العنف التربوي بين الأسرة والمدرسة من الانشغالات

العنف التربوي بين الأسرة والمدرسة
الأثر المدمر للعنف التربوى

إن العنف التربوي من المواضيع المهمة التي شغلت الباحثينوالعلماء في التربية الحديثة، لما له من آثار وخيمة على تكوين وتكامل شخصيةالانسان، حيث يعمل على هدم وتشويه الشخصية عند الأطفال، ويساهم في تعطيل طاقاتالعقل والتفكير لديهم.
لتقديم إضاءات اوسع حولجدلية مفهوم (العنف التربوي) ما بين الأسرة والمدرسة، حاورنا الباحث التربويوالاجتماعي الدكتور (علي وطفة) لنرى ماهية هذا المفهوم وظروفه وآثاره وطرق الحلتربوياً في الاسرة والمدرسة. ‏ ‏
*ماذايقصد بالعنف التربوي؟
يتمثل العنف التربوي بسلسلة من العقوبات الجسدية والمعنويةالمستخدمة في تربية الأطفال والتي تؤدي بهم الى حالة من الخوف الشديد والقلقالدائم، والى نوع من العطالة النفسية التي تنعكس سلباً على مستوى تكيفهم الذاتيوالاجتماعي ويتم العنف التربوي باستخدام الكلمات الجارحة التبخيسية واللجوء الىسلسلة من مواقف التهكم والسخرية والاحكام السلبية الى حد انزال العقوبات الجسديةالمبرحة بالطفل والتي من شأنها ان تكون مصدر تعذيب واستلاب كامل لسعادة الأطفال فيحياتهم المستقبلية. ‏ ‏
* تربية التسلط
لايمكن ان أتصور وجود الأسرة التي تسعى الى تدمير الحياةالنفسية لاطفالها أو الى تعذيبهم معنوياً،
فكيف نستطيع تفسير ظاهرةالعنف، وتربية التسلط السائدة في بعض الأوساط الاجتماعية؟ ‏
إن العنف التربوي لايعد غاية بحد ذاته، بل هو وسيلة نعتمدهامن أجل توجيه الأطفال وتربيتهم وفقاً لنموذج اجتماعي وأخلاقي حددناه منذ البداية. إن اللجوء الى العنف التربوي والى التسلط في العملية التربوية يعود الى اسباباجتماعية ونفسية وثقافية متنوعة تدفعنا الى ممارسة ذلك الاسلوب. ‏
1 – الجهل التربوي بتأثير اسلوب العنف، يحتل مكانالصدارة بين الاسباب، ولو ادرك الآباء والأمهات مالاسلوب التسلط من آثار سلبية علىشخصية الطفل ومستقبله فإنهم مما لاشك فيه، تجنبوا ما امكنهم استخدام ذلك الاسلوب،فالوعي التربوي والنفسي بأبعاد هذه المسألة امر حيوي واساسي في خنق ذلك الاسلوبواستئصاله. ‏
2 –ان اسلوب التسلط يعد انعكاساً لشخصية الاب والأمبما في ذلك جملة الخلفيات التربوية والاجتماعية التي اثرت عليهم في طفولتهم. أيانعكاس لتربية التسلط التي عاشوها بأنفسهم عندما كانوا صغاراً. ‏
3 ان ما يعزز استخدام الاكراه والعنف في التربية،الاعتقاد بأنه الاسلوب الأسهل في ضبط النظام والمحافظة على الهدوء، ولايكلف الكثيرمن العناء والجهد. ‏
4بعض الأسر تدركالتأثير السلبي للعقوبة الجسدية وتمتنع عن استخدامها، لكن ذلك لايمنعها من استخدامالعقاب المعنوي من خلال اللجوء الى قاموس من المفردات النابية ضمن إطارالتهكموالسخرية والاستهجان اللاذع، والعقوبة المعنوية اثرها في النفس اقوى من العقوبةالجسدية بكثير. ‏
5ان الظروف الاجتماعية الصعبة التي تحيط بالوالدينفي اطار العمل واطار الحياةالاجتماعية قد تؤدي الى تكوين شحنات انفعالية يتمتفجيرها وتفريغها في إطار الأسرة، وكل ذلك ينعكس سلباً على حياة الأطفال وعلى نموهمالاجتماعي والنفسي. وباختصار يمكن أن نقول: إن العوامل والأسباب التي تدفع الىاستخدام العنف والاكراه، متعددة بنوع الحالات وتنوع الأسر والبيئات الاجتماعية. ‏
* ما هي الآثار الناجمة عن العنف في تربية الاطفال؟
إن الهدف من التربية عملياً هو تحقيق النمو والتكاملوالازدهار في شخصية الانسان ومما لاشك فيه ان الطفل يتشكل وجدانياً وعقلياً وجسدياًفي إطار الاسرة بالدرجة الاولى، وإن علماء النفس والتربية يجمعون على التأثيرالحاسم للتربية في السنوات الأولى من عمر الطفل ويذهب بعضهم للقول بأن سمات وخصائصالشخصية تتحدد في السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل. والعلاقة بين الطفل والاسرةتتم من خلال الإحساس الجسدي أولاً، ثم تصبح الكلمة هي المحور الاساسي للعلاقةوبالتالي تتطور هذه العلاقة الى مستوى الايحاء والموقف وغير ذلك. والطفل ينظر الىنفسه وفقاً لنظرة الآخرين إليه. ويقوم نفسه كما يقومه الآخرون وفي كل الأحوال فإنالعقوبة الجسدية والمعنوية تمثل عوامل هدم وتشويه للشخصية عن الأطفال، كأن تؤدي الىفقدان الثقة بالذات وانعدام المسؤولية، وتعمل على تعطيل طاقات العقل والتفكيروالابداع لديهم. ‏ ‏
* ظروف العنف مدرسياً
لقد تطرقنا الى مناقشة ظروف العنف في التربية الأسرية، فهليمكن ان نتحدث عن ذلك في إطار المدرسة؟ ‏
يقول الباحث الدكتور عليوطفة: إن الأنظمة التربوية في انحاء العالم كلها تتبنى نظرياً المبادى التربويةالحديثة وتسعى الى تطبيقها في اطار المدرسة، وبالطبع فإن القوانين الناظمة للعملالتربوي في المدرسة تمنع استخدام الضرب والعنف في المدارس، ومع ذلك فإن المسألةتبقى نسبية، فاللجوء الى اسلوب العنف في المدرسة ظاهرة دولية، وتشتد هذه الظاهرة فيالبلدان النامية بينما تكاد تختفي في البلدان المتقدمة. طبعاً يوجد العديد منالمنظمات الدولية والاقليمية التي تسعى الى محاربة هذه الظاهرة وعلى الرغم من ذلكفإن بعض المعلمين وبتأثير من خلفياتهم الثقافية والتربوية يلجأون الى اسلوب العنففي تعاملهم مع التلاميذ وذلك للاسباب التالية:
‏ 1بعض المعلمينينتمون الى اوساط اجتماعية تعتمد التسلط والاكراه في التربية وهم في المدرسة يعكسونحالتهم هذه. ‏
2 بعض المربين لم تسنح لهم فرصة الحصول على تأهيلتربوي مناسب. أي انهم لم يتابعوا تحصيلهم في معاهد دور المعلمين او كليات التربية،فهم بذلك لايملكون وعياً تربوياً بطرق التعامل مع الأطفال وفقاً للنظريات التربويةالحديثة. ‏
3 المعلم بشكل عام يعيش ظروفاً اجتماعية تتميزبالصعوبة الحياتية، إضافة الى الهموم والمشكلات اليومية التي تجعله غير قادر علىالتحكم بالعملية التربوية، اذ يتعرض للاستثارة السريعة والانفجارات العصبية امامالتلاميذ. ‏
4إن الأبحاث التربوية المعنية بدراسة العلاقةالتربوية بالمدرسة تؤكد بأن المعلم المتسلط هو المعلم الذي يتحقق لديه مستوىالكفاءة العلمية والتربوية معاً. لكن هذه النظرة في الوقت الحاضر اصبحت خاطئة فإنالمعلم الديمقراطي هو المعلم المتمكن والمؤهل وهو وحده الذي يستطيع ان يعتمد علىالحوار الموضوعي في توجيه طلابه وتعليمهم ، دون اللجوء الى العنف. ‏
5-المعلم الذي يستخدم الاستهجان والتبخيس والكلماتالنابية، فإنه يكرس العنف ويشوه البيئة النفسية للطالب، والمدرسة عندما تتبع هذهالاساليب من عنف وإكراه واحباط ازاء التلاميذ تكون بمنزلة مؤسسة لتدمير الاجيالواخفاقهم في كل المجالات. ‏ ‏
* البديل
ولكن في حال خروج الاطفال على الانظمة المدرسية، وفي حالتقصيرهم الدراسي، ماهو الاسلوب البديل الممكن استخدامه في توجيههم؟ ‏
إذا الانسان يتميز بالقدرة غير المحدودة في تكيفه مع البيئةوفي تكييف البيئة لحاجاته. وإن خروج الطفل عن الأنظمة المدرسية له اسباب يجب اننبحث عنها في إطار الوسط الذي يعيش فيه التلميذ والأسرة التي ينتمي اليها. ‏
وتوجد اساليب متعددة ومتنوعة جداً يمكن استخدامها في معالجةهذه الظاهرة
القليل من الاحترام والتفهم يجعلنا قادرين على احتواء مظاهرالعنف، وفي كل الأحوال فإن العنف والاكراه عملية تخدير مؤقت وليس حلاً جذرياً، لانالطفل الذي كبح جماحه بالقوة سيعود الى مخالفة النظام كلما سنحت له الفرصة. ‏
أما فيما يتعلق بمسألة التقصير المدرسي والتخلف الدراسي: هذهالظاهرة تعود الى عوامل اجتماعية واسرية، والتقصير ليس مسؤولية الطفل وحده بل هومسوولية الاسرة وظروفها ومسؤولية المدرسة ذاتها. وفي كل الأحوال العقاب ليس حلاً. انما المساعدة والتفهم والتشجيع ومعالجة الظروف المحيطة بالطفل هي الوسائل التربويةالتي بجب ان تعتمد كحلول موضوعية لهذه الاشكالية. ‏
بعض الآباء والمعلمين يرفعونلواء الديمقراطية بالحوار مع التلاميذ والأطفال، وعلى العكس من ذلك فإن بعض الآباءكبعض المعلمين يمارسون اسلوب التسلط التربوي ويرفعون لواء التربية التقليدية،
والسؤال هنا: ماهي النتائج المترتبة على التباين في اعتمادالاسلوب التربوي بين الأسرة والمدرسة؟ ‏
ان التباين في اعتمادالاسلوب التربوي بين المدرسة والأسرة يطرح اشكالية تحتاج الى البحث والعناية،فعندما تتبنى الاسرة منهجاً ديمقراطياً متكاملاً في تربية الطفل، وعندما يعتمدالمعلم اسلوباً تسلطياً فإن ذلك يمثل وضعاً حرجاً للاسرة والطفل وعلى العكس من ذلكإذا كان المعلم ديمقراطياً والاسرة استبدادية فإن ذلك يضع المعلم في موقف حرجوغالباً ماتكون حالة التوافق في الاسلوب بين المؤسستين اكثر شيوعاً لان المدرسةتكون في أكثر حالاتها امتداداً لما يجري في إطار الأسرة، ففي الأحياء الفقيرةالشعبية غالباً ما يكون اسلوب التسلط والعقاب هو الاسلوب السائد في التربية، وهنانجد عملية منهجية متكاملة تسعى نحو تدمير الطفل وتجسيد اخفاقه. ‏
وقد يكون الاسلوب ديمقراطياً بين الطرفين وهذا نجده في مدارسالأحياء المراقبة ومدارس الفئات الاجتماعية المحظوظة مادياً وثقافياً. ‏
كيف يمكن للاسرة الديمقراطية ان تجد مخرجاً عندما يكونالمعلم متسلطاً؟
يمكن للاسرة ان تجري اتصالهامع المعلم ومع ادارة المدرسة، كما يمكن ان تطالب بوضع الطفل في شعبة أخرى، كما يمكناجراء حوار مع المعلم والوصول معه الى صيغة ودية تجنب الطفل تبعات الاسلوب التسلطييمكن لذوي الأطفال الديمقراطيين من خلال الاتصالات ومن خلال مجالس الأولياء التأثيرفي عقلية المعلمين ودفعهم الى تبني اساليب جديدة تتماشى مع تربية اطفالهم في البيت. ويمكن ايضاً الاعتماد في كل ذلك على المرشد الاجتماعي والمرشد النفسي التربوي فيمدارسهم في حل مثل هذه الاشكاليات عبر الحوار مع المعلمين وعبر الندوات والمحاضراتبالتعاون مع المنظمات التربوية (المعلمين; الشبيبة; الطلائع). ‏ ‏
* العنف والتحصيل المدرسي
ما هي الآثار الناجمة عن استخدام العنف في التحصيل المدرسي؟؟
لا يمكن للعنف ان يؤدي الى نمو طاقة التفكير والابداع عندالطفل، والعنف لايؤدي في افضل نتائجه إلا الى عملية استظهار بعض النصوص والأفكار.. إن القدرة على التفكير لاتنمو إلا في مناخ الحرية، الحرية والتفكير أمرانلاينفصلان. ‏
وإذا كانت العقوبة تساعد في زيادة التحصيل فإن الأمر لايتعدىكونه أمراً وقتياً عابراً وسوف يكون على حساب التكامل الشخصي. والدراسات التربويةالحديثة تؤكد بأن الاطفال الذين يحققون نجاحاً وتفوقاً في دراستهم هم الاطفال الذينينتمون الى اسر تسودها المحبة والأجواء الديمقراطية. ‏
والعملية التربوية ليست تلقين المعلومات والمناهج بل انهاعملية متكاملة تسعى الى تحقيق النمو الازدهار والتكامل. ‏
ما هي في منظوركم الخطة التربوية الفاعلة في استئصال العنفكظاهرة تربوية في إطار المدرسة والأسرة؟؟
إن الظاهرة هي ظاهرةاجتماعية مرهونة بمستوى تغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية في كل مجتمع ولن يتاحلنا خلال رسم بعض الأفكار ان نؤثر كثيراً في هذه الظاهرة، إن نظامنا التربوي علىالمستوى الرسمي (الوزارات; المؤسسات) يتبنى احدث النظريات التربوية التيتمنع استخدام العنف والضرب في المدرسة، ومع ذلك الظاهرة مستمرة وهذا يعود لاسباباجتماعية تتعلق بالذهنية الاجتماعية والظروف الاجتماعية السائدة. ‏
ويمكن لي ان احدد بعض النقاطالاساسية في معالجة هذه الظاهرة:
‏ 1تنمية وتطويرالوعي التربوي على مستوى الاسرة والمدرسة، ويتم ذلك من خلال وسائل الاعلامالمختلفة، ومن خلال اخضاع المعلمين والآباء لدورات اطلاعية وعلمية حول افضل السبلفي تربية الأطفال ومعاملتهم. ‏
2 تحقيق الاتصالالدائم بين المدرسة والاسرة وإقامة ندوات تربوية خاصة بتنشئة الأطفال.‏
3 تعزيز وتدعيم تجربة الارشاد الاجتماعية والتربويفي المدارس وإتاحة الفرصة امام المرشدين من اجل رعاية الاطفال وحمايتهم وحلمشكلاتهم ومساعدتهم في تجاوز الصعوبات التي تعترضهم. ‏
4 ربط المدارس بمركز الرعاية الاجتماعية والنفسيةالذي يحتوي على عدد من الاختصاصيين في مجال علم النفس والصحة النفسية والخدمةالاجتماعية، حيث تتم مساعدة الاطفال الذين يعانون من صعوبات كبيرة في تكيفهمالمدرسي، وحل المشكلات السلوكية والنفسية التي يعجز المرشد عن ايجاد حلول لها، أيأن يكون مرجعية تربوية نفسية واجتماعية لكل محافظة، أو مدينة على الأقل. ‏

هذا ما تفضل به الباحث التربوي والاجتماعي /الدكتور علي وطفة/ كنقاط اساسية في معالجة هذه الظاهرة، لكنها في الحقيقة /برنامج عمل/ يحتاج الىاستعداد لبذل جهود مخلصة من وسائل الاعلام المختلفة والمنظمات والمؤسسات التربويةكلها، لتعمل معاً في آن واحد لعلها تساهم في تعديل الاتجاهات بالذهنية الاجتماعيةوالموروث الاجتماعي والفكري لدى بعض الآباء والأمهات والمعلمين. ‏
لكن السؤال الأهم نتركه مفتوحاً ‏
من يحمي؟ وكيف نحمي الأطفال من عنف الآباء والأمهات؟
من يعاقب ؟ وكيف نعاقب المعلم الذي يحمل (خرطوماً أو سلكاًكهربائياً او عصا ضخمة) كوسيلة وحيدة للتربية ولفرض النظام قسراً مما يحدث الأذىفعلياً على جسد الطالب، ناهيك عن الأذى المعنوي والاحباط الذي يحفر أخدوداً عميقاًفي شخصية الطالب فنشوه العلم والمدرسة والمعلم؟؟‏
كانت المدرسة ولا تزالبناءً، مرحلة مرحلة لشخصية التلميذ كالمراحل التعليمية والتربوية تماماً تبعاًللمراحل النمائية التي يعيشها الانسان. ‏وتربية، لترقى بالطفل والتلميذ نحو الشخصيةالنافعة والسوية وتعليم، لتقديم العلم والمعرفة عبر وسائل تربوية حديثة، وبكمموضوعي، ومعلمين مؤهلين يعشقون رسالتهم السامية، ويقدرون الانسان، لان الرسالةانسانية تربويةصرفة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.