المقاربة النصية من الانشغالات

إن أول سؤال يتبادر إلى ذهن الدارس للعربية كلغة هو : ما المغرى من هذه الدراسة إذا كان لا يستغل ما درسه في حياته اليومية بأي شكل من الأشكال ؟ فقد كانت اللغة العربية تدرس في المناهج القديمة كغاية في حد ذاتها ( أي للعلم بها فقط ) و ليس ضروريا التركيز على مواضع و طرق توظيفها في الحياة ، إذ أصبحت في نظر الكثير من التلاميذ بل و حتى بعض الأساتذة عقيمة. فبملاحظة بسيطة لوسطنا الاجتماعي تجد عجزا واضحا لدى الطبيب و المهندس و غيرهما في التواصل بلغة عربية سليمة ، و المؤلم في الأمر أنك تصادف أحيانا ذلك العجز عند رسولها.

و لمعالجة هذه الظاهرة و جعل اللغة العربية أكثر فاعلية و إنتاجا ، سعت المنظومة التربوية إلى إصلاح مناهج التدريس و طرقها داعية إلى ضرورة إدراج المقاربات الحديثة كالمقاربة بالكفاءات و المقاربة التفاعلية الاجتماعية و المقاربة بالمشروع و المقاربة النصية، التي هي موضوع حديثنا .

و المقاربة النصية موضوع شاسع و متشعب لا يمكن الإلمام به ، لذلك سأتعرض – إن شاء الله – إلى العناصر التي رأيتاها ضرورية متمثلة في ما يلي :

1 – تعريف المقاربة النصية

2- المستويات المعتمدة في المقاربة النصية

ا- المستوى الفكري

ب- المستوى اللغوي

ج- المستوى البنائي

3- اختيار النص في المقاربة النصية

4 – الغاية من المقاربة النصية

1- تعريف المقاربة النصية :

لغة : المقاربة هي الدنو و الاقتراب ، مع السداد و ملامسة الحق ، فيقال قارب فلان فلانا إذا داناه ، كما يقال قارب الشيء إذا صدق و ترك الغلو ، ومنه قرب السيف : أي أدخله في القراب .

و منه فالمقاربة النصية هي الدنو من النص و الصدق في التعامل معه .

اصطلاحا : يرى الدكتور منذر عياشي" أن المقاربة المقاربة النصية هي الدراسة اللغوية للنص أو هي لسانيات النص "و من تم يمكن القول أنها تحليل معنوي و بنيوي للنص ، بعيدا عن الأحكام المسبقة عليه .

2- المستويات المعتمدة في المقاربة النصية :

إن لسانيات الجملة تعتمد على مجموعة من المستويات التي ترى من خلال فرضياتها أنها السبيل للإمساك ببنية الجملة و الإفادة بتحليلها . فإن لسانيات النص تعتمد على المستويات نفسها لكن مع التعالي بها إلى ما يتجاوز حد الجملة ( أي النص ) . و من تم فإن استنباط مصطلح مستوى المقاربة النصية مأخوذ – حسب اجتهاد شخصي- من مستويات لسانيات النص.

ا/ المستوى الدلالي ( الفكري ) :

إن مبدأ المقاربة النصية ينطلق من النص كمحور لكل التعلمات و حوله تدور الأنشطة جميعها من أدب و نصوص و مطالعة و تعبير . و ليمضي المتعلم في سبيله لتلك المقاربة عليه أولا أن يثري رصيده اللغوي بمفردات جديدة ذات دلالات ، و يثري رصيده الفكري بأمور كثيرة كملامح بيئة صاحب النص ، و الاطلاع على النمط و خصائصه ، عن طريق اكتشافه معطيات ذلك النص المدروس و مناقشتها، مع تفحص تركيب فقراته و مدى اتساقها و انسجامها .

ب/ المستوى اللغوي :

و يواصل المتعلم سيره نحو المقاربة النصية فيتعرض إلى روافد النص المدروس سابقا، و يتناول من خلاله دراسة الظواهر النحوية و الصرفية، و البلاغية و العروضية، إلى جانب تنمية الذوق الأدبي حسب ما يمليه المنهاج . (*) بالتركيز على كيفية توظيفها في حديثه .

ج/ المستوى البنائي :

فيصل إلى آخر محطة من تحقيق المقاربة النصية و هوأن يكون قادرا على نسج نص على منوال النص المدروس ، باحترامه الخصائص المناسبة لنمطه ، مدمجا تلك الظواهر المدروسة على اختلافها، بعد أن انطلق من النص : حلله و استخلص خصائصه .

3-اختيار النص في المقاربة النصية :

يتم اختيار النص في المقاربة النصية على الأسس التالية :

ا/ هل للنص دلالة بالنسبة للتلميذ ؟ ( هل يثير اهتمامه ) ؟

ب/ ما هي التعلمات المستهدفة ؟ ( المعجم- التراكيب- الظـــــواهــــر النحــــــوية و الصرفية– و البلاغية )

ج/ ما هي الكفاءة المستهدفة من معالجة النص ؟ ( الكفاءات التعلمية )

د/ ما هي المهارات التي ينبغي تنميتها ؟

ه/ هل النص يخدم المهارات ؟ ( القراءة – الاستماع – التعبير و التواصل – الكتابة )

3- الغاية من المقاربة النصية :

يمكن تلخيصها في النقاط التالية :

ا/ التحكم في أدوات اللغة العربية .

ب/ القدرة على تحليل هيكل النص لبناء المعنى .

ج/ تنمية الرصيد اللغوي و المعرفي.

د/ تنمية المهارات الأساسية في التعبيرين الشفوي و الكتابي .

ه/ تواصل المتعلم مع غيره بكيفية تسهل له العيش في بيئاته المختلفــــة

( الطبيعيـة – الاجتماعية – العلمية – و الثقافية )

ز/ الارتقاء بالمتعلم من مستوى البناء إلى حد الإبداع في الانتاج الكتــابي

و الشفوي .

الخاتمة :

في الأخير نخلص إلى أن المناهج الجديدة لم تعد تعتبر اللغة العربية مادة دراسية فحسب، و لكنها – بالإضافة إلى ذلك – صارت وسيلة و مفتاحا لدراسة المواد الأخرى التي تُدرس في مختلف المراحل . إن الهدف من تعليمها لم يعد يقتصر على تعلمها من أجل معرفتها فحسب ، بل هو جعل المتعلم يتحكم في لغة عربية معاصرة

و ذلك بتدريبه على التعبير و التواصل معا في وضعيات ذات دلالة .

لقد اعتمدت مناهج اللغة العربية الجديدة على الربط بين الكفاءات التعليمية ، مع توخي التوازن فيما بينها (وهو الأمر الذي لم نلحظه في المناهج السابقة) حتى تجعل منها في صورة من الإدماج اللغوي المحقق لكفاءات كثيرة تساهم في التكوين اللغوي الصحيح و المرتبط بمواقف حياتية لدى المتعلم.

و أخيرا آمــل ألاّ أكونَ قد أطلت عليكم ، و أجبت و لوعلى جزء من تساؤلاتكم حول هذا الموضوع الشاسع ، الذي لا يمكن الإلمام بجميع عناصره في عرض متواضع كهذا . فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و من الشيطان .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.