. تاريخيا يعد التقويم الأمازيغي من بين أقدم التقويمات التي استعملها البشر على مر العصور، إذ استعمله الأمازيغ منذ 2962 سنة، وبخلاف التقويمين الميلادي والهجري، فإن التقويم الأمازيغي لا يرتبط بحادث ديني… لكنه مرتبط بالطبيعة حيث يعتبر 12 يناير أول يوم يفصل بين زمنين طبيعيين، زمن البرد والاعتدال الذي يصادف عادة بداية تجديد الطبيعة لدورتها الحياتية، لهذا يبدأ الناس في تهيئة الحقول ومباشرة الأعمال الفلاحية حيث تجمع التفاصيل المشتركة بين مختلف الاحتفالات التي تصادف هذا اليوم على تمجيد الطبيعة والإكبار من شأنها والتماس الأسباب التي يعتقد أنها* ‬تجلب* ‬الخير* ‬والإنتاج* ‬الوفير*.‬

‬*‬انتصارات* ‬شاشناق* ‬وعقاب* ‬الطبيعة* ‬أساطير* ‬وتقاليد* ‬

رغم قلة الدراسات التاريخية التي تفصل في هذا التاريخ فإن الاحتفال بيناير يصادف حدثا تاريخيا هاما في التاريخ الأمازيغي القديم، وهو ذكرى انتصار الملك "شيشونغ" أو شاشناق على الفراعنة في فترة حكم رمسيس الثاني، وذلك قبل 950 سنة من بداية استعمال التقويم الميلادي، إذ كان الفراعنة قبل هذا التاريخ ينظمون هجمات متكررة على بلاد الأمازيغ للاستيلاء على خيراتهم ونهب ثرواتهم، تلك المعركة التي يعتقد أن جزءا من وقائعها كانت حسب الأساطير القديمة في ناحية بني سنوس بتلمسان، غير أن بعض الباحثين أشاروا إلى أن أوضاع مصر القديمة ساعدت شاشناق على الجلوس على العرش الفرعوني في مصر بطريقة سليمة، حيث استعان به المصريون القدماء لإعادة استتباب الأمن وإعادة تنظيم شؤون المملكة في فترة حكمه والتي دامت 3 قرون، فاتخذ ذكرى هذه المعركة كبداية لتقويم الامازيغي.

كلمة يناير تتكون من كلمتين هي أين، أي واحد أو بداية، ويار التي تعني العام، أي بداية العام أو السنة، كما تشير كلمة أين وهي مفرد انين إلى حجرة الموقد أو "المناصب" بتعبير باقي مناطق الوطن حيث تختلف التسميات باختلاف المعنى الاجتماعي الذي يعطى لها، وحسب اختلاف مناطق الوطن وشمال إفريقيا وتقاليدها وما ارتبط بهذا التقليد من أساطير على مر العصور فمن "ينّاير" إلى "العجوزة" و"التراز" و"ثابورث أوسقاس" و"أمنزو يناير" أو "باب السنة" وهي جميعها تعني مغنى واحد بداية رأس السنة الامازيغية. فإحدى أشهر الأساطير في الجزائر تقول إن شهر "يناير" كان قد طلب من "شهر فورار" أو "فبراير" أن يعيره يوما لمعاقبة العجوز المتكبرة التي استهانت بقوة الطبيعة، عندما خرجت هي وأغنامها دون أن تلقي بالا لقوة يناير وجبروته حيث أخذها الغرور بصمودها في وجه الشتاء حيث قال له "يا عمي فورار سلفني ليلة ونهار باش نقتل العجوزة فم العار" فكان أن استجاب عمي فورار لطلب ينار وحلت في ذلك اليوم عاصفة شديدة اختنقت العجوز على إثرها وصارت حجرا منحوتا في قمة جبال جرجرة فصار هذا اليوم يستحضر كرمز للعقاب ضد الجاحدين بقوة بالطبيعة وفضلها* ‬على* ‬الإنسان،* ‬لذا* ‬فغالبا* ‬ما* ‬تعطى* ‬لاحتفالات* ‬يناير* ‬رموز* ‬طبيعية* ‬مثل* ‬استخدام* ‬البذور* ‬في* ‬الطبخ* ‬ووضع* ‬الأعشاب* ‬على* ‬أسطح* ‬البيوت*.‬ * ‬ *‬من* ‬خنشلة* ‬إلى* ‬المغرب* ‬الأقصى* ‬*.. ‬عادات* ‬يناير* ‬توحد* ‬شعوب* ‬إفريقيا* ‬الشمالية* ‬ تختلف التقاليد التي ترافق هذا الاحتفال من منطقة إلى أخرى باختلاف السكان وطبيعة المنطقة حيث نجد مثلا بمناطق بانتة وخنشلة النساء يعمدن في هذه اليوم إلى تحضير طبق الشخشوخة أو الثريد باستخدام لحم الغنم أو البقر، غير أن تناوله يقتصر في هذا اليوم على النساء دون* ‬الرجال*.‬

كما يتم في ذات المناسبة إعداد طبق "الشرشم" أو "ايرشمن" أو "اركمن" وهو قمح يطبخ بعد نقعه في الماء وتضاف إليه فيما بعد الزبدة والعسل، كما قد تضاف إلى الطبق الحمص المطبوخ والدقيق المحمص. في هذه المناسبة تحرص ربات البيوت على تغيير أواني البيت وتجديد الموقد المشكل من انين أو المناصب، كما كانت سيدات البيت أيضا قديما يعمدن إلى إعادة طلاء البيوت الحجرية بتبييضها بالطين التي تجلب من المنابع وتحضير الطلاء الذي يسمى في بعض مناطق الوطن بـ"ثومليلت" حيث تبدو البيوت بيضاء نضيفه في هذا اليوم إلى جانب تجديد الألبسة وأفرشة البيت* ‬التي* ‬تكون* ‬النساء* ‬عادة* ‬قد* ‬انتهين* ‬من* ‬نسجها*.‬

في هذا اليوم يحق للجميع الفرح حيث يحرص أفراد الأسرة على الحضور مجتمعين على مائدة العشاء في أطباق تعد خصيصا لهذا اليوم، حيث تحضر الأمهات كميات كافية جدا حيث يجب في هذا اليوم أن يأكل الجميع حتى الشبع، كما يسمح للأطفال بمشاركة الكبار أطباقهم واختيار قطع اللحم التي تروقهم، وفي هذا اليوم تحرم إعارة الأواني من عند الجيران اعتقادا انه دلالة على الفاقة والحاجة، كما يمنع في بعض المناطق العمل حيث تعمد السيدات إلى إخراج مناسجهن وآلات النول قرب البيت، فاليوم هو وقفة لإعادة ترتيب المسار وتقييم سنة كاملة مرت. في هذا اليوم أيضا تعد بعض العائلات ما يعرف بالتراز أو القشفشة، وتقوم كبرى سيدات البيت "الجدة أو الأم" بصب هذا الخليط على رأس اصغر أولاد البيت داخل قصعة كرمز على فيضان الخير وحلاوة الأيام القادمة، أما البنات فيتم تزيينهن بأجمل الملابس والحلي ويأخذن في زيارات عائلية كدليل* ‬على* ‬المحافظة* ‬على* ‬صلة* ‬الرحم* ‬في* ‬هذا* ‬اليوم*. ‬

في بعض مناطق الوطن يقوم الأطفال بالطواف بالعائلات ويجمعون كميات كافية من الطعام المختلف ويقومون بعدها بإعداد لعبة "ثاعشت" أو "ثاعشونت" وهي لعبة يتم من خلال تعويد الأطفال على تحمل المسؤولية، حيث توكل في اللعبة إلى الطفلة مهمة إعداد الطعام وترتيب أمور البيت، بينما توكل للطفل مهمة الأعمال الخارجية. أما بالنسبة للأطباق التي يتم إعدادها خلال رأس السنة الامازيغية فعادة ما تستقبل ربات البيوت هذا اليوم بنشاط زائد بإعداد أطباق تقليدية مثل الكسكس بالديك الذي يجب أن يذبح في البيت ولا يشترى مذبوحا، وهي عادة الديوك التي يتم تربيتها في المزارع والحقول وتسمى الوجبة في بعض المناطق ب" أسفال"حيث تذبح الديوك على عتبة المنازل تماشيا مع اعتقاد قديم يقال أنها تبعد الأرواح الشريرة، وتجلب الخير، وتقوم السيدات بإضافة "القديد" وهو لحم "الخروف المملح والمجفف" عادة تكون السيدة قد احتفظت به من أضحية العيد وتضاف كلها إلى طبق "الكسكسي" في إعداد وجبهة العام التي تسمى بـ"ايمنسي نيناير" أو "عشاء يناير"، ومن المهم هنا أن يتم توزيع الطبق على كل أفراد العائلة والمعوزين من أهالي الحي أو الدشرة حتى يعم الفرح على الجميع كما تضاف إلى هذه الوجبة الحبوب المجففة مثل التين والعنب والمكسرات من اللوز، أما بعد هذه الليلة فتحرص العائلات الامازيغية على طبخ الأطباق التي تخلو من اللحم وتكتفي فقط بحساء من الحبوب الجافة "الحمص والقمح والفول" في إعداد وجبة تسمى "أوفتيان" أو "تمغظال" كرمز للخصوبة ووفرة المحاصيل.

ويحتفل يوم 12 جانفي الجزائريون بصفة عامة والأمازيغ بصفة خاصة برأس السنة الأمازيغية الجديدة التي تحل هذه السنة بعامها الـ 2962 ميلادي المسماة عند الأمازيغ كافة على اختلاف لهجاتهم بيناير والمعروفة عند الشاوية باسم "أمنزون يناير".
ويعد هذا التاريخ موعداً احتفاليا هاما لدى الأمازيغ الذين يستقبلونه بعادات وطقوس مختلفة في جو تسوده المحبة والتضامن والإيخاء ويجد المحتفلون به من الأمازيغ بصفة خاصة موعداً آخر للاستبشار بقدوم عام جديد مليء بالخير والبركة وحاملاً لروح التضامن كما يعتبر هذا اليوم بالنسبة لهم هو قدوم سنة فلاحية مباركة ويعود تاريخ الاحتفال به إلى سنة 950 قبل الميلاد حينما انتصر الملك الأمازيغي الأول شوشناق على الفراعنة في معركة وقعت على ضفاف نهر النيل بمصر، وهو الحدث الذي حرر المصريين آنذاك من طغيان وجبروت الفراعنة ومنذ ذلك التاريخ شرع في الاحتفال به من قبل كل الشعوب الأمازيغية علماً أن تاريخ 12 جانفي من كل سنة يعد بداية للسنة الفلاحية عند الأمازيغ الذين يرمز لهم بخصوبة القلب والتضامن والمحبة ويعد عشاء يناير رمزاً للثراء والتطور تصحبه عادات وتقاليد مختلفة دأب الجزائريون كغيرهم من الشعوب الأمازيغية على إقامتها والتي تختلف من ولاية إلى أخرى واستطاعوا مع مرور كل تلك السنوات المحافظة عليها. "الأمة العربية" وبهذه المناسبة ارتأت أن تسلط الضوء على هذه الاحتفالية واختارت عينة من ولاية باتنة والبليدة اللتان تختلفان تقاليدهما عن بعض وقد توجهت "الأمة العربية" إلى منطقة الشاوية إلى عاصمة الأوراس باتنة وبالضبط إلى منطقة تينيباوين التابعة لبلدية تاكسلانت زارت فيها إحدى العائلات المتواضعة التي استقبلتنا ببيتها المتواضع ولم تمانع البتة في الإجابة عن أسئلتنا المتعلقة بتقاليد وعادات منطقتهم وتقاليد الشاوية وهي عائلة بلعيد مختار وقد أكدت لنا ربة العائلة السيدة بلعيد مسعودة بأنهم كانوا قديماً وكان أجدادها الذين قطنوا في بيوت من الطوب والحجارة في الجبال يستقبلون يناير بعدة عادات وهي تنظيفهم لمنازلهم وتغيير أحجار بيوتهم وكذا أحجار مواقد النار وطلاء المنازل وقيامهم بتحميص القمح والشعير وذره على الأرض استبشاراً بقدوم سنة مليئة بالخيرات والبركة وتسارع العائلات إلى اقتناء لوازم العشاء المميز خلال هذا اليوم وجلب الحطب لطهو العشاء الفاخر.

الشخشوخة الباتنية والزيراوي في مقدمة أطباق يناير
إن النسوة في منطقة الشاوية تسارع إلى تحضير طبق الشخشوخة وطبق الكسكسي المرفوق بلحم الديك الذي يتم ذبحه في المنزل وكذا صناعة حلوى الزيراوي و الطمينة التي يتم تحضيرها بتحميص القمح وطحنه ثم إضافة العسل والزبدة و الغرس له مع خلطها جيداً وتزيينها بالمكسرات خاصة الكوكاو
وتخرج العائلات الشاوية للتنزه في الطبيعة وجه آخر للاحتفال بـ "يناير"

ومن بين الطقوس والعادات التي ما يزال الشاوية يحافظون عليه هو خروج العائلات مع أطفالها للتنزه في الطبيعة واستنشاق الهواء النقي والتمتع بجمالها كما تجعل عائلات أخرى هذا اليوم يوما خاصا لإقامة أعراس ختان أطفالها وتختار عائلات أخرى هذا اليوم لوضع الحنة لأبنائها وتتفق كل العائلات الشاوية في ارتدائها خلال هذا اليوم ألبسة تقليدية شاوية تعبيراً عن فرحتهم وتميزهم في هذا اليوم الاحتفالي السعيد .

عيدكم سعيد

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.