وفاة الفنّان عبد الله شريفي رحمه الله تعالى . انشغالات ادارية

وفاة الفنّان عبد الله شريفي رحمه الله تعالى .
انتقل إلى رحمة الله تعالى الفنّان الكبير عبد الله شريفي عن عمر ناهز 64 عاما، قضاها بين الفرشاة والألوان، ومقارعة أهوال الزمان ، هذا الفنّان الطيب الحنون المتواضع الذي عرفته منذ أكثر من عشرين سنة كان مثالا للفنّان الملتزم بقضايا المجتمع، وفيّا للأصالة المتجذّرة في حناياه، هذا الفنّان الذي عاش مُهمّشا رغم الخدمات التي قدّمها لمدينة رأس الوادي لكن للأسف تنكّر له المسؤولون والقائمون على شؤون الثقافة ، في بلدة تقتل مثقفيها في وضح النهار،وقد سبق لي وأن أجريتُ معه هذا الحوار إليكموه.
* حوار تعريفي، بالفنان عبد الله شريفي
بقلم : البشير بوكثير
الفنان عبد الله شريفي
"الفنّ الحقيقي رسالةُ بناء لاهدْم"..
حاوره: البشير بوكثير
ملاحظة: هذا الحوار نشرتُه في ثلاث جرائد وطنية هي النصر، السبيل، القلاع في شهر سبتمبر 1993م. إليكموه ..

1- نبذة عن حياتكم الفنية، وإرهاصات البدايات مع الفرشاة والألوان، والكلمات والألحان..
-شريفي: عبد الله شريفي مواطن جزائري مُتيّم بحبّ الجزائر، رأيتُ النور سنة 1950م بمدينة رأس الوادي، من أسرة محافظة متوسطة الحال، منذ نعومة أظفاري أحسستُ بذلك السلك النوراني يجذبني إلى عالم الرسم والألوان، فلم أشعر بنفسي إلاّ وأنا أسيرٌ بين شرنقته الحريرية الأبدية.
وعلى الرغم من النظرة التقليدية الخاطئة للرسم والفنّ عموما من طرف الأسرة، والعراقيل والمُثبّطات التي اعترضت مسيرتي الفنية ، إلاّ أنّ رغبتي الجامحة وميولي الطافحة، جعلتني أكسر القيود والسدود، وأطلق العنان لموهبتي أرنو إلى الأمام في سبيل تحقيق الأماني والأحلام،..كنتُ أرسم كل ماتقع عيناي عليه، واستطعتُ في فترة قصيرة من طفولتي إنجاز رسومات ولوحات أبهرتْ أساتذتي الذين رأوا فيها مشروع فنّان وموهبة تستحق الإشادة لا النكران.
2- ما الطابع الفني الذي تميل إليه؟
– شريفي: اشتغلتُ فترة من حياتي على رسم شخصيات سياسية ورياضية وفنية ، وهي التي تراها أمامك في ورشتي الصغيرة، ثم مالبثتُ أنْ انتقلتُ إلى رسم الطبيعة بسحرها الخلاّب ، وتجليات وجماليات الإبداع الإلهي الخارق الجذّاب، مستعملا في ذلك وسائلي البسيطة نظرا لظروفي المادية الصعبة،. وقد استطعت في ظرف وجيز إقامة معارض فنيّة بمناسبة الأسابيع والأيام الثقافية التي كانت تُقام لِماما، هنا وهناك.
كما أنّني مولع بالخطّ العربي حتى الثمالة، ولا أبالغ إذا قلتُ لك بأنّ معظم واجهات الدكاكين والمؤسسات ، واللافتات التي تشاهدها في المناسبات الوطنية والدينية من إنجازي، لكن للأسف " زامر الحيّ لايطرب" كما يقال.
3- من عالم الفرشاة والألوان، إلى عالم الكلمة والألحان، كيف حدث الانتقال والارتباط؟
– شريفي: الفنان الملتزم متعدّد المواهب كما يستطيع التعبير بالفرشاة والألوان، باستطاعته أيضا التعبير عن مكنوناته ومواهبه بالكلمة والألحان، حيث أسرني ولازال عالم المسرح والغناء الملتزم الأصيل منذ فترة الشباب والمراهقة، وقد شرعتُ في التفكير بتأسيس فرقة غنائية تعبّر عن موروث المنطقة ، وتحفظ التراث الشفوي لها .وتحقّقَ بالفعل هذا المشروع مع تأسيسي لفرقة " الوفاء" التي كانت تابعة آنذاك للاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية خلال فترة السبعينيات، ثمّ أسست بعدها فرقة" الفداء" سنة 1987م رفقة مجموعة من فناني المنطقة الموهوبين. هذه الفرقة فتية النشأة شاركت في المهرجان السادس للأغنية العصرية بقاعة ابن خلدون، أين سمِعَ الحضور لأول مرة كلماتي وألحاني على المباشر.
وقد فازت الفرقة بالجائزة الثانية في المهرجان الوطني الأول للأغنية الملتزمة سنة 1988م، واختيرت مقطوعتي الموسيقية مقطوعة افتتاح لحصّة ألحان وشباب حينها.
إلى جانب هذه الأنشطة ، لديّ رصيد ضخم من الأعمال الفنية يضمّ حوالي أربعين أغنية جاهزة كلمات وتلحينا، وقد سلّمتُ الفنان " سمير السطايفي" عدّة أغاني مُلحّنة، كما سلّمت أيضا " حكيم صالحي" أغنيتين من كلماتي وألحاني، و توجد ثلاث أغاني لي بمحطة قسنطينة الجهوية من بينها شريط إنشادي حول أول نوفمبر. وكان آخر نشاط قمت به إلى حدّ الساعة التي أحدثك فيها هو إقامة معرض للرسوم واللوحات الزيتية، تحصلتُ من خلاله على الجائزة الثانية التي سلّمها لي السيد أحمد طالب الإبراهيمي نجل العلاّمة البشير رحمه الله تعالى.
4- كيف تنظرون لرسالة الفنّ على الرغم من نظرة المجتمع العدائية له ؟
– شريفي: الفنّ الملتزم الأصيل هو مُحرّك الهِمم، ودافع الأمم نحو الرقي والتقدم، لأنه يحمل قيم الجمال والأخلاق والفضيلة. والمجتمعات المتحضرة عرفت قيمة الفنّ الهادف وجعلته من بين الأولويات ، ولايمكن لمجتمع متحضر أن يعادي الفنّ الرسالي الهادف، لكن للأسف " من جهل شيئا عاداه" كما يقال. لأنّ نظرة مجتمعنا للفنّ ارتبطت بما يراه ويسمعه من أعمال هابطة رسّخت الانسلاخ الحضاري من موروث أمّتنا الأصيل جعلت المجتمع ينفر من هكذا أعمال.
لذلك تجدني دوما مدافعا عن الفنّ الرسالي الملتزم بقضايا الأمّة والوطن، الفنّ الذي يهذب الذوق ويرقى بالسلوك البشري إلى مدارج الكمال الإنساني.
5- ماهي المشاكل التي تراها تقف عائقا أمام الفنان الجزائري؟ وكيف السبيل للنهوض بالثقافة الجزائرية؟
– شريفي: الفنان الملتزم في الجزائر مهمّش ومُحارَب على كافة الأصعدة، توضع أمام دروبه الأشواك والقذى، كي لا يوصل رسالته الفنيّة التربوية التنويرية إلى الجمهور العريض، بينما نجد في الجانب الآخر تشجيعا وتكريسا لنموذج الفنّ الهابط الساقط، الذي ينخر كيان المجتمع فيتركه يعاني انفصاما في الشخصية والهوية.
لذلك لا نستغرب ظهور بعض الطفيليات على الساحة الفنيّة التي سُمّيتْ زورا نجوم الفنّ ، ولن أستطيع التوسع أكثر لأنّ الحديث في هذه القضية الشائكة كما تعلم أخي البشيرحديث ذو شجون وسجون.!
6- هل من كلمة أخيرة ؟
– شريفي: ندائي الأول والأخير إلى المسؤولين عن قطاع الثقافة في بلادنا أن يولوا الاهتمام والعناية بالمواهب الصاعدة الواعدة التي تزخر بها الجزائر في شتى المجالات الإبداعية..
أقول لهم: افسحوا المجال للمبدعين الحقيقيين لا المزيفين ليقولوا كلمتهم ، وليغيروا من واقع ثقافتنا التعيس .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.