معنى إنكار المنكر بالقلب

معنى إنكار المنكر بالقلب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: د. سعد المرصفي – أستاذ الحديث وعلومه

إن الشريعة وضعت ثلاث وسائل لمقاومة الشر والفساد في المجتمع، وهي: اما مقاومته وتنحيته باليد، أوباللسان، أو باللقب!

يرى مسلم وغيره عن أبي سعيد رضي الله عنه، ان رسول الله قال:

»من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطيع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان«!

وهي على التريب في الوجوب.. والسبب ما لدينا من الاستطاعة والتمكن!

واعلاها مرتبة التغيير العملي، لمن توافرت لديه وسائل القدرة على ذلك.. وهي اعلى درجات المسؤولية الاجتماعية!

يلي هذه الرتبة التغيير باللسان.. وتلك مهمة الذين يملكون أدوات البيان!

وآخر الوسائل وأدناها التغيير بالقلب!

وهذا يحتاج بعون الله وتوفيقه إلى تفصيل في البيان لأهميته وضرورة الرجوع إليه في حديث خاص!

معنى التغيير بالقلب:

ولابد لنا من التنبيه إلي خطأ شائع ذائع في فهم معنى التغيير بالقلب، فإن كثيراً من الناس يعتبرون أن التغيير بالقلب هو أن تكره الشر فيما بينك وبين نفسك، ولا ترضى عنه بقلبك، دون أن يبدو عليك أدنى أثر للكراهية وعدم الرضا!

والواقع ان هذا الفهم تحريف لمعاني الكلمات في اللغة العربية، وتحريف لمقاصد الشريعة الاسلامية!

أما انه تحريف للمعنى في اللغة العربية، فلان الانكار بالقلب المجرد عن كل مظهر ايجابي أو سلبي لهذا الانكار لا يسمى تغييراً للمنكر، بل يسمى اقراراً سكوتياً للمنكر، وتشجيعاً عليه!

وأما انه تحريف لمقاصد الشريعة، فلان ابطال الكراهية للمنكر، مع بقاء المعاملة لصاحبه، على وجه البشاشة والمجاملة العادية، ومع المحافظة على تحيته وتكريمه، كما يكرم المحسنون، فهذا هو صريح النفاق، مع ان الحديث النبوي يجعل تغيير المنكر بالقلب مرتبة من مراتب الايمان، وان كانت ضعيفة، ويأمرنا بها عند عدم استطاعة غيرها، فكيف ان الشارع الحكيم يأمرنا بهذا النفاق؟!

والحق ان المقصود من التغيير بالقلب الذي هو اضعف درجات الايمان، هو ما نسميه بالمقاومة السلبية الادبية، عند العجز عن التغيير بالوسائل الايجابية باليد واللسان!

هذه المقاومة السلبية ليس معناها الشتم أو الاهانة أو استعمال العنف الذي يحظره الادب أو القانون، ولكنها موقف متحفظ، يشعر فيه المسيء والمجرم بانه كمية مهملة، وأنه محروم من التكريم والتعظيم الذي كان قد تعوده.. يشعره باستياء الآخرين من سلوكه!
ويشعره أخيراً بانه في وحشة وعزلة بسبب هجران الآخرين له، ومقاطعتهم اياه!

ثم هو موقف نشعر فيه نحن بأننا بدلنا موقفنا المائع المتراخي!

موقف المجاملة الكاذبة لكل احد، ولو على حساب الحق والفضيلة!

واتخذنا موقفاً لا يتطلب منا اكثر من العزم والتصميم، والشجاعة الادبية في سبيل كرامة امتنا، وكرامة انفسنا!

لن يكلفنا شيئاً.. لا من المجهود البدني، ولامن المجهود المالي، بل هو راحة بدن، وراحة ضمير، وتخلص من تكاليف المدنية السطحية في القيام للبر والفاجر، والابتسام في وجه الصالح والطالح، والتعاون مع المحسن والمسيء!

على انه لا يكفي ان يقوم بهذه المهمة فرد أو بضعة أفراد.. بل لا بد من التعاون في كل بيئة، وفي كل حي، وفي كل قرية، على مجانبة المفسدين ومقاطعتهم.. هذا هو العلاج الحاسم!

فاذا لم نقف هذا الموقف الحر الصريح، وتركنا الامور تسير على هذا التهاون الذي نحن عليه الآن، فنحن كلنا آثمون!

هل تعرفون سبب اللعنة التي نزلت على بني اسرائيل؟!

ذلك، انهم كانوا قد فقدوا الغيرة على حرمات الله، ولا يتناهون عن منكر فعلوه!

(لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانو يعتدون (78) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) (آية 78-79 سورة المائدة)

فاذا كما نريد حقا ان نبني مجتمعاً صالحاً قوياً، فيجب ان تكون لنا في رسول الله أسوة حسنة، وان نطبق هذا الدرس الاجتماعي العظيم!

(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثراً)! (آىة 21 سورة الأحزاب)

نعم، يجب ان نبث هذه الدعوة في كل الاوساط التي نخالطها، لكي يؤلفوا فيما بينهم جبهات، تبدأ صغيرة ثم تكبر!

هدفها حمل راية التناصح والمصارحة بالحق فيما بينهم.. ثم مقاطعة من لا تنفع النصيحة، ويصر على الاثم والعدوان!

وكراهية المنكر بالقلب دون اقل مظهر ايجابي أو سلبي ليس مقبولاً عند الله، بل يعد مشاركة في المنكر والاثم، واليكم الدليل، قال تعالىوإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتي يخوضوا في حديث غيره واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين)! (آية 68 سورة الأنعام)

وقال جل شأنه تذكيراً بهذا الواجب وتأكيداً لهوقد نزل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذا مثلهم ان الله جامع المنافقين والكافرين في جنهم جميعاً)! (آية 140 سورة النساء)

فانظروا إلى قولهانكم اذا مثلهم)!

فقد جعل الساكت على الكفر هو والكافر سواء!

والساكت على الاستهزاء هو والمستهزئ سواء!

وانظروا كيف جعل اقل ما يخرج به المرء من المشاركة في هذا الآثام وهو ان يعرض عن صاحبها، ويهجر مجلسه!

فكيف يكون الساكت على الظلم ظالماً، والساكت على الغيبة مغتاباً، والساكت على قول الزور مزوراً، والساكت عن السرقة لصاً ثانياً، والساكت على أي جريمة شريكاً فيها، وهكذا!

ولا مخرج لنا من الاثم في السكوت عنها إلا بعمل ما، واقله هذا العمل السلبي، وهو المهاجرة لاصحابها!

هذا هو اضعف الايمان!

اما الذي يكتفي باغماض عينيه، ويستمر في معاملته العادية للاثم على ما كان عليه، فلا شك ان هذا هو النفاق بعينه، ولذلك صرح في الحديث بانه ليس وراء هذه المرتبة مثقال حبة خردل من الايمان، فقد روى مسلم وغيره عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، ان رسول الله قال:

»ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون واصحاب، ياخذون بسنّته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، و يفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل«!

قال النووي: اما الحواريون المذكورون فاختلف فيهم، فقال الازهري وغيره: هم خلصان الانبياء واصفياؤهم، والخلصان الذين نقوا من كل عيب!

وقال غيره: انصارهم، وقيل: المجاهدون، وقيل: الذين يصلحون للخلافة بعدهم!

والآية السابقة فيها ما يوحي إلى ان هذا الفعل من عمل المنافقين، ففي ختامهاانكم اذا مثلهم ان الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً)!

ان التواصي بالحق سلاح بتار، ومع ذلك ليس فيه شيء من الخطورة على من يستعمله، لانه يقوم على موقف سلبي خالص، لا يؤاخذ عليه قانون، ولا يحظره ادب من الآداب العالية!

ومن عجز عن استعمال هذا السلاح الضعيف فهو عن استعمال غيره اعجز!

نقلته لاهميته ولافادتكم

لاتنسونى من صالح دعاؤكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.